ريمان برس - خاص -
لا يوجد من يلتحف الحقيقة ويتدثر بالمصداقية في عالم البشر وأحداثهم وتاريخهم القريب والبعيد المؤغل بالتاريخ إلا ما رحم ربي ؛ فخلال القرن الماضي الذي يطلق عليه القرن العشرين يتحفنا العقل البشري بالكثير من الحكايات والاساطير عن تداعيات وأحداث هذا القرن المليء بالجرائم البشرية التي ارتكبها الأقوياء بحق الضعفاء والمتقدمين بحق المتخلفين والأغنياء بحق الفقراء والعالم الأول بحق العالم الثاني والثالث إلى أخر التوصيفات والتصنيفات التي تم تسويقها ولا تزل تسوق في مفردات الخطاب السياسي والإعلامي وخطاب المؤرخين الذين شكلوا بوجودهم أداة التزوير وأهم وسائله ..؟!!
ثقافة التزوير هذه طالت تاريخ البشرية على مختلف الصعد والمجالات ؛ فعلى المستويات الفردية حدث تزوير السير الذاتية وعلى المستويات الوطنية حدث تزوير الاحداث ورموزها فطمست أدوار وبرزت أخرى وغاب أبطال وبرزا أخرين لا علاقة لهم بالأحداث ولكنهم تحولوا بقدرة قادر ومزور ماهر إلى ابطال ..؟!
على المستوى الدولي طال التزوير أحداث كونية كبرى أبرزها أحداث الحربين العالميتين الأولى عام 1916 م والثانية عام 1938 م من حيث أسباب ودوافع وابطال ورموز هذه الحروب ودور المنتصرين فيها في شيطنة المهزومين وتحميلهم وزر وموبقات الأحداث ومعاناة الملايين من البشر الذين دفعوا ثمن تقدم وتطور البشرية ؛ إذ أن كل الاحداث والتحولات التي شهدها العالم خلال المائة عام المنصرمة ورغم كل مظاهر تطورها وتقدمها فقد جاءت كل عوامل التقدم ومظاهر التقدم على حساب معاناة ملايين البشر الذين كانوا وقودا لعجلة التطور الصناعي التي انطلقت من الغرب الأوروبي ومن الولايات المتحدة الأمريكية ؛وهي العجلة التي سحقت بين تروسها أوطان وشعوب وأحلام وتطلعات وقيم ومشاعر واخلاقيات حضارية وإنسانية غابت في دهاليز منظومة هيئة الأمم وفي سجلاتها وملفاتها المليئة بقصص وحكايات الشعوب التي افترستها ماكينة التطور الإمبريالي التي جعلت من دماء البشر وقودا لها ومن أوطانهم مسرحا لبطولات استعمارية متوحشة تحت شعارات ومسميات إنسانية براقة لكن في حقيقتها لا علاقة لها بكل المشاعر والقيم الإنسانية ومنافية لكل القيم السماوية والأرضية ..؟!!
في الحرب العالمية الأولى _ مثلا _ كانت دوافعها اقتصادية وكل الحروب التي شهدها التاريخ الإنساني كانت ذات دوافع اقتصادية ومصالح ولم توجد حربا واحدة بعد مرحلة الفتوحات الإسلامية كانت ذات دوافع أخلاقية أو إنسانية ؛ وهنا قد يقول قائل ألم تكون الفتوحات الإسلامية بدورها مجرد ( غزو إسلامي ) لشعوب ودول الأخرين ..؟!!
وهنا أود القول أن هناك فرق بين من يأتي إليك حاملا قيم واخلاقيات ومفاهيم دينية وحضارية ترفع من مستواك الحياتي الاجتماعي والسلوكي ؛ ومن يأتي اليك حاملا أطماعا ويرغب في السيطرة عليك والتحكم بوجودك وهويتك ؛ والمسلمين لم يكونوا غزاة ولا طامعين بثروات وأن حدث بعد ذلك من قبل بعض الحكام المسلمين ما يشبه ذلك لكن القيم الإسلامية بحقيقتها لم تأتي لتنهب ما لدى الأخر بل لترشيده وهدايته وتطهيره من رجس الحياة العبثية بكل جهالتها ..ولا أنكر أن الكثير من الأمراء والملوك المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين وبعد رحيل صحابة رسول الله حولوا الدين بكل غايته وقيمه النبيلة إلى وسيلة للتسلط والأثراء وقهر وقمع الشعوب وكانت أسواء مرحلة إسلامية هي مرحلة ( الدولة العثمانية ) التي لم تعرف من مفاهيم وقيم الدين سواء أسمه وحسب فيما ممارستها كانت ممارسة استعمارية لا فرق بينها وبين أي دولة أو إمبراطورية استعمارية أخرى ..!!
وبالتالي فأن أبرز ما يمكنه وصفه بعملية التزوير التاريخي هو وصف الدولة العثمانية بانها دولة الخلافة الإسلامية وأن اسقاطها كان جزءا من التآمر على الإسلام ..؟!!
ويتجاهل أصحاب هذا المنطق أن الدولة العثمانية كانت أخطر المتآمرين على الإسلام والعرب والعروبة وعلى قيم واخلاقيات الإسلام الحنيف وتشريعاته العادلة .
بل يؤسفنا القول إن الإسلام تعرض لحملات تأمر وتشويه من قبل من يزعمون انتمائهم إليه فيما يعرف ب( الحملات الشعوبية ) التي انطلقت منذ خلاف المسلمين في موقعة ( الجمل ) وما تلاء تلك المواجهة من صراعات وحروب إسلامية _ إسلامية غايتها السلطة والحكم وهي الصراعات التي فتحت أبواب الجحيم على المسلمين وطالت تداعياتها الدين بكل قيمه الروحية وتشريعاته؛ فبرزت على اثر ذلك اجتهادات وتفسيرات ؛ ليخرجنا بموجبها أصحابها من ( دين الله ) إلى ( أديان ) متعددة المدارس والمذاهب والرؤى والمفاهيم ؛ والدافع في كل هذا السلوك كان المصالح الذاتية ؛ والأمر ذاته أنسحب على بقية الاحداث التاريخية التي لم تحركها القيم والاخلاقيات بل كانت ولا تزل تحركها مصالح البشر ..!!
لقد تعرض الوطن العربي ( لتسع حملات صليبية ) ؛ فهل كانت تلك الحملات تشن بدافع حماية ( مسيحيي الشرق ) كما قال ملك بريطانيا _ ريتشارد قلب الأسد _ ..؟! ومن من سيحمي مسيحيي الشرق من أنفسهم ؟ مع العلم أن المسيحيين تعرضوا للتنكيل والقمع والقتل والتعذيب والسجون والمطاردات ولكن في أوروبا القيصرية وليس في الشرق حيث موطن ووطن وجذور المسيحية ..
يتبع |