ريمان برس - خاص -
ببطء وبخطوات واثقة تمضي العملية الروسية في أوكرانيا عسكريا وأمنيا واستخباريا، نحو أهدافها رغم صخب وضجيج (العصابات الاستعمارية)، فيما (قطار) الدبلوماسية الروسية يطلق صفارته محذرا من اعتراض مساره ودوره في كشف آلاعيب محور الشر، ومحذرا من الإيغال في إثارة غضب (الدب الروسي) الذي تخلى بعد صبر طويل عن هدوئه و بعد أن اقترب (حمار الإمبريالية) من عرينه بطريقة فجة وسافرة..!
ورغم حملات التظليل التي تقودها الماكينة الإعلامية الإمبريالية، إلا أن (موسكو) تبقى الرابح في معركة الدفاع عن العدالة الدولية التي يتوجب على جميع أحرار العالم المناهضين للهيمنة والتبعية أن يخوضوها كلا من موقعه ومن حيث تواجده، لأن هذه المنازلة لا تتعلق بروسيا الاتحادية وحسب بل هي منازلة تعني كل احرار العالم الذين يعانون من غطرسة (رعاة البقر) وبقايا عصابات (الكابوي) الذين ينظرون لكل شعوب العالم وكأنهم قطعان من العبيد في اسطبلاتهم..!
لقد كشفت هذه العملية العسكرية عن بشاعة ووقاحة وسفور المنظومة الاستعمارية الغربية _الأمريكية، ومدى الانحطاط الحضاري والأخلاقي الذي بلغه هذا المحور الرافض لحرية وكرامة وتقدم الآخر، والمتطلع إلى ديمومة تسلطه وعربدته على شعوب المعمورة، غير معترف إلا بذاته معتبرا نفسه هو (العالم الحر) وهو صاحب السيادة المطلقة والوصاية المطلقة على بقية شعوب العالم..!
أن روسيا الاتحادية تخوض اليوم معركة العدالة بالأصالة عن نفسها ونيابة عن كل احرار العالم التواقين للانعتاق من نفق الهيمنة الإمبريالية والغطرسة الانجلوسكسونية، وبعد أن عاث هذا المحور الإمبريالي قتالا وفسادا وتامرا طالت كل خارطة الكون لقرابة أربعة عقود من الزمن سيطرة خلالها عقدة (السوبر باور) على تصرفات ومواقف (واشنطن) وباقي اذنابها من الأنظمة الغربية الذين ضحوا وبكل وقاحة بأمنهم واستقرارهم ومصالح شعوبهم من أجل مصلحة أمريكا التي لا ترى في حلفائها الأوروبيين إلا مجرد سدنة وخدم في محراب مصالحها، فما بالكم والأمر هذه المرة يتعلق بهيمنتها على العالم، بعد أن نفذ صبر (الدب الروسي) وايظا اقتراب نيران (التنين الصيني) الرافض بدوره ديمومة التسلط العبثي لعصابات الكابوي، والمرفوضة من قبل كل شعوب العالم التي أنهكتها المؤامرات الإمبريالية بنزوعها الاستعماري الماجن..!
بيد أن آخر أوراق المحور الإمبريالي المهزوم حتما مهما حاول التظاهر بالتماسك والوحدة هي العزف على أوتار القدرات النووية الروسية وهي ورقة تحاول واشنطن بطرقها القذرة واساليبها المنحطة تسويقها عبر خطاب التظليل بهدف ترويع العالم من روسيا التي لديها من القيم الأخلاقية والعقيدة العسكرية والحضارية ما لم تدركه واشنطن ولا تعرفه أوروبا الغربية التابعة لها..؟
يتزامن هذا التسويق الكاذب والترويع الزائف مع اتخاذ المزيد من العقوبات على روسيا الاتحادية مضافا إليها كل من يتفهم موقفها ويعبر عن تضامنه مع هواجسها الأمنية المشروعة التي ظلت روسيا تطالب بها على مدى عقدين دون أن يلتفت أحدا لها او يقبل الاستماع لصوت العقل الروسي الذي ظل يقرع مسامع أمريكا وحلفائها محذرا من تمادي وغرور عصابات النازيين الجدد الذين تم تنصيبهم حكاما على أوكرانيا عبر انقلاب نفذته أمريكا وايدته أوروبا، والهدف احتوى التطورات التنموية الروسية والحد من النفوذ الجيوسياسي لروسيا الاتحادية المطالبة بأن تبقى كما كانت في عهد (يلتسن) ضعيفة وفاشلة وعاجزة عن إطعام شعبها أو الحد من الجرائم التي تتعرض لها ويدفع ثمنها الشعب الروسي..!
أن العملية العسكرية الروسية جاءت بمثابة أخر العلاج بعد أن استنفذت موسكو كل الوسائل الهادفة لعقلنة حكام (كييف) ومن يقف خلفهم داعما ومحرضا ودافعا بهم نحو الاصطدام مع موسكو عبر استهداف مواطني الدونباس واستباحت دمائهم والتنكيل بهم بتهمة التحدث باللغة الروسية والانتماء لوطنهم الأم روسيا..؟!
وهذا المبرر الظاهري والمعلن، لكن الأسباب غير المعلنة كانت ابعد وأخطر من هذا، وتتعلق بنموء واتساع قدرات روسيا الاتحادية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين الذي قدر له أن يستعيد أمجاد ونفوذ ومكانة روسيا الاتحادية بعد محاولة أمريكا والغرب إجبارها بأن تبقى مجرد دولة فاشلة ومجتمع فاشل تعبث به العصابات المسلحة الممولة من الأجهزة الغربية والأمريكية..!
ويمكن للمراقب أن يتأمل في مسار وتداعيات العملية العسكرية ورد الفعل الأمريكي الغربي وقبل هذا موقف أمريكا والغرب من اتفاق (مينسك) المعترف به والموثق من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة اللذان بدورهما انصاعا للرغبات الأمريكية وتجاهلت الأمم المتحدة دورها في رعاية ذاك الاتفاق وكذلك مجلس الأمن، فبدت المنظمة الدولية ومؤسساتها وكأنها مجرد مكتب تابع لوزارة الخارجية الأمريكية..؟!
مع بدء العملية العسكرية الروسية في الدونباس انطلقت ردود أفعال غير عادية وغير مسبوقة ولا تنسجم حتى مع الفعل الذي قامت به روسيا، فكانت تلك الردود بمثابة تأكيد على دور واشنطن الوقح في أوكرانيا والمخطط له منذ سنوات بهدف جعل أوكرانيا بقيادة النازيين الجدد بمثابة (حربة) مغرورة ليس في خاصرة روسيا بل في قلبها للحيلولة دون مواصلتها التقدم وتحقيق التنمية والارتقاء بدورها الاقتصادي والجبوسياسي، وكانت
واشنطن ومنذ أكثر من عقد قد أخذت تركز على قدرات روسيا الاقتصادية، وخاصة قدراتها في قطاع الطاقة وارتباطها بالترويكا الأوروبية الأكثر استفادة من الطاقة الروسية التي تنساب إلى كل دول أوروبا تقريبا بسلاسة وانسيابية وأسعار تكاد تكون زهيدة، وهذا الوضع كان يشكل قلقا لواشنطن التي ترغب في عزل أوروبا عن روسيا وتحريرها من الطاقة الروسية لسببين _الأول _الحد من تراكم قدرات روسيا المادية من عائدات الطاقة حتى لا تستغله روسيا في تنمية قدراتها العسكرية والتقنية _ثانيا _رغبة أمريكا في عزل أوروبا عن روسيا وربطها بأمريكا الشمالية لتكون بديلا عن روسيا في تصدير الطاقة لأوروبا وبأسعار خيالية تزيد بعشرات الأضعاف عن السعر الروسي..؟!
إضافة إلى رغبة واشنطن في قطع التواصل الروسي _الأوروبي حتى لا يؤدي هذا التواصل إلى تعزيز نزوع الطبقة السياسية الأوروبية في التحرر من الهيمنة الأمريكية على مصير ومستقبل أوروبا..؟!
يدرك الكثير من المراقبين أن واشنطن لا تكترث بمصير أوكرانيا ولا أيضا بمصير أوروبا، بقدر ما يقلقها نموء واتساع قدرات روسيا الجيوسياسية وسعى موسكو لإصلاح النظام الدولي وتقليص هيمنة أمريكا وإحلال نظام دولي متعدد الأقطاب ينهي هيمنة وغطرسة القطب الواحد وتسلطه..!
لكن تبقى التساؤلات الباحثة عن إجابات متعلقة بالعقلية السياسية الأوروبية وموقف الطبقة الحاكمة في أوروبا والعقليات التي تفكر بها في تعاطيها مع الأزمة، والفوائد التي قد تجنيها هذه الطبقة جراء مواقفها التي اتخذتها وضحت بموجبها بمصالح شعوبها من أجل مصلحة أمريكا التي لا تبادل أوروبا ذات المشاعر، إذ وبالرغم من إقدام الطبقة الحاكمة في أوروبا بالتضحية بمستقبلها ومصالح شعوبها في سبيل أمريكا، فأن الأخيرة باشرت ومنذ اللحظة الأولى باستغلال أوروبا واستئنزافها ماديا من خلال تسويق الغاز الأمريكي لها بأسعار خيالية..؟!
ثم دفعها نحو المستنقع الأوكراني ووضعها كخصم لروسيا الاتحادية، فيما يبدو وكأن واشنطن عازمة على التخلص من نظام أوكرانيا والأنظمة الأوروبية والتضحية بالجميع في محرقة تراهن من خلالها واشنطن على إمكانية الإبقاء على هيمنتها ونفوذها..؟
والواضح أن ما يجري في أوكرانيا لم يأتي وفق مخطط واشنطن ولم يلبي رغباتها، بعد أن تحولت العقوبات إلى كارثة تعصف بالواقع الأوروبي، كما تفرع عن هذه العقوبات أزمة طالت الداخل الأمريكي، حيث تفاقمت عوامل وممكنات فشل (حمار) الحزب الديمقراطي الحاكم الذي قد تعصف به الانتخابات النصفية القادمة وتفقده السلطة الشرعية _الكونجرس _الذي تشير كل الاستطلاعات إلى إمكانية ذهابه (لأصحاب الفيل) الحزب الجمهوري..!
لكن وعلى خلفية كل ما سلف يبقى الأسواء والأكثر قبحا وبشاعة من كل ردود الأفعال الأمريكية _الغربية هو هذا الكم الهائل من (الاكاذيب الوقحة والسافرة) الاي تسوقها ماكينة الإعلام الأمريكي والغربي وتحملها تصريحات قادة وساسة أمريكا وأوروبا، وهو سلوك غير مسبوق رغم تعودنا والعالم على سماع الاكاذيب الأمريكية والغربية، التي تم تسويقها لاستهداف يوغسلافيا وتمزيفها، واستهداف أفغانستان والعراق وليبيا وسورية وإيران والصين وكوريا الشمالية، لكن تبقى أكاذيب أمريكا والغرب على روسيا وما يتصل بعمليتها العسكرية في الدونباس فعل غير مسبوق بشفافيته ووقاحته وسفوره، لدرجة بدت خلالها واشنطن وكأنها فقدت حيلها ومهاراتها في تسويق الاكاذيب كما عهدناه في أزمات سابقة..؟!
يقابل كل هذا الجنون الأمريكي _الغربي، ثقة روسيا ومكاسب تحصدها تباعا وعلى مختلف الجوانب والمجالات وأعظمها على الإطلاق المكاسب الأخلاقية وثقة المجتمع الدولي بكل ما يصدر عنها، ويكفي ما حققته من اختراق دبلوماسي وسياسي سواء بعلاقتها بدول الخليج التي كانت وحتى وقت قريب من إقطاعيات واشنطن، إضافة للعلاقة الروسية _التركية المتميزة وتركيا هي أحد أقطاب (الناتو) والأكبر قوة عسكرية فيه، يتزامن هذا الاختراق الروسي لنطاقات جغرافية محسوبة على واشنطن مع نفوذ دبلوماسي واقتصادي لروسيا في اسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويكفي حصيلة هذا النجاح الروسي موقف (أوبك بلاس) الذي كان بمثابة صدمة غير متوقعة لواشنطن.
[email protected]