اروى عثمان - تذكرت وأنا أشاهد التعيينات الثورية القارحة لحماة الثورة في المناصب القيادية والمرافق الحساسة للدولة ،منذ 2011 ، خصوصاً تعيينات المسرح والفنون والتراث ..أعادني إلى قرارات مؤتمر الحور الوطني ، إلى زميل لنا واعتراضه على قرار : " أن يكون في كل محافظة مسرح " لقد كان يعترض على كل شيء له علاقة بالفنون تقريباً "الله يذكرك بالخير يا صديقنا!!" .
كانت حجته (الواقعية ) : أن الشارع يرفض المسرح والفنون والسينما ..الخ ، ولا يجب أن "نكعفه " إياها .
كلامه صحيح بعض الشيء ، فلم نر على الساحة اليمنية من طالب بمسرح ، أو سينما ، أو بفتح المتاحف المغلقة ، أو بمنع تهريب الآثار المخطوطات والكف عن الحروب للمواقع الأثرية والتاريخية ..الخ ، أو إعمار مدرسة أو مستشفى ، ما رأيناه ليس سوى سيلانات المليونيات الثورية الهادرة والكاسحة لمشاريع "داعشية" ثأرية ، ل: الزحف ، والثورة الأخلاقية في المؤسسات ، ومشروع شهيد ، والرسوم الدنماركية ، ..الخ.
والسبب ليس لأن اليمنيين لا يعشقون الفنون ، فتلك فطرية للكائن الحي ومنه الإنسان ، لكن منظومة الحكم المستبد واللصوصي ( القبائلي /العسكري / الديني) حولت الإنسان اليمني إلى كائن بيولوجي بحت ، فجرى إقحامه بمهلكة البطن ، وتثويره لإشباع "المُغل"، ومن ثم تجفيف روحه بالقضاء التدريجي والممنهج لكل ماله علاقة بالوجدان ، وتنمية الجمال ، فجرمت الفنون ، وأنهيت من خلال صفقات ضيقة وقذرة لمنظومة الحكم السابق مع فلقة النظام اللاهوتي مُلاك العقيدة والحصريين للإسلام السياسي " الإصلاح "وتفرعاته من المشفرين أبو كرافتة ، ولغات أجنبية ، ملاك وشقاة الفعل والزخم الثوري "بامتياز .
لقد جرى تحويلنا إلى كائنات كهفية تلهث وراء القبر على أنه جهاد حتى قيام الساعة ، بل وإلى دجاج تكاكيء من المغرب – بعد "ذبل" القات ، بحجة : أين نروح ؟! ومافيش بديل ! بل لقد صنعوا البديل الأبدي لمسرحة البلاد والعباد ، فجرى صناعة مسرح الأحداث " الثورية " بدموية مفرطة : في صعدة ، وجولة كنتاكي وبنك الدم ، في نهم ، وأرحب وجبل الصمع ، والحصبة ، والقاع ، مسرح ثوري حار في تعز ، وأبين ، وعدن ، وعمران والضالع ، ومسارح "هليوكسية" و"موتوراتية" لتصفية الجيش والأمن ، ومستشفى العرضي ، وحروب المعامل وإغلاق الجامعات ، وملاحقة النساء والتقطعات ، مسرح صناعة المليشيات والجماعات المسلحة وشيوخ القبائل والدين ، ولا ننسى مسرح الظلام ..الخ . هذا هو المسرح الدموي الحاضر بقوة في المشهد اليمني كل ساعة لتكريس نظرية : أن الإنسان اليمني خلق فقط لإشباع غريزة القتل والقتال فقط .
اشتغل النظام السابق مع فلقته اللاهوتية شغلاً نظيفاً لتحريم الإبداع ، فأغلقت السينما ، والمسرح المدرسي والمعمل ، والمتحف ، وجرى تحويلها إلى مخازن ، أو مساجد .. وتحولت مؤسسة الثقافة إلى مجرد قطاع للموظفين فقط ، وصرف بدلات سفر لإحياء معارض دولية لترويج السياحة في اليمن خارجياً فقط ، من خلال فرقة رقص يتيمة ..بعد أن كانت فرق المحافظات للفنون الشعبية المدربة أرقى تدريب في المعاهد الدولية خصوصاً في الجنوب ، - قبل غزوة 1994م تملأ المدن والأرياف ..ليقفز فيلق الأكليروس لصناعة الفعل الثوري للتغيير , ليصل إلى نتيجة تتفق وتغييب العقل الممنهج مفادها : الشعب لا يريد مسرحاً ولا فنوناً .. الشعب متدين ، الشعب يريد فعلاً ثورياً ، الشعب يشتي يقاتل ، يجاهد ، يريد إشباع " مغله " ، والفنون كفر وفجور ، المسرح يريد لبناتنا أن يتعرين ..الخ .
وفي خضم هذا المشهد السريالي ، تذكرت ما تفعله أيضاً الأنظمة الفاشية الإسلاموية في إيران وغيرها ، عندما تفتقت ذهنية المرشد أن يصنع طبقة من النساء المعاديات لحقوق النساء ، لإيصال فكرة جهنمية أمام الإعلام والمحافل الدولية ، أن :" النساء هن من شجعن أحكام وعقوبات ك: المرأة الغير متحجبة تسجن 15 يوماً ، أو تجلد 75 جلدة ، ورجم المرأة الزانية حتى الموت ..الخ .
وعندما ثار المجتمع رد رجال اللاهوت بابتسامة – أراها كل يوم في وجوه شقاة الفعل الثوري- اللاهوتي في بلادنا : "لسنا نحن من قام بهذه الانتهاكات ، إنهن " النساء أنفسهن " ، ولولا تدخل المنظمات الدولية والأمم المتحدة لإنقاذ نساء إيران من الموت الثوري الخميني لواصلوا قتلهن باسم الله والثورة .
أجده ، بنفس الشغل الثوري في التعيينات الأخيرة في كل مفاصل الدولة ، وفي الثقافة خاصة ، فمن تم تعينهم كانوا من فصيلة "حماة الثورة" جماعة اللجنة الأمنية والتنظيمية "الفعل الثوري" ، فبعضهم يجرمون الفنون ، ويحرمون صوت المزمار الذي يعشقه الشعب اليمني ، بحجة أنه صوت الشيطان والفجور. هذا الفكر الثوري الذي ظل يلاحق النساء بعصا الثورة في الساحات والشوارع على إنهن غير منقبات وخارجات على الصف الثوري الجهادي . المخجل ، أن من يبارك هذا الفعل الثوري المقدس / أولئك الانتهازيون الثوار من أساتذة الجامعة ، ومن أعضاء الحوار الوطني وسيصيغون الدستور الجديد ، بأن الفعل الثوري أبو" مشروع شهيد " قد أتى ثماره في هذه التعيينات الثورية " ثورة الأخلاق " في المؤسسات .
..
لا نمانع أن تصدر قرارات جمهورية لحكومة "الفعل الثوري" بتعيين أصحابهم وشقاتهم في مناصب سيادية ، وزراء للمالية ، للتجارة ، قطاع النفط ، بل أن يحلوا محل باسندوة ، ويكونوا رؤساء للحكومة .. طبيعي هذا فعل ثوري بمقياس ( وكلاء منطق ثورات قطر وتركيا) .
لكن الفنون لا ينقصها فعل ثوري و"فتووي" ، فلنبعدها عن سلسلات مطاعم "مشروع شهيد" .
اعتقد وفي مشروع الدولة المدنية ، ومخرجات الحوار الوطني، آن الأوان لأن نبني دولة تكنوقراط لا أن نستجر الفعل الثوري لتلغيم مؤسسات الدولة بهم ، بحجة أنهم ثوار ، والوضع يقتضي " فعلاً ثورياً ملزماً " ، عدا ذلك ، أن حماة الثورة فقراء ويرحموا الله ..
آن الأوان ، لأن يمحى التغيير أبو " خط / شخط أحمر " الفاتك بالوظائف والتوظيف لتعيين شقاتهم " التغييرين " .. كما فعل ثوار مرسى وغروزا نشطاء وقادة الجماعة في مؤسسات الدولة ، والمؤسسات الأهلية في كل مكان ، فلم يكملوا سنة واحدة ، إلا ، وظهر من قال لهم : قفوا عند حدكم ! إنها مصر للجميع ، وليست مصر لجماعة المرشد والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ..
**
فليس من المعقول أن الفعل الثوري يقتضي أن يكون "سميع" وزيراً للكهرباء الثورية التي أدخلتنا في حلق الظلام والموت .
وأن "تتقحطن " وزارة الداخلية الثورية ويترصدنا الموت بالمتورات والهيلوكس الثوري ..ونفسه الفعل الثوري يقضي بأن "تتصخرن" المالية وتصبح بضربة صخرية /ثورية مالية للجماعة ..وكذلك التعليم "يتثورن" بزر جامعة الإيمان الشديدة الثورية!!! وبالمثل القضاء وأجهزة الدولة الأخرى ...
سألتك بالله يا باسندوة " كيه " أشخط بالقلم الأحمر أن يحل "الأضرعي " بديلاً عنك ويكون رئيسا للحكومة والوزراء والخارجية والداخلية ووو الخ ، لكن مديراً للمسرح ، ففيه اعتباط وتعسف .
**
آن الأوان لأن نبنى دولة .. وأن يدخل الفعل الثوري ضمن ذاكرة العدالة الانتقالية كجزء من تاريخنا .. لا أن نزحف ونصنع مشروع شهيد لإقصاء العمال/ات والفراشات وعمال المقصف ، والموظفين ، والجنود ، ..الخ بحجة : الفعل الثوري قادم ، ولا شخط أحمر يقف أمامه ....
ولا كيف تشوفوووووا ؟
|