ريمان برس -خاص -
كان ذلك اللقاء هو أول لقاء جمعني بشخصية رسمية كنت أراها فقط عبر التلفزيون والصحف، بعد عودتي من القرية ما أنفكيت في إبداء تفاخري أمام معارفي وزملائي وقليلا فقط منهم من كانوا يصدقوا أنني سافرت مع الرائد منصور عبد الجليل قائد قوات الشرطة العسكرية، وبعضهم كان يذهب للمرحوم محمدثابت _رحمة الله تغشاه _ للتأكد من صحة كلامي، يؤمها كانت قوات الشرطة العسكرية، تقوم بدور محوري وأساسي في ضبط إيقاعات الانضباط داخل مفاصل المؤسسة العسكرية والامنية، عبر تطبق قوانينها الصارمة علي منتسبي القوات المسلحة والأمن وكانت قوانينها الصارمة التي تطبقها تعكس رغبة القيادة في تأسيس دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، يؤمها كان لا يجرؤ أيا كان وكانت رتبته ومكانته في مفاصل الدولة والمؤسستين العسكرية والامنية من أستخدام سيارات الجيش أو سيارات الشرطة أو تلك التي تحمل أرقام حكومية خارج الدوام الرسمي أو في أستخدامها للأغراض الشخصية، كما كان يستحيل علي أي منتسب لقوات الشرطة العسكرية إستغلال مكانته للإساة للاخرين أو الاستقواء بها لتحقيق مصلحة شخصية وفي هذا الجانب أتذكر واقعة حدث داخل مطعم فلسطين الواقع في شارع الشهيد علي عبد المغني، حين دخل بعض من أفراد الشرطة إلي المطعم لتناول وجبة الإفطار كانت الساعة حوالي العاشرة صباحا وكنت بالصدفة في مستودع سيناء المجاور عند الوالد المرحوم عبد الحق سالم العريقي _رحمه الله _ لجلب بعض الطلبات لمتجر باب البلقة الذي أعمل فيه حيث سمعنا هرجا وصياحا وتجمع الناس في الشارع فذهبت لمشاهدة ما يحدث، وكان خلافا قد نشب بين أصحاب المطعم والعاملين فيه مع أولئك النفر من منتسبي الشرطة العسكرية، حين تفاجأ الجميع بوصول أحد أطقم الشرطة الذي تعامل بقسوة وصرامة مع أولئك النفر من زملائهم، وألقوا بهم علي ظهر الطقم قبل أن يقدموا أعتذارهم لاصحاب المطعم وأبلغوهم بإيصال الأمر للقائد كي يحصلوا علي تعويض عن الخسائر التي تسبب بها أولئك الأفراد الذين تناولوا ما طلبوا ثم رفضوا دفع الحساب..؟!
كثيرة هي الوقائع التي تؤكد مكانة ودور الشرطة العسكرية في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وقيادة الرائد منصور عبد الجليل عبد الرب الذي كان أحد الحالمين بدولة النظام والقانون، دولة المواطنة والعدالة، غير أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن كما يقال.
علي أختلاف الكثيرون كان الرجل وهو القائد العسكري والمثقف السياسي والوطني الغيور علي وطنه وشعبه وحالم بتقدمهما وتطورهما، كان يدرك بوعي وبصيرة خارطة التناقضات الاجتماعية والقبلية والسياسية وحتي الطائفية، وكان يعمل علي أن يكون بعيدا عن هذه المتناقضات وأن يسخر قدراته لكل ما يخدم الوطن والمواطن ويعزز من وجود ودور الدولة ما أستطاع لذلك سبيلا، دون أن يضع نفسه في دائرة المتناقضات والصراعات التي كانت ولاتزل بنظر الرجل غير ذات جدوي وأنها تعزز بؤر التوتر وتوسع من دائرة التناقضات، ولهذا نأي الرجل بنفسه ودوره بعد أن أستنفذ ما لديه من مفردات النصح لجميع الأطراف، ولم يتردد في تحذير الجميع بصدق وبمشاعر وطنية صادقة عن مخاطر ما بينهم من تناقضات، لتأتي أحداث 11 أكتوبر 1977م التي تمر اليوم ذكراها ( السادسة والأربعين) ، تلك الحادثة التي كانت مؤلمة وقاسية علي الرجل الذي أعطي وطنه كل طاقاته، فكانت الحادثة بمثابة الكارثة التي دفت الرجل للإقتدا بالصحابي أبي ذر الغفاري، تاركا مسرح الصراع لرموزه من عشاق التناقضات مؤمنا بأن الوطن إذا ما استدعاه لن يتردد في تلبية طلبه.
تعامل الرجل مع كل المتناقضات والصراعات كرجل دولة رافضا فكرة الاصطفاف لأطراف الصراع، مؤمنا بواحدية المواطنة والشراكة الوطنية مقدما حاجة الوطن للتنمية والبناء والتعمير والتقدم الحضاري، عن الصراعات التنافسية علي السلطة والحكم رافضا بالمطلق أن يكون جزءا من منظومة الصراع أو تلويث اليد بدماء أبناء وطنه مهما كانت المغريات والمكاسب المردودوة كحصيلة لمثل هذا السلوك الذي رفضه ولايزل يرفضه هذا الرجل الذي يمتاز بكونه رجل دولة إستثنائي ولهذا تجنب مسرح الصراع والتناقضات واضعا نفسه في خدمة وطنه وأبناء شعبه، لذا وحين أستدعاه واجبه الوطني لم يتردد فتقلد عدة مناصب سيادية كمحافظ لعدة محافظات هي ذمار، والمحويت، وإب، ولحج، ثم مثل بلاده في أكثر من دولة كسفيرا لها، فكان سفيرا ومفوضا في المانيا، ثم سفيرا ومفوضا في أثيوبيا، وفي كل المناصب التي شغلها نال أحترام وتقدير الجميع. محليا نجد أبناء المحافظات التي شغل فيها منصب المحافظ يثنون عليه وعلي دوره في تنمية تلك المحافطات التي نمت وتطورت في عهده وشهدت معه حركة تنمية وتعمير وتأسست فيها بني تحتية مثل الطرق والمدارس ومشاريع المياه والصحة..
وخلال مسيرته الوطنية التي أمتدت من قيادة الشرطة العسكرية حتي حط أخيرا كعضوا في مجلس الشوري ظل أسم منصور عبد الجليل نقيا كالبلور.
تحية إجلال وتقدير لهذا الهامة الوطنية، لرجل بحجم وطن، رجل عشق وطنه ومنحه عصارة جهده، رجل لم يحب الشهرة ولم يعشق الظهور، رجل عمل ويعمل بصمت، وهو حقا رجل إستثنائي في كل مواقفه الوطنية، وقبل كل هذا هو إنسان يحمل كل المشاعر الإنسانية النبيلة.
11 أكتوبر 2023م |