ريمان برس - خاص -
عام 1991 م وبعد تفكك المعسكر الاشتراكي ابتكر ( البنتاجون الأمريكي) نظريتان جديدتان لإدارة مرحلة جديدة من الصراع الجيوسياسي أطلق عليهما (الصدمة والرعب) و (الفوضى الخلاقة)..؟
عام 1992 م أنتجت( هوليود) وبايعاز من( البنتاجون) طبعا فيلما أطلق عليه (قواعد الاشتباك) تدور أحداثه في اليمن..؟!
وفي ذات العام كتب عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير ( صحيفة الشرق الأوسط_ السعودية) _الصادرة من لندن _ والذي لا يكتب الا ما يدور بكواليس ( قصور الرياض ومطابخ البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية) وقد كتب يؤمها مقالا مطولا يخاطب به مواطني دول مجلس التعاون يطالبهم (بالتمسك بانظمتهم وشيوخهم وامرائهم ويحمدون الله عليهم وعلى ما هم فيه من نعم ويحذرهم من التأثر بما يجري في اليمن وان لا يبهرهم الحراك السياسي في اليمن وحالة الانفتاح الديمقراطي وحرية الرأي والتعبير الذي تعيشه اليمن، ويطلب منهم الانتظار والترقب بما سيحل باليمن واليمنيين ، مؤكدا بل قاطعا وعدا للشعوب الخليجية بأن كل ما تعيشه اليمن سيزول قريبا)..؟!
ولا يزال المقال المذكور يحتل مكانه في أرشيفي..
عام 1993 م بدت الأزمة اليمنية _ السعودية حول الحدود وتدخلت سورية والرئيس حافظ الأسد بين صنعاء والرياض وجاء عبد الحليم خدام نائب الرئيس حافظ الأسد إلى صنعاء وقام بزيارة الحدود اليمنية _السعودية..
كانت الخارجية الأمريكية والبنتاجون قد نشروا مضامين استراتيجية (الصدمة والرعب) و (الفوضى الخلاقة) وتناول مضامينهما الكثيرون من المثقفين العرب، وكتبت عنهما كثيرا في صحف رسمية وحزبية ولكن..؟
حين تفجرت أحداث ما يسمى ب ( الربيع العربي) عام 2011 م كنت على يقين بأن ما يحدث ليس ثورات للأسف مع احترامي للنوايا الطيبة لبعض الشباب العربي، لكن حقيقة لم يكن الحدث الذي عم الوطن العربي يعبر عن دوافع ثورية شعبية وان حمل بعض المطالب المشروعة، بل كان تطبيقا حرفيا لاستراتيجية (الفوضى الخلاقة) و هناك قوى خفية كانت توظف تلك الأحداث وتشرف عليها لتحقيق أهداف بعيدة عن كل ما يتوهمه الشباب العربي أو الثوار العرب وفي مختلف الساحات، وكان لأي مراقب حصيف ومحايد القدرة في استنتاج هذه الحقيقة بمعزل عن صخب (ارحل) والشعب يريد..؟!
يؤمها أنحزت للنظام ليس حبا بالنظام ولا برموز النظام، بل حبا بالوطن وبامن واستقرار وسكينة الوطن والشعب، واقسم اني كنت أرى ما يحدث اليوم أمامي في تلك المرحلة، بل كنت على يقين بأننا ذاهبين نحو الكارثة التي نتجرع مرارتها اليوم، وتساءلت يومها بعض رموز الثورة ماذا بعد إسقاط النظام؟ فكان الرد يسقط النظام وبعدها ما بدا بدينا عليه، وجواب كهذا يعكس حالة ضمور فكري وتخلف سياسي ويعبر عن حقيقة وحيدة وهي الحقد على النظام وفي السياسة ليس هناك احقاد بل تحقيق فن الممكن..!
بيد أن المتأمل في تداعيات الأحداث سيجد استراتيجية الصدمة والرعب قد تجسدت في غزو العراق واعتقال الرئيس صدام حسين من حفرة وبطريقة صادمة للوعي الجمعي العربي وزاد من ذلك إعدامه صبيحة عيد الأضحى المبارك ومحاكمته على جريمة (الدجيل) التي مر بها بموكبه وهو رئيس جمهورية وتعرض فيها لمحاولة اغتيال فرد مرافقيه على مصادر النيران وهذا فعل طبيعي يحدث فالرئيس بوش تسبب بإعدام 12 مواطنا كويتيا لأنهم فكروا في اغتياله أثناء زيارته للكويت فاكتشف أمرهم قبل التخطيط والتنفيذ وحكم عليهم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم؟!
الفوضى الخلاقة تجسدت بدورها في ثقافة الحقد والكراهية التي تم تسويقها وتبناها المرابطون بالساحات العربية وهي الازدراء والتحقير والاهانات الغير أخلاقية التي تميزا بها خطاب المرابطين بالساحات والحقد الذي تعاملوا به مع خصومهم..؟!
ومن ساحات الفردوس العراقية حين أسقط تمثال الرئيس صدام وكيف تعامل معه المتظاهرين إلى خطاب بوش بعد هذه الواقعة بدقائق حين قال (بعد اليوم لن نسمع من شعوب الشرق الأوسط من يهتف بالروح بالدم نفديك يا زعيم)..؟!
ثم توالت الأحداث من هروب بن علي الي سقوط مبارك واستشهاد القذافي وصولا لاستشهاد الرئيس (صالح) وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا وحبنا وكرهنا لهؤلاء الأشخاص الا ان الطريقة التي عوملوا بها لم تكن يوما من أخلاقياتنا العربية الإسلامية، بل كانت ممارسات دخيلة وخطاب دخيل رافق كل هذه الأحداث، خطاب لا يعبر عن قيمنا واعرافنا، ولا يعكس أو يجسد صفة (الثورة ) ولا قيم الثوار في مواجهة خصومهم..؟!
وها نحن اليوم وبعد كل هذه السنوات ندفع وتدفع الأمة بكل مقوماتها الوجودية ثمن تلك (المغامرات الربيعية) التي كانت (عبرية) بأمتياز واستفاد منها ويستفيد لليوم أعداء الأمة العربية فيما الشعوب غارقة في مصيبتها والمؤسف أن نجد لليوم بعض المكابرين الذين لا يدركون أن قمة الشجاعة هو الاعتراف بالخطاء والتراجع عنه..؟!
فماذا جنت سورية واليمن وليبيا والعراق والسودان والصومال من هذه المغامرات؟
وماذا حققت مصر العروبة التي استخدمت كبوصلة للانهيار العربي من خلال إسقاط نظامها رغم تدخل المؤسسة العسكرية وإنقاذ البلاد التي تحولت اليوم إلى مجرد (مول للتسوق) رغم بعض النجاحات السطحية التي يحاول النظام العزف عليها..؟!
يمنيا تبدو ( الفوضى الخلاقة) في ازهي صورها من خلال الترويكا النخبوية ويكفي أن نشاهد (الشرعية) وهي حاضنة( لرموز الانفصال) واعلام( الانتقالي) وإعلامه تنافس إعلام واعلام الشرعية والدولة وإعلامهما، و(الزبيدي) يطلق عليه فخامة الرئيس القائد وهو عضو في مجلس رئاسي ونائبا للرئيس المفترض ولديه قناة إعلامية تكرس ثقافة الانفصال ومطالب الانفصاليين ..؟!
وهناك رئيس ومجلس سياسي في صنعاء يناهض الآخر على الشرعية والسيادة، وهناك حكومات وجيوش وأجهزة أمنية ولا يعلم الا الله وحده كيفية الخروج مما نحن فيه؟!
وكل هذا يدل على حقيقة واحدة وهي (غباء النخب اليمنية وانتهازيتها وآخفاق المؤسسات السيادية والأجهزة المختصة ) في إستشراف مسار الأحداث وهي التي يفترض أنها كانت تعمل على تحليل وقراة الأحداث الإقليمية والدولية، وتحديد مواقفها منها والعمل على مواجهتها بدافع من ولاء للوطن والشعب، لا دفاعا عن رموز أو مسميات أو أنظمة ، مع ان المخرج والمخطط لكل هذه الأحداث اكتشف وهو في ذروة التعاطي مع تداعيات المنطقة عن أخطائه ورهانه الخاسر على المكونات الحزبية والنخب السياسية ونشطاء المجتمع المدني الذين اعتمد عليهم في إنجاح مخططاته في المنطقة، فتراجع عن مواصلة أخطائه تاركا مصير من راهن عليهم في ذمة التداعيات، و طلب منهم الاعتماد على قدراتهم الذاتية..؟!
والمؤسف اننا يمنيا قد نعجز أيضا في لؤم النخب الحزبية رغم سفور انتهازيتها المعبر عن حالة ضعف واجداب سياسي وثقافي وتصحر فكري، إذا ما تأملنا موقف النظام الرسمي الذي بدوره كان موزع بين (الدولة والقبيلة) بل كانت القبيلة وفي كثير من المحطات تطغى بحظورها علي الدولة..؟!
لذا كان هناك كثيرون عام 2011 م يرؤن _يؤمها _وبوضوح تداعيات المشهد الراهن ليس لأنهم يقراؤن الفنجان ولا يضربون الرمل، بل لأنهم يقراؤن الأحداث ويتابعون الآخر ويحللون توجهاته وخطابه وهذا من أبجديات العمل السياسي لأي مهتم بهذا الشأن..!!
[email protected]
https://t.me@ameritaha