ريمان برس - خاص -
كثيرة هي التساؤلات التي تبحث عن إجابات حول وضع العرب والمسلمين والحال الذي يعيشوا فيه اليوم من حيث الأسباب والدوافع، وهل فعلا تكمن معاناة هؤلاء القوم بسبب (الدين) والتراث الثقافي والفكري المرتبط به..؟!
أم أن هذه المعاناة ترتبط بالفقر وشحة الإمكانيات والتخلف؟ وهل فعلا العرب والمسلمين هم قوم متخلفون وجهلة وفقراء..؟ ام أن ثمة عوامل أخرى حضارية أوصلتهم إلى ما هم عليه من الحال البائس..؟!
شخصيا لا أجد عاملا حاسما يبرر حالة البؤس العربي الإسلامي، سوى تمزق وتفكك هؤلاء القوم وارتهانهم لاعدائهم.
غير أن ثمة عامل حاسم ذو أبعاد عقائديه وأيدلوجية وطبقية يتمثل في الصراع القديم _المتجدد حول (الحاكمية) وأحقيتها ولمن يجب أن تذهب، ومن هو صاحب الأهلية الذي يجب أن يكون على رأس المنظومة الحاكمية سوى تعلق الأمر بشخصية وهوية وانتماء الحاكم أو الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها من يستحق أن يكون على رأس الحاكمية، والقصة تعود لفجر الإسلام وتحديدا ليوم رحيل رسول الله صل الله عليه وعلى آله وصحابته وسلم، حين حاولت (قريش) أستعادة مجدها الزائل ولكن هذه المرة تحت الراية الإسلامية، وهذا ما عبرا عنه وافصح عن مكنونه (أبو سفيان) في واقعة (السقيفة) حين خاطب بعضا من رموز (بني هاشم) بقوله : أن الله أكرمكم بالنبؤة واصطفي منكم رسوله، وإما الحكم فهو لنا ويقصد لقريش) وفيما انبرى (الأنصار) دفاعا عن حقهم في الحكم باعتبارهم من نصرو الرسول وتنازلوا عن حقهم من الغنائم، فجاءا من يفتي بأحقية (المهاجرين) بالحكم وخلافة الرسول، وحين أدرك (أبو سفيان) ذهاب البيعة بالخلافة والحكم لابوبكر الصديق وهو ليس بقرشي، ذهب ليبايع الإمام علي بالخلافة الذي بحصافته أدرك انها (الفتنة) فرفض فكرة ابو سفيان وحذره من إشعال نار الفتنة بين المسلمين، لكن أبو سفيان لم يفقد الأمل فذهب للعباس عم رسول الله ثم جاءا من بين الصحابة من يؤغل الصدور بنيران الفتنة ويفتون بأن الولاية أو الحاكمية من حق (آل البيت) الذين هم أولى بخلافة الرسول من المهاجرين والأنصار، وسردوا لتبرير هذا الحق بروزنامة من الدلائل التي تؤكد هذا الحق..؟!
من هناء بداة الأزمة _الفتنة بين المسلمين وهناء أسقط المسلمين مبدأ (الشورى) في إدارة شئونهم وتكرس مبدأ بديل هو مبدأ (قوي النفوذ)..!
لتبدأ سلسلة معارك دامية بين المسلمين الذين خرجوا عن تعاليم الله والرسول وقوانينهما وتشريعاتهما واوامرهما، وذهبوا يخضعون حياتهم وشئونهم لقوانين دنيوية ولرغباتهم ومصالح كبارهم الذين غلبوا ( أطماع الدنيا) على (قيم وأخلاقيات الدين) ..!!
ثم جاء (معاوية بن أبي سفيان) ليضع نهاية قاتلة لمبدأ (الشورى) بين المسلمين، حين صادر وبشكل كلي ونهائي هذا المبدأ الإسلامي الذي أمر به الله سبحانه وتعالى في نص قرآني بقوله (وامرهم شورى بينهم) واستبدله بمبدأ (وراثة الحكم).. فأسس بذلك لحالة ( صراع دامي) داخل البيت العربي بين (جناحي قريش.. بني هاشم وبني أمية)..! ثم أوغل (فقها قريش) وبإيعاز من (معاوية) ورعايته بشق وحدة العرب والمسلمين حين أفتى فقهائه بأن (الخلافة حقا مكتسبا لقريش، وأن لا خلافة إلا لها ولا خليفة إلا لمن ينتمي لها، أي لقريش) أي _للعرب _فأثار هذا السلوك بقية المسلمين من غير العرب..؟!
تداعيات وإحداث شابت المسار العربي الإسلامي أدت مجتمعة إلى إحداث شق وفجوة عميقة في العلاقة بين المسلمين حين تم حصر واحتكار الخلافة الإسلامية في (قريش) وأن خليفة المسلمين يجب أن يكون من قريش ومن أصول قرشية..؟
ثم إحداث شق داخل ( قريش) ذاتها بتغذية الصراع بين ( بني هاشم) و ( بني أمية)..؟!
وبغض النظر عن منظومة التراث الثقافي والفكري الذي أستندت إليه ولا تزل تستند عليه أطراف الخلاف، فإن الواضح أن الجميع قد تركوا كل التشريعات والقيم والنواميس الإسلامية التي يفترض الاحتكام إليها، تركوها وراء ظهورهم وأخذوا بتشريعات ونواميس ونظم دنيوية تعبر عن نوازعهم السياسية، فيما ذهب كل طرف منهم وعبر مرور الزمان وتقدم الحياة في ترسيخ رؤيته ومفهومه للحاكمية إتساقا مع رغباته الذاتية، الأمر الذي وسع الفجوة بين العروبة والإسلام من ناحية وبين المسلمين فيما بينهم وصولا إلى شرذمة المكون العربي وتمزيق روابطه، فصار المسلمين مجرد أسم فضفاض لا يجتمع تحت رأيته دعاته ومعتنقيه الذين توزعوا بين المذاهب والفرق، وكما كان (لبنى أمية إسلامهم) كان (لبنى العباس إسلامهم) ثم تعاقبت الحاكمية الإسلامية فكان لكل حاكمية _إسلامها _الخاص بها وصولا لآخر (حاكمية إسلامية) ممثلة بالدولة العثمانية التي كان لها رؤيتها للإسلام، وبعد أنهيارها وتأسيس الدول الوطنية صار لكل دولة إسلامها الخاص بها وتراث فكري وثقافي إسلامي خاص بها، والأخطر في سلوك المسلمين هو إقدامهم على إسقاط أهم الروابط الإسلامية وهي (اللغة العربية) التي نبذها (المسلمين) وهي لغة القرأن الكريم، وأعتماد كل دولة إسلامية لغتها الخاصة، بصورة تشير إلى حالة عدائية يكنها المسلمين من غير العرب لكل ما هو عربي مع تمسكهم بالإسلام، مع ان العقل والمنطق يقولان بأن لا إسلام بلا عروبة ولا عروبة بلا إسلام، ولا يمكن لأي مسلم أن يكون مسلما أن لم تكن لغة القرآن هي لغته الرسمية..!
يتبع
[email protected]