الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
الأحد, 11-مايو-2025
ريمان برس -

بسم الله الرحمن الرحيم
مـــصـــطــفـــى بن خالد

عبدالله عوبل…
صوت الحكمة ونبض الوطن

من النضال إلى الوزارة.. ومن الكلمة إلى الموقف الوطني

في زمن الضجيج والتشظي، حيث تتكاثر الشعارات وتبهت القيم، يبقى للأصوات الصادقة صدى لا يخفت، وللرجال الكبار حضور لا يُغيبُه العابرون .

يبرز الدكتور عبدالله عوبل كأحد هؤلاء الذين لم تُغرِهم المنابر ولا أرهبتهم العواصف، فكان ضميراً حياً لقضايا الوطن، وجسراً بين الفكر النبيل والنضال النزيه .

أجتمع فيه الأديب الحر والمناضل الصلب، فخاطب الوجدان بقلمه، ودافع عن الإنسان بموقفه، وواجه تعقيدات السياسة بثبات العقلاء، لا بانفعالات الحشود .
إنه صوت العقل في زمن الجنون، وبوصلة الوطن حين تتوه الاتجاهات .

من الجول إلى الوزارة..
مسيرة وطنية متفردة

في قرية الجول الوادعة بمحافظة أبين، وُلد عبدالله عوبل ليبدأ رحلته في حضن بيئة يمنية مشبعة بروح النضال، ومرصّعة بإرث ثقافي عريق .

هناك، على تخوم الحكايات الشعبية وهمسات الفقر النبيل، تفتّح وعيه الأول على أسئلة الوطن والكرامة، وتشبّع وجدانه بمشاغل الناس وأحلامهم البسيطة في الحرية والمساواة .

لم يتوقف عند حدود المكان، بل حمل أسئلته الكبرى إلى العالم، فحطّ رحاله في بلغاريا حيث نال درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية، وهناك تبلورت رؤاه وتعمّق إدراكه للعدالة والتغيير .

عاد إلى وطنه لا ليكتفي بدور المتفرّج، بل ليخوض غمار العمل الأكاديمي والسياسي، حالماً بوطن يتسع للجميع، ومؤمناً بأن الفكر المسؤول هو أول الطريق إلى التحرر الحقيقي .

السياسي المُثقّف..
حين يلتقي المبدأ بالواقع

لم يكن الدكتور عبدالله عوبل مجرّد أكاديمي يراقب من خلف النوافذ، بل كان ابن الشارع والناس، يتنفس نبضهم ويقرأ مستقبلهم بين سطور اللحظة .

التحق مبكراً بصفوف الجبهة القومية، مؤمناً بأن الوطن لا يُبنى من أبراج عاجية، بل من خنادق الكفاح والتغيير .
ومع تحوّلات المشهد السياسي، إنضم إلى الحزب الاشتراكي اليمني، حيث تدرّج في مهامه التنظيمية حتى غدا من أبرز مثقفيه وصنّاع وعيه .

لكن الرجل لم يقف عند حدود التنظيم، بل تجاوزها برؤية أوسع، فكان من أوائل الداعين إلى الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية، حين كانت تلك الأفكار تثير التوجّس لا الحماسة .
من هذه القناعة، ساهم في تأسيس حزب التجمع الوحدوي اليمني، مع رفيقه المناضل اليمني الجسور عمر الجاوي، ليكون منبراً حراً في الدفاع عن الوحدة الوطنية، وراية عالية تنادي بـ الديمقراطية والحريات العامة، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة والمصالح العابرة .

الأديب الذي كتب ذاته..
“مفكرات صغيرة” بوح جيل وشهادة وطن

لم يكن عبدالله عوبل سياسياً يكتفي بصخب المنابر، بل كان كاتباً ينصت إلى الداخل، يخطّ بالحبر ما تعذّر على الهتاف أن يقوله .

ففي عمله الأدبي البارز “ مفكرات صغيرة ”، لم يكتب مجرد سيرة ذاتية، بل فتح نوافذ الروح على ضوء التجربة، وسكب من ذاكرته الحيّة ما يختزل تاريخاً إنسانياً وسياسياً وثقافياً عاشه بصدقٍ ووجدان .

بلغته الشفيفة التي تمزج بين رهافة الأدب وصدق الاعتراف، رسم عوبل ملامح عصر بأكمله، جيلاً حلم بالتغيير وتكبد أثمانه، جيلاً مرّ من ضيق السجون إلى رحابة الفكرة، ومن مرارة الانكسار إلى عناد الأمل .

لم تكن “مفكرات صغيرة” كتاب تأريخ، بل كانت وثيقة وجدانية، كتبتها روح متمرّدة بحبر التجربة، فغدت شهادة زمن، ومرآة وطنٍ لا يزال يبحث عن صورته الكاملة .

وزير الثقافة الذي آمن بالحوار في زمن الشتات

حين عصفت رياح التغيير (الربيع العربي) باليمن، واختلطت الأصوات بين الطموح والانقسام، جاء الدكتور عبدالله عوبل إلى وزارة الثقافة لا بصفة موظف دولة، بل كمثقفٍ يؤمن بأن الكلمة الحرة هي أول جسور السلام، وأن الثقافة هي ما يتبقّى حين يتهاوى كل شيء .

في الفترة بين 2011 و2014، التي تعتبر واحدة من أكثر المراحل حرجاً في تاريخ اليمن المعاصر، تولّى عوبل حقيبة الثقافة ضمن حكومة الوفاق الوطني، فنهض بالمؤسسة كمنبر للمصالحة الفكرية والوجدانية، لا كهيكل روتيني .

ورغم ضيق الإمكانيات وتعقيد المشهد، أبقى عوبل على شعلة الثقافة متقدة ؛ فأعاد الاعتبار لدور المؤسسات الثقافية، وفتح أبواب الوزارة أمام الأصوات الشابة والمهمّشة، ودافع عن حرية الإبداع والتعبير كحق لا منّة .
كان يؤمن أن الحوار الثقافي بين مكونات اليمن ليست حاجةً نخبويةً، بل ضرورة وطنية لصناعة مستقبل مشترك، وقد جسّد ذلك بدعمه للمبادرات واللقاءات التي سعت إلى جمع الكلمة وتضميد الجراح .

حين تصبح الحجارة ذاكرة وطن :
عوبل وحملة إنقاذ التاريخ من النسيان

لم يكن الدكتور عبدالله عوبل وزيراً للثقافة فحسب، بل حارساً لذاكرة الوطن .
ففي زمنٍ كانت فيه المعالم التاريخية عرضة للإهمال والتخريب، قاد حملة وطنية جريئة لحماية المواقع الأثرية والتاريخية في عموم البلاد، مؤمناً بأن صيانة التاريخ ليست إسرافاً، بل مسؤولية وطنية تحمي الهوية وتعيد الاعتبار لليمن كأرضٍ ضاربة في أعماق الحضارة .

كانت حملته بمثابة دعوة للوعي، ربط فيها بين الماضي والمستقبل، وأعتبر أن حماية التراث ليست مهمة المؤسسات وحدها، بل مسؤولية كل يمني يرى في الحجارة القديمة سردية وطنٍ لا تموت .

عبدالله عوبل..
حين يصير الحرف سلاحاً والموقف وطناً

ولأن نضاله لم يكن حكراً على ساحات السياسة ولا مكاتب الدولة، بل امتدّ عميقاً إلى ميادين الفكر، اختار عبدالله عوبل أن يُكمل معركته عبر الكلمة الحرة .

لم يرضَ بدور العضو العابر في إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، بل تولّى رئاسته في واحدة من أكثر المراحل تعقيداً، مؤمناً بأن الحرف مسؤولية وطنية، وأن الكلمة الصادقة هي آخر ما يجب أن يُقصى حين تشتد العواصف وتعلو أصوات الاصطفاف .

لقد حمل الكلمة كما يحمل المناضل بندقيته؛ لا ليرفعها في وجه خصم، بل ليصنع بها جسوراً من المعنى، ويُبقي الوعي حياً في وجه محاولات التغريب والتزييف .

فكان صوتاً نقياً في زمن الضوضاء، وموقفاً راسخاً لا ينحني لعواصف التسييس أو الترويض .

مواقف لا تُساوَم..
ضد التمزيق والتبعية

في زمن التنازلات الرمادية، كان عبدالله عوبل صوتاً واضحاً لا يهادن، وضميراً وطنياً يرفض أن يُساير موجة الانقسام أو يُهادن مشاريع الوصاية .

عُرف بمواقفه الحاسمة ضد كل مخططات التقسيم التي تهدد وحدة اليمن الجغرافية والسياسية، ووقف بقوة في وجه الأجندات الإقليمية التي تحاول هندسة حاضر البلاد على مقاس مصالحها الخاصة .

لم يتردد في توجيه نقده العلني لـ المجلس الانتقالي الجنوبي، واصفاً إياه بأنه “ مشروع تفكيك يفتقر للشرعية الوطنية، ويسير في ركاب الخارج لا في دروب اليمنيين ” .
وفي واحد من أكثر حواراته تأثيراً، أطلق تحذيراً صريحاً من محاولات اختطاف الجنوب تحت شعارات مخادعة، داعياً أبناءه إلى توحيد صفوفهم داخل إطار وطني جامع، لا إقصائي، يؤمن بالشراكة لا بالهيمنة، وبالكرامة لا بالتبعية .

لقد ظل عبدالله عوبل وفيّاً لقيم الجمهورية والوحدة، منفتحاً على كل حوار يفضي إلى عدالة، ورافضاً كل تسوية تُبنى على أنقاض السيادة وكرامة الإنسان اليمني .

عبدالله عوبل..
الضمير الذي لم يصمت

ليس سهلاً أن تُبقي ضميرك حيّاً في زمن تتنازع فيه الولاءات وتُشترى فيه المواقف، لكن عبدالله عوبل فعلها، ومضى بشجاعة من يعرف قيمة الكلمة ووزن الموقف .
لم يساوم على مبادئه، ولم يبع صوته في أسواق الاصطفاف، ونخاسة الأوطان، بل ظل كما عرفه الوطن :
صوتاً عاقلاً وسط الجنون، ونبضاً وطنياً في جسدٍ أنهكته الخيبات .

آمن باليمن الواحد لا الممزق، بالدولة المدنية لا العسكرية، وبالحوار لا الإقصاء .
كان المثقف الذي لم تغوِه السلطة، والسياسي الذي لم يخن قلمه، والإنسان الذي لم يضعف حين صمت الآخرون .
في حضوره وغيابه، ظل عبدالله عوبل رمزاً لليمن الذي نحلم به :
حراً، كريماً، موحّداً، لا تابعاً ولا منقسماً .

الخلاصة :

لأن الوطن لا ينسى أبناءه الكبار :

أمثال عبدالله عوبل لا يغيبون، فهم من سلالة القِمم التي تظل شاخصة مهما اشتدت العواصف .

لم يكن مجرد اسم في سجل النخبة، بل ذاكرة حية لزمن التحولات، وروحاً يقظة في جسد وطنٍ يتلمس خلاصه وسط التيه .

ففي كل لحظة ارتباك، نعود إلى أمثاله لنستعيد البوصلة .

لماذا ؟
لأنهم لا يغيبون، ولأن الوطن الذي أنجبهم يحتاجهم كلما ضاقت المسارات وكثرت الرياح .

سيبقى عبدالله عوبل – الأديب والمناضل، المثقف الحر والسياسي النبيل – شاهداً على مرحلةٍ مشحونة بالأسئلة، وجزءاً من الإجابة التي ما زلنا نبحث عنها بشغف وألم، في طريق طويل نحو وطنٍ عادل، حر، وشامل لكل أبنائه .

نعم سيبقى
جزءاً من الإجابة التي لم نكتمل بعد في صياغتها .

https://www.facebook.com/share/p/1G9DevA3g5/?mibextid=wwXIfrشذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم
مـــصـــطــفـــى بن خالد

عبدالله عوبل…
صوت الحكمة ونبض الوطن

من النضال إلى الوزارة.. ومن الكلمة إلى الموقف الوطني

في زمن الضجيج والتشظي، حيث تتكاثر الشعارات وتبهت القيم، يبقى للأصوات الصادقة صدى لا يخفت، وللرجال الكبار حضور لا يُغيبُه العابرون .

يبرز الدكتور عبدالله عوبل كأحد هؤلاء الذين لم تُغرِهم المنابر ولا أرهبتهم العواصف، فكان ضميراً حياً لقضايا الوطن، وجسراً بين الفكر النبيل والنضال النزيه .

أجتمع فيه الأديب الحر والمناضل الصلب، فخاطب الوجدان بقلمه، ودافع عن الإنسان بموقفه، وواجه تعقيدات السياسة بثبات العقلاء، لا بانفعالات الحشود .
إنه صوت العقل في زمن الجنون، وبوصلة الوطن حين تتوه الاتجاهات .

من الجول إلى الوزارة..
مسيرة وطنية متفردة

في قرية الجول الوادعة بمحافظة أبين، وُلد عبدالله عوبل ليبدأ رحلته في حضن بيئة يمنية مشبعة بروح النضال، ومرصّعة بإرث ثقافي عريق .

هناك، على تخوم الحكايات الشعبية وهمسات الفقر النبيل، تفتّح وعيه الأول على أسئلة الوطن والكرامة، وتشبّع وجدانه بمشاغل الناس وأحلامهم البسيطة في الحرية والمساواة .

لم يتوقف عند حدود المكان، بل حمل أسئلته الكبرى إلى العالم، فحطّ رحاله في بلغاريا حيث نال درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية، وهناك تبلورت رؤاه وتعمّق إدراكه للعدالة والتغيير .

عاد إلى وطنه لا ليكتفي بدور المتفرّج، بل ليخوض غمار العمل الأكاديمي والسياسي، حالماً بوطن يتسع للجميع، ومؤمناً بأن الفكر المسؤول هو أول الطريق إلى التحرر الحقيقي .

السياسي المُثقّف..
حين يلتقي المبدأ بالواقع

لم يكن الدكتور عبدالله عوبل مجرّد أكاديمي يراقب من خلف النوافذ، بل كان ابن الشارع والناس، يتنفس نبضهم ويقرأ مستقبلهم بين سطور اللحظة .

التحق مبكراً بصفوف الجبهة القومية، مؤمناً بأن الوطن لا يُبنى من أبراج عاجية، بل من خنادق الكفاح والتغيير .
ومع تحوّلات المشهد السياسي، إنضم إلى الحزب الاشتراكي اليمني، حيث تدرّج في مهامه التنظيمية حتى غدا من أبرز مثقفيه وصنّاع وعيه .

لكن الرجل لم يقف عند حدود التنظيم، بل تجاوزها برؤية أوسع، فكان من أوائل الداعين إلى الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية، حين كانت تلك الأفكار تثير التوجّس لا الحماسة .
من هذه القناعة، ساهم في تأسيس حزب التجمع الوحدوي اليمني، مع رفيقه المناضل اليمني الجسور عمر الجاوي، ليكون منبراً حراً في الدفاع عن الوحدة الوطنية، وراية عالية تنادي بـ الديمقراطية والحريات العامة، بعيداً عن الاصطفافات الضيقة والمصالح العابرة .

الأديب الذي كتب ذاته..
“مفكرات صغيرة” بوح جيل وشهادة وطن

لم يكن عبدالله عوبل سياسياً يكتفي بصخب المنابر، بل كان كاتباً ينصت إلى الداخل، يخطّ بالحبر ما تعذّر على الهتاف أن يقوله .

ففي عمله الأدبي البارز “ مفكرات صغيرة ”، لم يكتب مجرد سيرة ذاتية، بل فتح نوافذ الروح على ضوء التجربة، وسكب من ذاكرته الحيّة ما يختزل تاريخاً إنسانياً وسياسياً وثقافياً عاشه بصدقٍ ووجدان .

بلغته الشفيفة التي تمزج بين رهافة الأدب وصدق الاعتراف، رسم عوبل ملامح عصر بأكمله، جيلاً حلم بالتغيير وتكبد أثمانه، جيلاً مرّ من ضيق السجون إلى رحابة الفكرة، ومن مرارة الانكسار إلى عناد الأمل .

لم تكن “مفكرات صغيرة” كتاب تأريخ، بل كانت وثيقة وجدانية، كتبتها روح متمرّدة بحبر التجربة، فغدت شهادة زمن، ومرآة وطنٍ لا يزال يبحث عن صورته الكاملة .

وزير الثقافة الذي آمن بالحوار في زمن الشتات

حين عصفت رياح التغيير (الربيع العربي) باليمن، واختلطت الأصوات بين الطموح والانقسام، جاء الدكتور عبدالله عوبل إلى وزارة الثقافة لا بصفة موظف دولة، بل كمثقفٍ يؤمن بأن الكلمة الحرة هي أول جسور السلام، وأن الثقافة هي ما يتبقّى حين يتهاوى كل شيء .

في الفترة بين 2011 و2014، التي تعتبر واحدة من أكثر المراحل حرجاً في تاريخ اليمن المعاصر، تولّى عوبل حقيبة الثقافة ضمن حكومة الوفاق الوطني، فنهض بالمؤسسة كمنبر للمصالحة الفكرية والوجدانية، لا كهيكل روتيني .

ورغم ضيق الإمكانيات وتعقيد المشهد، أبقى عوبل على شعلة الثقافة متقدة ؛ فأعاد الاعتبار لدور المؤسسات الثقافية، وفتح أبواب الوزارة أمام الأصوات الشابة والمهمّشة، ودافع عن حرية الإبداع والتعبير كحق لا منّة .
كان يؤمن أن الحوار الثقافي بين مكونات اليمن ليست حاجةً نخبويةً، بل ضرورة وطنية لصناعة مستقبل مشترك، وقد جسّد ذلك بدعمه للمبادرات واللقاءات التي سعت إلى جمع الكلمة وتضميد الجراح .

حين تصبح الحجارة ذاكرة وطن :
عوبل وحملة إنقاذ التاريخ من النسيان

لم يكن الدكتور عبدالله عوبل وزيراً للثقافة فحسب، بل حارساً لذاكرة الوطن .
ففي زمنٍ كانت فيه المعالم التاريخية عرضة للإهمال والتخريب، قاد حملة وطنية جريئة لحماية المواقع الأثرية والتاريخية في عموم البلاد، مؤمناً بأن صيانة التاريخ ليست إسرافاً، بل مسؤولية وطنية تحمي الهوية وتعيد الاعتبار لليمن كأرضٍ ضاربة في أعماق الحضارة .

كانت حملته بمثابة دعوة للوعي، ربط فيها بين الماضي والمستقبل، وأعتبر أن حماية التراث ليست مهمة المؤسسات وحدها، بل مسؤولية كل يمني يرى في الحجارة القديمة سردية وطنٍ لا تموت .

عبدالله عوبل..
حين يصير الحرف سلاحاً والموقف وطناً

ولأن نضاله لم يكن حكراً على ساحات السياسة ولا مكاتب الدولة، بل امتدّ عميقاً إلى ميادين الفكر، اختار عبدالله عوبل أن يُكمل معركته عبر الكلمة الحرة .

لم يرضَ بدور العضو العابر في إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، بل تولّى رئاسته في واحدة من أكثر المراحل تعقيداً، مؤمناً بأن الحرف مسؤولية وطنية، وأن الكلمة الصادقة هي آخر ما يجب أن يُقصى حين تشتد العواصف وتعلو أصوات الاصطفاف .

لقد حمل الكلمة كما يحمل المناضل بندقيته؛ لا ليرفعها في وجه خصم، بل ليصنع بها جسوراً من المعنى، ويُبقي الوعي حياً في وجه محاولات التغريب والتزييف .

فكان صوتاً نقياً في زمن الضوضاء، وموقفاً راسخاً لا ينحني لعواصف التسييس أو الترويض .

مواقف لا تُساوَم..
ضد التمزيق والتبعية

في زمن التنازلات الرمادية، كان عبدالله عوبل صوتاً واضحاً لا يهادن، وضميراً وطنياً يرفض أن يُساير موجة الانقسام أو يُهادن مشاريع الوصاية .

عُرف بمواقفه الحاسمة ضد كل مخططات التقسيم التي تهدد وحدة اليمن الجغرافية والسياسية، ووقف بقوة في وجه الأجندات الإقليمية التي تحاول هندسة حاضر البلاد على مقاس مصالحها الخاصة .

لم يتردد في توجيه نقده العلني لـ المجلس الانتقالي الجنوبي، واصفاً إياه بأنه “ مشروع تفكيك يفتقر للشرعية الوطنية، ويسير في ركاب الخارج لا في دروب اليمنيين ” .
وفي واحد من أكثر حواراته تأثيراً، أطلق تحذيراً صريحاً من محاولات اختطاف الجنوب تحت شعارات مخادعة، داعياً أبناءه إلى توحيد صفوفهم داخل إطار وطني جامع، لا إقصائي، يؤمن بالشراكة لا بالهيمنة، وبالكرامة لا بالتبعية .

لقد ظل عبدالله عوبل وفيّاً لقيم الجمهورية والوحدة، منفتحاً على كل حوار يفضي إلى عدالة، ورافضاً كل تسوية تُبنى على أنقاض السيادة وكرامة الإنسان اليمني .

عبدالله عوبل..
الضمير الذي لم يصمت

ليس سهلاً أن تُبقي ضميرك حيّاً في زمن تتنازع فيه الولاءات وتُشترى فيه المواقف، لكن عبدالله عوبل فعلها، ومضى بشجاعة من يعرف قيمة الكلمة ووزن الموقف .
لم يساوم على مبادئه، ولم يبع صوته في أسواق الاصطفاف، ونخاسة الأوطان، بل ظل كما عرفه الوطن :
صوتاً عاقلاً وسط الجنون، ونبضاً وطنياً في جسدٍ أنهكته الخيبات .

آمن باليمن الواحد لا الممزق، بالدولة المدنية لا العسكرية، وبالحوار لا الإقصاء .
كان المثقف الذي لم تغوِه السلطة، والسياسي الذي لم يخن قلمه، والإنسان الذي لم يضعف حين صمت الآخرون .
في حضوره وغيابه، ظل عبدالله عوبل رمزاً لليمن الذي نحلم به :
حراً، كريماً، موحّداً، لا تابعاً ولا منقسماً .

الخلاصة :

لأن الوطن لا ينسى أبناءه الكبار :

أمثال عبدالله عوبل لا يغيبون، فهم من سلالة القِمم التي تظل شاخصة مهما اشتدت العواصف .

لم يكن مجرد اسم في سجل النخبة، بل ذاكرة حية لزمن التحولات، وروحاً يقظة في جسد وطنٍ يتلمس خلاصه وسط التيه .

ففي كل لحظة ارتباك، نعود إلى أمثاله لنستعيد البوصلة .

لماذا ؟
لأنهم لا يغيبون، ولأن الوطن الذي أنجبهم يحتاجهم كلما ضاقت المسارات وكثرت الرياح .

سيبقى عبدالله عوبل – الأديب والمناضل، المثقف الحر والسياسي النبيل – شاهداً على مرحلةٍ مشحونة بالأسئلة، وجزءاً من الإجابة التي ما زلنا نبحث عنها بشغف وألم، في طريق طويل نحو وطنٍ عادل، حر، وشامل لكل أبنائه .

نعم سيبقى
جزءاً من الإجابة التي لم نكتمل بعد في صياغتها

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)