ريمان برس - خاص -
ثمة مقولة تردد من قبل المهتمين بالتاريخ فحواها ( أن المنتصر هو من يكتب التاريخ ) ..؟!
هذه المقولة أثبتت التطورات التاريخية واحداث التاريخ ( زيفها وعدم مصداقيتها ) بعد أن ثبت أن المنتصر في معارك التحولات التاريخية والحضارية لا يشغل نفسه عادة في تدوين سيرته وبطولاته ومنجزاته مستكفيا بتحقيق ما تحقق له من انتصارات تاركا التدوين لمن يهتم به ؛ والمؤسف أن في الغالب كان الفاشلين والمهزومين هم من لطخوا صفحات التاريخ بأساطيرهم وحكايتهم الكاذبة والمزيفة ونسبوا لا نفسهم ما ليس فيهم بدليل أن ( الباطل ) هو من دون حكايته ونمقها على صفحات التاريخ وعلى حساب ( الحق ) قطعا؛ بدءا من صراعات المسلمين فيما بينهم بعد وفاة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وصولا إلى عصرنا الراهن وقد تستمر هذه الحالة إلا ما شاء الله طالما هناك قوى فاشلة تعمل بجد على تبرير فشلها من خلال اختلاق قصص وحكايات بطولية وتنسبها لنفسها زورا وهذا ما يمكن ان نستشهد به من خلال تداعيات واحداث مسارنا الراهن ..!
التزوير لم يقف في نطاق الاحداث السياسية والحروب والصراعات التي شهدها التاريخ بل طالت الاحداث والتداعيات الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية وامتد هذا التزوير إلى أصول وجذور وهويات بعض القبائل والشعوب العربية والإسلامية _ تحديدا _ والجذور لبعض الأسر والعائلات التي زورت أصولها الحقيقية وابتكرت لنفسها أصول وجذور تتماشي مع مصالحها ورغباتها ؛ والحال يسحب نفسه على بقية أحداث التاريخ بشقيه الديني والسياسي الاجتماعي وكل ما يتصل بالتحولات والاحداث ؛ وقد نال تاريخنا الديني النصيب الأكبر من التحريف والتزوير ويأتي بعد ذلك تاريخنا السياسي ..!!
من المؤسف أن الوضع الحالي للعرب تحديدا بكل مشاربهم وقناعتهم وأوضاعهم الراهنة هم مجرد صدى لأسس تاريخية خاطئة ولتركيبة ثقافية وفكرية خاطئة ؛ وبالتالي ما تعيشه الامة بصورة قطرية وقومية من أوضاع متخلفة هي نتاج طبيعي لسلوكيات تاريخية خاطئة ولوعي ثقافي وفكري مسكون بكل المفاهيم والقناعات الخاطئة ..
إذ ليس هناك في كل تاريخنا الحديث والقديم والموغل في القدم ما يمكن أن نتفاخر ونتباهى به باستثناء بعض المحطات العابرة التي طمستها أساطير الزيف المنسوجة بأنامل الفاشلين الذين تخصصوا في نسج اساطيرهم الكاذبة ؛ فكان أن اغرقوا المكتبات وصفحات الكتب والمجلدات بحكايات وقصص اسطورية زائفة دونت في خدمة هذه المدرسة أو تلك وفي خدمة هذا المذهب او ذاك أو في كسب رضاء هذا الطاغية أو ذاك ؛ فكانت الحصيلة الطبيعية والحتمية هي تكريس وتشريع قوانين الاختلاف المتعدد الجوانب بين طبقات وشرائح الأمة ؛ فلا المسلمين اتفقوا فيما بينهم على دين الله وسنة رسوله ولا العرب كعرب اتفقوا فيما بينهم على دورهم ورسالتهم وهويتهم الجامعة ومع تطور الحياة وتقدم المجتمعات زادت وتعمقت هذه الاختلافات التي وصلت حد التناحر والاقتتال وتمزيق النسيج المجتمعي داخل المجتمعات التي طورت من خلافاتها ونقلتها من مسرح الجدل الفكري والثقافي والديني إلى مسرح الاحتراب الدامي ليقتل بعضهم بعضا على هدى من اساطير زائفة ما انزل الله بها من سلطان .!!
ما يثير الانتباه هو ان ظاهرة التزوير التاريخي ظاهرة تلقى الكثير من الدعم والإسناد من قبل أمم أخرى وحضارات أخرى ما انفكت تعزز ثقافة وسلوك التزوير لكل احداثنا خاصة كانت او عامة صغيرة أو كبيرة بل وتشجعنا على المضي في هذا الطريق المزيف لان فيه ضالتها وهدفها في جعلنا شعوب ممزقة فاشلة مزعزعة العقيدة والهوية والانتماء تعيش على هامش الحياة فاقدة القدرة على التقدم والنهوض وامتلاك عواملهما ..!!
بيد أن المهتم لمسار أحداثنا وتحولاتنا وطنية كانت أو قومية سيجد صعوبة كبيرة وعراقيل معقدة أن قرر البحث عن حقيقة هذا المسار وأحداثه القريبة منها والبعيدة بل يجد الكثيرون من المؤرخين صعوبة في معرفة وتوصيف أحداثنا الوطنية والقومية خلال المائة العام الأخيرة من مسارنا الحضاري ؛ ويصبح الباحث عن حقيقة حدث ماء من أحداثنا من حيث أسبابه ودوافعه وأهدافه وغايته وابطاله كمن يبحث عن إبرة تحت كوما من القش كما يقال وقد يقضي سنوات يبحث ويفتش وينقب عن حقيقة حدث ماء ؛ لكنه سيجد أطنان من المؤلفات والمجلدات عن هذه الحدث دونها أشخاص ورموز غالبيتهم لا علاقة لهم بالحدث وقلة منهم كانوا حاضرين ولكن على هامش الحدث لكنهم جميعا دونوا تفاصيل الحدث كما تخيلوه وليس كما حدث رغبة منهم في إبراز أدوارا لم يلعبوها مطلقا ومواقف لم يقفوها أبدا ؛ ولكنهم فعلوا ما فعلوا إما بدافع الشهرة الذاتية أو رغبة منهم ومساهمة في طمس أدوار ومواقف الأخرين ممن يصنفوا كخصوم ولدوافع وأسباب متداخلة .
لكل ما سلف أقول إننا ومنذ أربعة عقود وأنا أقراء تاريخنا بكل أبعاده وجوانبه ومدارسه وأحاول الوصول لحقيقة واحدة مؤكدة أجمع عليها المؤرخون في كتبهم ولكن للأسف لم أجد ما أبحث عنه ؛ بل وجدت تاريخ حمال أوجه ؛ وحدث واحد له أكثر من حقيقة ورواية وتفسير ؛ وهذا يدل على أن التاريخ لا يكتبه المنتصر كما يقال ؛ بل دون من قبل شخصيات منها من عاشت على هامش الحدث أو استقت ما دونته من أحاديث رواة ؛ وفي هذا تأكيدا على أننا أمة عيبنا الأكبر هو عدم اهتمامنا بالتاريخ وأحداثه أولا وثانيا رغبتنا في استلاب حقائق التاريخ واحداثه نزولا عند رغبة بعض النافذين في هذا المرحلة أو تلك وفي هذا العصر أو ذاك ..!!
العيب الأكبر والأخطر هو غياب الشفافية والصراحة والمصداقية عند مؤرخينا وهو عيب نتوارثه جيلا بعد جيل ويعد جزءا من تكويننا الثقافي والحضاري والاجتماعي وعلى قاعدة نعمل بها فحواها ( أستر ما ستر الله ) ..!!
لذلك أتساءل وأقول ؛ إذا كنا وعلى سبيل المثال لا الحصر لم نتفق على رؤية واحدة فيما يتصل بحقائق أحداثنا التي شهدها العصر الحديث مثل تاريخ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وما تلاهما من أحداث وتداعيات سلبية وإيجابية ؛ فمن أين لنا أن نتفق على أحداث تاريخنا الأقدم والأقدم ..؟!!
دعونا من أحداث الثورة ؛ وتعالوا نقف أمام الوحدة وهي حدث قريب وما حدث بهدها من صراعات أدت لتفجر حرب صيف 1994 م واعتقد جميعنا عاش وحضر وشارك في هذه الاحداث لكن وحين نأتي لمحاولة توثيق تاريخها نختلف ونجد أنفسنا أمام أكثر من رواية وكل هذه الروايات لم يجانبها الصواب ولم تكن أمينة ودقيقة في تشخيص ما حدث ؟!!
هذه الأحداث الصغيرة _ افتراضا _ مقارنة بالأحداث الكبرى تشكل نموذجا لحالة ( التنمر التاريخي ) لدى البعض الذين يتمسكون بمبدأ لي عنق الحقائق وتجيرها وتكييفها بحسب رغبتهم ونوازعهم وإصرارهم على طمس أدوار الأخر سلبا كانت أو إيجابا لدرجة _ مثلا _ أن احداث عام 2011م وطنيا وقوميا وهي أحداث قريبة لا نزل نجتر مآسيها ونعيش في كنف تداعياتها لا زلت حقيقة دوافعها وأهدافها وغايتها ورموزها الحقيقين ومموليها و( عرابيها ) وطنيا وقوميا كل هذا لا يزل مجهولا وسيبقى كذلك حتى يأتي ( العراب الحقيقي ) لها ويعترف بتفاصيلها وكيفية أدارتها بعد فترة زمنية وسنهرول بعدها نحوها ونأخذها كمسلمات غير قابلة للنقاش تماما كما في حال منازعة العرب فيما بينهم على حدودا ماء فنراهم جميعا يهرولون إلى ( الوثائق البريطانية ) لتفصل بينهم وتٌعرف كل طرف بحدود أرضه وحقوقه ..؟!
ومع كل هذه الحقائق الراسخة المؤكدة لزيف رافق أحداثنا التاريخية وهو دافع حقيقي لنا لكي نعيد قرأة تاريخنا قرأة عقلية ونقدية وننقيه من كل الأكاذيب والاساطير ومفردات الزيف وهو فعل أراه أفضل وأقدس من أن نظل نتقاتل على هذا التاريخ وأحداثه ونجتر مآسيه في حاضرنا ونتجاهل المستقبل ومتطلباته وعوامل ومقومات مجابهته بكل لوازم العلوم المعرفية وليس بكم الاساطير والحكايات التي يجهل حقائقها حتى أولئك المتعصبين لها والمتمسكين بها وبأحداثها باعتبارها ثوابت مقدسة لا تقبل التشكيك ؛ إلا أن هؤلاء الذين أمنوا بهذه الاساطير عن طريق التلقين والتعبئة إذا ما منحوا فرصة التنقيب عن حقائق تلك الاحداث فأنهم قطعا سيعيدون النظر بقناعتهم فيها ؛ ولكن هذا الأمر مرهون بامتلاكهم حرية التفكير وهذا فعل ليس متاح في ثقافتنا الدينية والسياسية ولذا سنبقى نخوض معارك شبيهة بمعارك ( دونكيشوت ) حتى نصل إلى مرحلة من الوعي الحضاري والمعرفي نغلب فيه سلطة العقل على سلطة النقل ..؟!! |