ريمان برس - خاص - الأخطاء ليست جرائم، بل هي أحكام تنقصها الحكمة، وتحتاج إلى مزيد من التبصر والتبصرة، وتحتاج إلى كثير من المراجعة. الأخطاء هي تقدير موقف، وتقدر المواقف بطرق مختلفة طبقاً لاخ
تلاف الأهداف والأيديولوجيات.
أولاً : لم يكن الإسلام السياسي حاضناً لباقي التيارات سواء عندما كان خارج الحكم أو عندما كان حاكماً. فالانفراد بالحكم يشبع في النفس الرضا، بعد طول هجران. وقد اضطر ذلك التفرد باقي التيارات السياسية إلى العمل بمفردها أيضاً خارج الإطار الإسلام السياسي الذي كان يمكن أن يتسع للجميع. كان الهدف منذ ثمانين عاماً الحكم.
وهذا هو معنى (مشاركة لا مغالبة) بعد أن تحول إلى الضد (مغالبة لا مشاركة) فالحكم يعني السيطرة، والسيطرة تعني الحكم المتفرد.
ثانياً : يعني الحكم الانفراد بالسلطة في أسرع وقت. والسلطة هي الأجهزة التنفيذية التي على صلة مباشرة بالمواطنين. لا فرق بين الحياة العامة والحياة الخاصة، كلتاهما حكم نافذ باسم (الحاكمية)، وهي ممثلة في الرئاسة للجمهورية وللوزراء ولمجلسي الشعب والشورى، وللجنة الدستور والجامعات والوزارة والإدارة والمحافظين، وهو ما أطلق عليه أخونة الدولة ومؤسساتها، فالحكم هو التحكم، والتحكم هو التسلط، والتسلط هو الإقصاء( ).
ثالثاً : فإذا تحول الإسلام السياسي إلى المعارضة بعد أن كان في الحكم فإنه يستعمل العنف، خاصة إذا أزيح عنه بثورة شعبية يؤيدها الجيش تحقيقاً لشعار (الشعب والجيش إيد واحدة)، فإنه لا يتصور إزاحته عن الحكم، إذ أنه في السلطة إلى الأبد، بعد أن كان يسعى إليها، منذ ثمانين عاماً. المعارضة لديه اعتماداً على حقها الدستوري في الاعتصام، تخلط بين الاعتصام السلمي والاعتصام المسلح بخلع الأرصفة، وتحويلها إلى ستائر مدعمة بالأخشاب والأسمنت المسلح لقطع الطرق والكباري والطرق الدائرية، واستعمال الجوامع لتخبئة الأسلحة، وتعذيب المعارضين لهم، وقتلهم وإلقاء جثثهم في الحدائق أو تحت المنصات، واستعمال الأسلحة بجميع أنواعها البيضاء والنارية والغازية، وتتعطل المصالح العامة، ولا يستطيع المواطنون السير في الطرقات من كثرة الحواجز عليها. والتفتيش على أسماء المارين على الأقدام والعربات.
رابعاً :
لم يراعِ الإسلام السياسي أنه في بعض البلاد العربية مثل مصر هناك الدولة كعنصر أساسي في العمل السياسي. ويأتي الإسلام السياسي بعنصرين آخرين: الحزب والجماعة، الدولة الركيزة الأولى وهي الحامية للوطن منذ (فرعون) حتى أعاد تأسيسها كدولة حديثة (محمد علي) ثم (عبد الناصر)، ولا يمكن تصغيرها حتى تدخل في الحزب السياسي، فالدولة تضم العديد من الأحزاب، أول بند في برامجها الحفاظ على الدولة المصرية، ولما كان الحزب هو المعبر عن الجماعة فإنه لا يستطيع الانفصال عنها، ونظل الجماعة هي الموجه الرئيسي للحزب، وبالتالي للدولة، وعقلية الحزب وعقلية الجماعة، غير عقلية الدولة. فإذا تم الخلط بينهما تضيع الدولة لصالح الحزب ويضيع الحزب لصالح الدولة.
خامساً : عادة مما تتوالى الأجيال على الحزب وعلى الجماعة، على الأقل جيلان، إذا كان عمر الجماعة ما يعادل ثمانين عاماً، والذي حدث أن قادة الجماعة ما زالت من الجيل الأول، الذي فقد القدرة على مواكبة تطور العصر ومسار التاريخ وتغير الظروف والأحوال، والجيل الجديد لم يعد قادراً على أن يقول سمعاً وطاعة للمرشد والمكتب والعام، فانشق، وكوّن مجموعة (إخوان بلا عنف) وانشق نائب المرشد، وكون حزباً مستقلاً (مصر القوية)، وطُرد عضو مكتب الإرشاد، وكّون (حزب الوسط)، ووقف الجيل الأول الذي منه المرشد على شعارات مؤسس الجماعة (فرسان بالنهار رهبان بالليل) وعلى شعار (مصحف وسيفان) والعصر الحاضر لا يقبل السيفين، فالقوة في العلم الذي يرمز إليه الكتاب.
سادساً : مازالت الجماعة تدور في الفلك القطبي (نسبة إلى سيد قطب)، تكفّر المجتمع لصالح جيل قرآني فريد. واليسار الإسلامي أو الإسلام الثوري ما زالا غير مقبولين، باعتبارهما ماركسية متخفية برداء الإسلام.
سابعاً :
مازالت الشعارات في معظمها صورة مثل الشرعية، ديمقراطية الصندوق، وهما لا يفسران كيف تندلع الثورات (ثورة 1952م)، أو (ثورة يناير) بقيادة شباب مصر. قبل أن ينضم إليهم الإسلام السياسي، وأخيراً (ثورة 30 يونيو) التي انضم فيها الجيش للشعب كما فعل في (يناير 2011م) تصحيحاً لمسار الثورة( ).
|