ريمان برس - خاص -
ذات يوم مؤغل من أيامنا المسكونة بكل مفردات الأحلام المترعة المنسوجة من أطياف شمس حركة 13 يونيو، يؤمها كنت مجرد طالب لا يتجاوز الرابعة عشرا من العمر، كنت قد بدأت رحلة المعرفة علي يد والدي _ رحمة الله تغشاه _ ثم علي يد الفقيه والمعلم الأول لي وللكثير من أمثالي من أبناء قريتي المرحوم ناشر محمد العريقي _ رحمةالله تغشاه _، في قرية ( وادي شعيب) وعلي يديه حفظت أجزاء من القرآن الكريم وأيضا القراة والكتابة وأدبيات إسلامية، لأنتقل بعد ذلك لمدرسة الشهيد عبد الرحمن مهيوب أنعم في قرية( العرين) أعروق، التي غادرتها وأنا في الصف الرابع الابتدائي الذي يمكن مقارنة مستواه اليوم بمستوي الصف التاسع..؟!
غادرة القرية إلي صنعاء للعمل مع المرحوم الحاج محمد ثابت عبده في ( متجر باب البلقة) حديث التأسيس، الواقع جوار قسم شرطة باب البلقة شرق المستشفي الجمهوري في العاصمة صنعاء، يؤمها كان ثمة حراك وطني إليه ترنوا القلوب والعقول، وله تشنف الآذان، ورغم _ صغر سني _ يؤمها إلا أن أحلامي كانت كبيرة تمتد بأمتداد الجغرافيةاليمنية والخارطة القومية، كما كنت مبهورا بشخصيات المرحلة أمثال الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي رئيس الجمهورية، الرائد منصور عبد الجليل قائد الشرطة العسكرية، الرائد عبد الله عبد العالم قائد قوات المظلات، الاستاذ عبد العزيز عبد الغني، وشخصيات وطنية أخري، كنت أراها علي شاشات التلفاز، غير أن الأقدار دفعتني لأن أري عن قرب الرائد منصور عبد الجليل عبد الرب قائد الشرطة العسكرية، كان يؤمها شابا يتمتع بديناميكية وبشخصية كارزمية فيما كان زيه العسكري يثير في ذاتي شبق ورغبة الأنتماء للمؤسسة العسكرية غير أن الأقدار ذهبت بي بعيدا عن تلك الأحلام التي كنت أحملها وكانت أكبر بكثير من إمكانياتي وقدراتي ذاتيا وموضوعيا ونفسيا.
وشاءت الأقدار أن أجد نفسي أمام أحد الشخصيات الوطنية التي كنت أراها عبر شاشات التلفزيون يوم كان بثه مقتصرا علي اللونين الابيص والاسود، ولساعات محدودة، وكان اللقاء الأول والمباشر بالقائد منصور عبد الجليل في معرض ( أضواء العاصمة) أمام مدرسة ناصر والتابع للمرحوم عبدالتواب سعيد عبده،رحمه الله ، حين تفاجأ كل من كان في المحل بدخول قائد الشرطة العسكرية الرائد منصور عبد الجليل الذي أجري حديثا مقتضبا مع صاحب المحل، لم يكن مدججا بالمرافقين ولم يكن معه موكبا من السيارات، بل جاءا علي متن طقم عسكري كان هوا من يقف خلف مقوده، وكان بجواره رجل بزي مدني وعلي متن الطقم كان يجلس أثنان من أفراد الشرطة هما المرافقان للقائد..
كان قد مر علي وجودي في صنعاء قرابة ثمانية أشهر لتحل مناسبة عيد الاضحي، وشاءت الأقدار أن أسافر من صنعاء الي تعز برفقة المرحوم محمد ثابت عبدالرحمن العريقي _صاحب متجر باب البلقة _علي متن أحد أطقم الشرطة العسكرية الذي كان يقوده الرائد منصور عبد الجليل قائد الشرطة،وكان علي متن الطقم أربعة من المرافقين يجلس كل أثنان منهما في جانب يواجهان بعضهما، فيما كنت والمرحوم محمد ثابت في المقدمة الي جانب السائق الذي كان أيضا هو القائد، كنت أحتل موقعي إلي جانبه وعلي يميني يجلس المرحوم محمد ثابت، ومنذ لحظة تحركنا من موقعنا وضع القائد بين يدي كيسا لم أعرف ماذا بداخله إلا عند أول نقطة قابلتنا لمنتسبي الشرطة العسكرية حيث توقف القائد ونزل ليصافح أفراد النقطة ثم عاد وجلس خلف المقود وأمتدت يديه لكيس الدعاية الذي بين يدي واخرج منه مبلغا من المال وسلمها لاحد الافراد وعرفت بعد انطلاقنا ومن خلال حوار دار ببنه وبين المرحوم محمد ثابت انها مكافئة العيد وهكذا وعلي أمتداد الطريق من صنعاء إلي مدينة تعز كان القائد يقف وينزل يصافح أفراد النقطة ويتسأل عن أفرادها كلا بأسمه ثم ينتهي اللقاء بأخراج مبلغا من المال يوزع بين أفرادها، لنصل تعز في الساعات الأولي من فجر اليوم التالي لنقضي بقية الليل بأنتظار بزوغ الشمس في منزل الحاج عبد الحق سعيد عبده رجل الأعمال المعروف وصاحب مستودع سيناء في شارع الشهيد علي عبد المغني، وأحد أكثر أصدقاء القائد
حين نزلنا من السيارة نزلت ومعي ذلك الكيس الذي كان يخرج منه الفلوس (فئة الخمسة ريال) وفي حوش المنزل أخذ مني القائد ذلك الكيس وأخرج منه مبلغا من المال هو بقايا رزمة فئة خمسة ريال ودسها في جيبي في لحظة كنت فيها أعاني من النوم ومن الانبهار بشخصية هذا القائد الذي تشرفت بمعرفته والسفر معه بعد أن كنت لا أراه إلا علي شاشة التلفاز أو علي صفحات الصحف.
في الصباح حين صحيت لم أجد القائد ولم أري السيارة التي نقلتنا من صنعاء الي تعز لكن عرفت أن في جيبي 200 ريال أعطاني أياها القائد هدية العيد فيما ما تبقي من راتبي طيلة 8 أشهر لم يتجاوز 250 ريال، غير أن هذا المبلغ في ذلك الزمن كانت له كرامة وسيادة ومكانة.
يتبع |