ريمان برس - خاص -
أن تكون صاحب مرفق خدمي أو صانع منتج استهلاكي وتحظى بما يسمى شهادة (الجودة الأيزو) فهذا أمر جيد ؛ لكن قبل أن تنال أو تبحث عن هذه الشهادة أبحث عن ( شهادة المستفيد ) من خدماتك أو المستهلك لمنتجاتك وهذا لعمري أهم بكثير من أن تنال شهادة ( الأيزو ) التي من السهل الحصول عليها وغالبا من يبحث عن هذه الشهادة ويتفاخر بها ويحتفي بمناسبة الحصول عليها هو من تكون خدماته بنظر الغالبية تحت مستوى الردأة وتحظى بتذمر غالبية المستفيدين والمستهلكين الذين تعكس ثقافتهم جودة هذا المرفق أو ذاك المنتج ..!
شهادة الأيزو لو طلبها ( مطعم تشليه للسلتة والفحسة الشعبية ؛ بسوق الربوع بمدينة ذمار القديمة ) لتمكن من الحصول عليها وبسهولة نظرا للإقبال الكبير من المواطنين على وجباته ؛ بعد أن صارت هذه الشهادة بنظر البعض وليس الكل هي بمثابة جواز مرور لممارسة المزيد من الغش والخداع للمستفيد والمستهلك على حد سواء ويرى البعض من عشاق هذه الشهادة أنهم إذا حصلوا عليها سيكون بمقدورهم ممارسة المزيد من التضليل والخداع وطلبة الله بعيدا عن الأنظار وبمعزل عن سياسة الردع المفترض أن يعمل بها لمواجهة أولئك الذين يتخذون من هكذا شهائد وسيلة لمزيدا من الإيغال في ممارسة سياسة تسويقية مدمرة بحق المجتمع مستفيدا ومستهلكا وثقافة سلوكية ..!!
كثيرا من المرافق الخدمية والصناعية في بلادنا تستنجد بشهادة الجودة ( الأيزو) وتحصل عليها بطرق شتى ليس من بينها طريق ( الجودة ) التي لا يسير فيها في هذه البلاد إلا من رحم ربي ؛ إذ أن ( الجودة ) بمعناها اللغوي والحرفي لم يجدها هذا الشعب لا عند المثقفين ولا عند السياسيين ولا حتى لدى ( رجال الدين ) ؛ فالغش وطغيان ثقافة ( الأنا ) وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة الجمعية ثقافة ندين بها ونعيش في سبيلها ونقاتل بعضنا من أجلها ..؟!!
لا أقول هذا جزافا لكني أقولها صادقا وعلى لسان المستفيدين والمستهلكين بغالبية وليس تعبيرا عن أراء عابرة ؛ وأن كان رسولنا الكريم عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين يقول ( لا تجتمع أمتي على ظلال ) فأن الرأي العام الجمعي هو من يقرر جودة الخدمات والمنتجات وليس شهادة ( الأيزو) التي غالبا ما تقدم من جهاتها لجهات بذاتها بناء على حيثيات ودوافع قد لا يدركها من استلموها وراحوا يتفاخرون بامتلاكها والحصول عليها ويقيمون لها الاحتفالات ويتخذون منها وسيلة ماكرة لمزيدا من التظليل والخداع والتكسب على حساب الغالبية الجمعية من أبناء الشعب الذين يجدون انفسهم مجبرين على التعاطي مع خدمات هولاء ومنتجاتهم ..؟!
موضة البحث والحصول على شهادة ( الأيزو) لم تقف عند أصحاب المنتجات الاستهلاكية المتعددة المسميات والاغراض ؛ بل وصل سعار البحث عن هذه الشهادة عند بعض أصحاب المرافق ( الصحية ) الذين حولوا مرافقهم إلى ( مسالخ ) تستهدف الضعفاء وأصحاب الحاجة من أبناء الشعب ؛ هذه المرافق التي لا يرتادها أولو القوة والعزم من عاليات القوم ممن اذا أصيب بزكام هو أو أيا من أفراد اسرته لا يتردد في السفر لخارج الوطن بحثا عن علاج للزكام ؛ لكن ضحايا هذه المرافق هم العامة الذين لا حول لهم ولا قوة ممن اذا تعرض هو أو أيا من افراد اسرته يضطر للاستدانة أو بيع كل ما يملك فقط من أجل ادخال مريضه أحدى هذه المرافق المحلية التي في بعضها من القائمين عليها من تجردوا من كل المشاعر الإنسانية في زمان تحولت فيه ( مهنة الطب ) من خدمة إنسانية إلى ( سلعة استهلاكية ) لا يقوى عليها إلا كل ذو حظ عظيم ..؟!!
بحكم مهنتي سمعت ولا زلت أسمع الكثير من القصص والحكايات التي تحدث في بعض المرافق الصحية منها قصص وحكاية إيجابية خلاقة ومفعمة بالمشاعر الإنسانية والوطنية ومنها ما هو مجرد من كل المشاعر من قصص تشيب من بشاعتها رؤوس الرضع ..!
فمثلا يحدث في بلادنا وحدها دون بلدان الله أن يتم حجز ( جثمان متوفي ) في بعض المرافق الصحية الخاصة ولا يسمح لذويه وأسرته بدفنه إلا بعد أن يسدد فاتورة المرفق ؟ وعلمت أن هناك من تركوا جثث أقربائهم في بعض من هذه المرافق لعجزهم عن تسديد فاتورة المرفق ؟! فهل هناك بشاعة أكثر من هذا ..؟
نعم قد يقول قائل هذا من حق المرفق وأن من لا يملك المال لا يستحق العلاج ؟ لكني أقول هذه الحالات هي من الحالات النادرة ومع ذلك لم نجد من بعض أصحاب هذه المرافق ولو قدرا من الإنسانية في زمن غابت فيها الرقابة الرسمية بل زمن تخلت فيها الدولة عن واجباتها تجاه مواطنيها ليس في المجال الطبي وحسب بل وفي قطاع التعليم والكهرباء والمياه والكثير من الخدمات الأساسية التي يفترض أن تقوم بها الدولة ولكن للأسف وبعد اقدام الدولة على خصخصة ( الصحة ) و( التعليم ) انهارت صحة المواطن وأصاب التخلف الفكري والتعليمي والثقافي الشعب فصرنا شعب بلا صحة بلا تربية وبلا تعليم وبلا خدمات فكانت النتيجة إننا فقدنا كل قيم الهوية والانتماء وأيضا مشاعرنا الإنسانية وقيم التكافل والتراحم غابت عنا حتى على مستوى ( الصدقات والحسنات ) التي يفترض أن تقدمها اليد اليمني للمحسن والمتصدق دون ان تعلم بها اليد اليسرى ؛ صار اليوم المحسن والمتصدق إذا ما قرر إخراج صدقاته وحسناته ينفق على وسائل الإعلام وشاشات التلفزة مقابل نشر صور صدقاته وحسناته وهي بأيدي المحتاجين ؛أكثر بأضعاف من قيمة الصدقات التي يقدمها للمحتاجين
الفجر برس
[email protected]
https://t.me/alfajrpress
يتبع غدا