ريمان برس - خاص -
أثارت اتفاقية العار التي قامت بها دويلة الامارات مع العدو الصهيوني جدلا في الوسط السياسي والثقافي والنخبوي العربي وبرزت مواقف عربية متباينة بين مؤيد ومعارض لهذا الاتفاق الذي جاء بعد سنوات من بدء حملة ممنهجة ومنظمة قام بها خليجيون رسميون وشعبيون ضد الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة والمشروعة .
والمؤسف أن هناك من اعطى هذا الاتفاق بعدا أكبر من بعده وحمله فوق طاقته ومنح كانتونات المحميات الخليجية أكثر ما تستحق من الاهتمام وهذا ما يهمني أن اتناوله هنا ؛ وبداية أحب أن الفت عناية الجميع إلا حقيقة دور ومواقف المحميات الخليجية وتأثيرها على صناعة القرار العربي وعلى قدرتها في السيطرة وإدارة هذا القرار ؛ كانتونات المحميات الخليجية لم تكن ذات يوم حاضرة في صناعة القرار العربي ولا حاضرة بالقرار والقضية الفلسطينية إلا كأرقام تضاف في المؤتمرات الإقليمية والدولية فيما القرار العربي كان مرتبط ارتباطا مباشرا بدول محورية عربية ذات تأثير وهي مصر وسورية والعراق والجزائر وليبيا واليمن والسودان الى حد ماء ؛ وكان الفعل المباشر للقرار العربي يأتي من مصر وسورية والعراق ثم تلتف حوله بقية الدول المشار اليها ولم يكن هناك ثمة دور أو تأثير للكانتونات الخليجية أو بالأصح المحميات البريطانية ثم الامريكية لاحقا ..!!
ثمة تحولات درامية شهدها الوطن العربي على طريق تصفية القضية الفلسطينية وتكريس ثقافة العمالة والارتهان والتبعية للولايات المتحدة الامريكية والتي برزت بعد حرب تشرين أكتوبر 1974م والتي مثلت الحد الفاصل بين مرحلتين مرحلة قومية عرفت بعنفوانها ومجدها ويقظتها وهذه المرحلة انتهت على مرحلتين الأولى برحيل الزعيم جمال عبد الناصر والثانية بقبول السادات بقرار وقف اطلاق النار وتخليه عن المعركة في المنتصف تاركا الجيش العربي السوري يواجه منفردا قوات الصهاينة ودعم واسناد قوات الاسطول الخامس الأمريكي المرابط في عرض البحر المتوسط ؛ وتجرع الجيش العربي السوري على اثر ذلك خسائر معنوية أكثر منها مادية وهي الواقعة التي اقنعت الرئيس حافظ الأسد بطرح فكرة ( التوازن الاستراتيجي مع العدو ) مؤكدا يومها لقيادة الحزب والدولة حقيقة ( عليكم أن تعدو أنفسكم لمواجهة العدو منفردين وبدون دعم عربي ) .. يؤمها اتجهت الأنظار نحو منظمة التحرير الفلسطينية التي قال عنها الزعيم جمال عبد الناصر ( أنها وجدت لتبقى ) ورغم كبوة أيلول الأسود وتأمر النظام الأردني على الثورة مع ما رافق تلك المؤامرة من شطحات ثورية يسارية أدت لمذبحة أيلول الأسود ثم انتقال المنظمة الى لبنان فقد شكلت محادثة الكيلو101 بين الجيش المصري وجيش العدو الصهيوني وبرعاية أمريكية بداية الانحدار العربي باتجاه التخلي عن القضية المركزية فلسطين وهذا ما أكده لاحقا مؤتمر قمة الرباط عام 1974م الذي أقر مقولة ( منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ) وهو القرار الذي كانت تتطلع اليه القيادات الفلسطينية وتسعى لتحقيقه ولكن على طريقتها وليس على طريقة الحكام العرب والنظام العربي الذي اعتبر يؤمها إنه بكذا قرار منح نفسه صك برآة من فلسطين القضية والمسار والمصير ؛ وبهذا القرار الذي سبق وأن رفضه وبقوة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ليس لأنه كان يريد التحكم والسيطرة بالقرار الفلسطيني ولكنه كان يدرك نوايا البعض وما يخططون إليه ولذا كان يرى أن منظمة التحرير الفلسطينية هي طليعة النضال العربي كما هو الكيان الصهيوني طليعة القوى الاستعمارية ؛ ألم يكن عبد الناصر هو الزعيم العربي الوحيد الذي حمل الرئيس الشهيد ياسر عرفات الى كل المحافل الدولية وهو من قدمه للقيادة السوفيتية وهو من قدمه لحركة عدم الانحياز ولزعمائها ولمنظمة الوحدة الافريقية ولزعمائها وعبد الناصر هو من قدم الشهيد عرفات للزعيم الصيني ماوتسي تونج وللزعيم الهندي نهرو وللرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو ؛ لكن عبد الناصر كان يخشى أن يتخلى العرب عن دورهم القومي في تحرير فلسطين إيمانا منه بأن قضية فلسطين تعني كل العرب وليس الفلسطينيين وحدهم ؛ ولكن العرب وبعد رحيل عبد الناصر تخلوا عن القضية منذ عام 1974م يؤمها قال العرب للفلسطينيين ما قاله قوم موسى لموسى ( أذهب انت وربك فقاتلا أنا ها هنا قاعدون ) والعرب قالوا لياسر عرفات والشعب العربي الفلسطيني في قمة الرباط عام 1974م أذهبوا وقاتلوا وانتم احرار بقضيتكم وما تيسر من إمكانيات سنمنحكم ليس كواجب بل كمكارم مشفوعة بكثير من المن والاذى ..؟!!
كانت الثورة الفلسطينية قد اتخذت من بيروت ولبنان مقرا لها وكانت المؤامرات قد رافقت وصول المنظمة الى لبنان وانطلقت تحيك القصص والاحداث ولم يكن بعض العرب بعيدين عن ذلك ولم تشرق شمس العام 1975م على لبنان والمنظمة حتى حدثت واقعة ( الكارلنتينا ) وانفجرت تداعيات واحداث الحرب الاهلية اللبنانية ووجدت منظمة التحرير نفسها في قلب تلك الاحداث تزامنا مع الانقلاب العسكري ضد الملك الافغاني وإعلان أفغانستان جمهورية بقيادة الحزب الشيوعي الافغاني ودخول السوفيت لأفغانستان بموجب اتفاقية الدفاع المشترك المبرمة بين القيادة الأفغانية وقيادة الاتحاد السوفيتي بعد تدخل باكستان بقيادة ضياء الحق بالعدوان على أفغانستان وتحريض القبائل الحدودية ضد النظام الثوري في كابل وبدعم ورعاية أمريكية وتمويل عربي كامل ماليا وتسليحا ؛ واستغل الكيان الصهيوني هذه الاحداث للبدء في تصفية الثورة الفلسطينية وكوادرها داخل لبنان وخارجه فيما العواصم العربية الريدكالية تمثلت بسورية والعراق وليبيا واليمن والجزائر وقد انقسمت مواقف هذه الدول بين تايد مطلق للثورة والقضية وتمثل في موقف الجزائر واليمن بشطريه وبين رؤية متباينة ومتصادمة أحيانا بين دمشق وبغداد لتأتي زيارة السادات للقدس ومن ثم اتفاقية كمب ديفيد لتخرج مصر رسميا من معادلة الصراع العربي الصهيوني الذي تحول تدريجيا الى ( صراع فلسطيني _ صهيوني ) ؟!
في كل هذه التداعيات لم تكن الكانتونات الخليجية بما في ذلك السعودية ذات تأثير فعال ومباشر في القضية وفي الصراع إلا من بعض المساعدات المادية التي كانت تقدمها الأنظمة الخليجية للثورة الفلسطينية بدافع اتقاء نفوذها في الوسط الشعبي والجماهيري وبدافع حفاظ أنظمة الخليج على مكانتها ؛ وقد شكل خروج مصر من معادلة الصراع وتوقيعها اتفاقية السلام ضربة ليس للثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية بل للأمن القومي العربي ومنظومته الافتراضية وكانت الضربة قاتلة فعلا انعكست سلبا على واقع مصر بصورة مزرية وعلى مختلف المستويات ؛ إذ لم تكسب مصر من ابرامها اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني ولم تحقق استقرارا لا ماديا ولا تنمويا بل خسرت مصر الكثير من مقوماتها الحضارية والتنموية بتوقيع اتفاقية كمب ديفيد .
يتبع |