ريمان برس - خاص -
أن قرأة عابرة لتاريخنا العربي _الإسلامي كافية كي يدرك القارئ وحشية هذا التاريخ ودمويته وبشاعته وهذه العوامل السلبية كانت كافية كي تطمس كل الومضات المشرقة التي عرفها تاريخنا، تلك الومضات التي صنعها رجالا صدقوا الله وصدقوا رسوله واستلهموا قيم وأخلاقيات الدين، ليس من خلال المزاعم والتظاهر وتادية الطقوس الإسلامية دون أخذهم بجوهر الدين وقيمه التي لا يعرفها إلا أولئك الذين تشربوا بروحانية الدين النور الذي انزله الله لعباده واصطفي له رسولا تحلى بكل مكارم الأخلاق التي لم يتحلى بها نبيا ولا رسولا قبله ولن يأتي من بعده من يتحلى ولو ببعض من صفاته صلوات الله وسلامه عليه..
إذا أين نحن اليوم كعرب ومسلمين أفرادا وجماعات حكاما ومحكومين فقهاء وعلماء ونخب فكرية وثقافية..؟
إننا نجسد رؤية النبي العظيم الذي تنباء بحياة (الهرج والمرج) لهذه الأمة وهو الذي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، وهو صاحب الخلق العظيم، ومن كان لنا فيه إسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر..
ثمة حديث قدسي يقول (إذا أراد الله أن ينفذ أمرا ماء سلب من أهل العقول عقولهم).. هذه الأمة تعيش اليوم في ذروة حالة الاستلاب الروحي والعقلي والفكري والثقافي والسلوكي والأخلاقي.. فما تعيشه الأمة _اليوم _لا يمكن وصفه أو تعريفه إلا بكونه فعل من (هرجا) يمارس من قبل بشر مسلوبي العقول، بشر نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وجعل بأسهم بينهم، ودفعهم ليمارسوا بحق بعضهم وحق أنفسهم سياسة جلد الذات بأبشع واقبح صورها..!!
فهل يعقل أن هذه الأمة بكل ما يعتمل فيها اليوم من أحداث وتداعيات، هي أمة (محمد) صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ؟!
وأنها حقا وفعلا لا قولا تدين بدين الإسلام وتعمل بسنة رسوله المصطفى..؟!
الواقع بكل ما يعتمل فيه من تداعيات وإحداث يجيب بعكس ذلك ويؤكد أن هذه الأمة تعيش اليوم ابعد ما تكون عن الدين وتجهل بالمطلق سنة الرسول الكريم وقيمه وأخلاقياته..
والمؤسف أن زمان (الهرج) الذي تعيشه الأمة أرتبط بثقافة (التهريج) وهي الثقافة السائدة والمتداولة كمسلمات يبرر بها العرب والمسلمين أحداثهم الحياتية، ويبررون بها هزائمهم وانكساراتهم وقتل بعضهم، كمايبررون ارتهانهم وتبعيتهم للآخر الحضاري الذي جعلوا منه حارسا وحاميا ووصيا عليهم..؟!
اليوم يتقاتل المسلمين فيما بينهم، ليس على نطاق الجغرافية الإسلامية الكلية، بل وعلى مستوى المجتمعات الوطنية التي ما انفكت تستنشق رائحة الموت والدم والبارود.. ورغم الأحاديث المتداولة والمسوقة عن التقدم والتطور الحضاري والإنساني، فأن من الصعوبة بمكان أن نفصل تداعيات اليوم عن تداعيات الأمس ودوافعها السياسية والثقافية..!
إذ أن ما يحدث اليوم على الخارطة العربية _تحديدا _من العراق، إلى اليمن، مرورا بليبيا وسورية والسودان ولبنان والصومال، من احتراب دامي بين أبناء الوطن والدين والهوية، وما يرافق هذه الأحداث الدامية من خطابات تبريرية يسوقها أطراف الفعل وصناع الأحداث، هو فعل مؤلم يجسد في حقيقته حالة الاستلاب العقلي التي تعيشها الأمة، كامة عربية وكامة إسلامية، وكمواطنيبن داخل الوطن الواحد وفق التسميات القطرية التي تكتوي جغرافيا وأجتماعيا بنيران الأقتتال الذاتي وثقافة الاستلاب التي يبرر بها المتقاتلون قتال بعضهم، قتال يراه كل طرف واجبا مقدسا أمر به الله ورسوله وبالتالي هو واجب ديني وفرض عين .؟!
والمؤسف أن كل هذه التداعيات والأحداث وبعيدا عن تفسيرات وتبريرات صناعها وأطرافها وأدواتها وأيضا أسبابها ودوافعها المعلنة، فأن الأسباب والدوافع الحقيقة لكل هذا الذي نشهده في وطننا وأمتنا العربية والإسلامية ليس له سوى سبب وحيد وحصري هو غياب (معيار العدل الاجتماعي) الذي لو تحقق لما كان هذا هو حالنا، هذا المعيار (العدل) بين البشر هو غاية الله من عباده، فلاجله أمر الله ابونا (أدم) أن يهبط للأرض، ومن أجله بعث الله بالانبياء والرسل والرسالات السماوية التي جاءت بالتشريعات والنواميس التي تنظم حياة البشر وعلاقتهم بالله وبرسله وانبيائه وعلاقتهم ببعضهم، وهذا المعيار للأسف تجاهله البشر ومنهم المسلمين وكل أهل الكتاب الذين تعاملوا ولا يزالوا يتعاملوا مع هذا (المعيار) وفق قوانينهم الخاصة وليس وفق قانون الله سبحانه وتعالى الذي حرم الظلم على نفسه وهو الخالق الذي خلق كل شيء وإليه ستعود كل الأشياء، ومع ذلك فإن مخلوقاته طبقوا قوانينهم الخاصة ولم يعطوا لمعيار العدل قدسيته ومكانته كما أمر به الله سبحانه وتعالى الذي ربط هذا المعيار بالتقوى والتقوى مرتبة إيمانية متقدمة لم يعد فينا وبزماننا من يحتل هذه المرتبة للأسف إلا ما رحم ربي .؟!
يتبع
[email protected]