ريمان برس -خاص -
بعد أن بائع الإمام الحسن معاوية وتنازل له عن الخلافة ورفض عرض معاوية بولاية العهد وإنما أتفق معه على جعل الخلافة من بعد معاوية شورى بين المسلمين يختارون من يناسبهم لإدارة شئونهم ..عاد الإمام الحسن إلى يثرب ومارس دورا سياسيا ذكيا فرغم بيعته لمعاوية غير إنه لم يهادن في قضايا المسلمين وكان دائما النصح بضرورة حقن الدماء بين المسلمين خاصة حين يكون هناك توازن في القوة بين أطراف الصراع وأن أي صراع يطيل من معاناة الناس لاجدوى منه ..!
لم تستمر الهدنة طويلا بين معاوية واهل العراق وخاصة أهل الكوفة إذ نكث معاوية بكل وعوده لهم وبدأ عماله يتعاملوا بقسوة وشده وتذمر أهل العراق وتذكروا الإمام علي والإمام الحسن وندموا على تصرفاتهم الحمقى مع الإمامين بعد أن شاهدوا قساوة وبطش بني أمية وسرعان ما تحرك أعيان الكوفة بوفد كبير المدينة لمقابلة الحسن وفعلا التقوا الحسن وشكوا له همهم وكيف إنهم ناصروا والده ثم ناصروه من بعده وكيف تركهم ..كان أول لقاء بين الحسن وأهل الكوفة عبارة عن عتاب قاس لكن الإمام الحسن كان لديه من الحصافه والحكمة ما يكفي لاستيعاب القادمين إليه وتطيب خاطرهم بل وإقناعهم بوجهة نظره التي اعتمدوها أهل الكوفة كثوابت راسخة في نشاطهم ضد بني أمية ..فقد أقنع الإمام أهل الكوفة بأنهم شيعته وشيعة والده وشيعة أهل البيت وأنه يكن لهم معزة خاصة لكنه أكد لهم إنه بائع معاوية وبالتالي من الأهمية احترام البيعة واحترام السلطان وعدم الخروج عليه حقنا لدماء المسلمين ودرءا للفتنة حتى لا يحملكم التاريخ وزر هدر دماء المسلمين لكنه أوعز لهم برصد ومتابعة تجاوزات بني أمية والتهيئة والاستعداد للمواجهه إذا ما تجاوز بني أميه شريعة الله وسنة نبيه الخاتم عليه الصلاة والسلام ..
يؤكد غالبية المؤرخين أن لقاء الإمام الحسن باعيان الكوفة عام 42 للهجرة شكل أول مؤتمر تأسيسي ( للتيار الشيعي ) كتيار سياسي معارض لبني أمية ولم يكن في ذلك الوقت يرتكز هذا التيار على أسس مذهبية بل كان بمثابة تيار سياسي معارض دوافعه ومنطلقاته وأهدافه سياسية بحته ..؟!
كان معاوية يعلم بنشاط الإمام الحسن لكنه كان يعلم أيضا أن الحسن صادق في البيعة لكنه لن يسكت عن ظلم أن بدر من الخلافة أو عمالها في الأمصار وكان يعرف أن الحسن بار بالناس وصادق معهم في كل ما يتصل بشئونهم سلبا كان أو إيجابا ..
بعد لقائهم الأول عاد أعيان الكوفة لممارسة نشاطهم في التهيئة والاستعداد لوقت الحاجه ..فهم قد طلبوا من الإمام أن يقودهم للحرب والإمام اقنعهم بأن الحرب ليست هي الحل في الوقت الراهن واقنعهم بطاعة السلطان لكن فيما يتعلق بالحرب نصحهم بالاستعداد والجاهزيه لها عند الحاجه وعندما يصبح أن لا خيار غيرها ..أستمرت ( شيعة ال البيت ) تنشط في كل الأمصار وبنسب متفاوتة لكن أشدها كان في العراق ومصر وفارس وخرسان ..
تميز الإمام الحسن بالكرم مع الناس كما تميز بمقت الحرب بين المسلمين وسعيه الدائم إلى رآب الصدع حتى على مستوى الأفراد وكان كثيرون حتى من الصحابة الأوائل يعيدون سلوك وشخصية الإمام الحسن لجده المصطفى صل الله عليه وسلم الذي قال حديثا في الحسن فحواه إنه سيجمع شمل فئتين عظيمتين من المسلمين كما كان رضي الله عنه حكيما وهو عكس الإمام الحسين حتى إنه زجر الحسين حين اعترض على مبايعة الحسن لمعاوية لكن الحسن زجر شقيقه الذي قابل زجر أخيه بالسمع والطاعة ناهيكم أن الحسن كان ذو رؤية سياسية بالغه وحصافه نافذة ورؤية ثاقبة مزايا لم تكن عند أبي عبد الله الحسين ..ولهذا كان معاوية بكل مكره ودهائه حريص على أستماله الإمام الحسن وكسب بدليل أن معاوية مثلا كان يراسل الإمام علي ويبدأ رسالة بهذه العبارة : من ( معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب ) وهكذا كانت رسائل معاوية مع الكثيرين من رموز وأعيان قريش وبني هاشم إلا رسائله للإمام الحسن كانت تبدأ : (إلى الحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان ) صيغه لها تأثير نفسي ومعنوي واعتباري..كما أن معاوية كان يعرف حب وتقدير الحسن للخليفة عثمان وكان الحسن فعلا ممن تأثروا بمقتل عثمان وحزن على نهاية الخليفة حتى أن الإمام علي كرم الله وجهه مر ذات يوم والحسن يأخذ الوضوء إستعدادا للصلاة فحب الإمام علي مداعبة نجله فقال له : أصبغ الوضوء ..فرد عليه الحسن بقوله ( لقد قتل من كان يصبغ الوضوء ) وكان يقصد الخليفة عثمان ..
مرة علاقة الحسن ببني أمية وخاصة معاوية بين الشد والجذب لكن ظل الحسن هو صمام آمان حائلا دون تفجر الوضع بين بني أمية وبني هاشم حتى وفاة الإمام الحسن سنة 50 للهجرة وقيل في موته أن معاوية أوعز لإحدى زوجات الحسن بأن تدس له السم في شرابه وقد اختلف المؤرخين في هذا الأمر غير أن ظاهرة الموت بالسم في عهد بني أمية كانت شائعة وإذا بحث المراقب عن المستفيد من موت الحسن سيجد معاوية هو المستفيد الوحيد الذي كان وجود الحسن يشكل له ولطموحه في ترسيخ حكم بني أمية عائقا وأي عائق إنه الحسن بن علي وفي عام وفاته كانت الكثير من الأمصار والأقاليم تغلي من جبروت بني أمية وكانت إشارة واحدة من الحسن تكفي لإشعال نار لا تبقي ولاتذر ..
هناك مثلبه واحدة تحسب على الإمام الحسن وهو إنه كان مزواج أي كثير الزواج لدرجة أن الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه طلب من القبائل أن لا يزوجوا الحسن ولكن لم يسمعه أحد فالناس كانوا يتسابقون لزواجه فهذا حفيد رسول الله وهده الصفة لم تكن موجوده عند أبي عبد الله الحسين رضي الله عنه الذي كان عكس شقيقه في هذا الجانب المهم انتهى الإمام الحسن مقتولا بالسم ..ليبدأ فصل جديد من رحلة النزيف الدامي ..
وحتى عام 50 للهجرة لم تكن هناك مذهبية دينيه ولا ولاية أو إمامة مقدسه بل كان لفظ الإمام لفظ اعتباري أو سياسي ولكنه لفظ لا يحمل قدسية دينية أو مذهبية ..
يتبع |