ريمان برس -
ُيعرف الوطن بأنه أرض وسماء وإنسان والإنسان هو الوطن ولا وطن بدون إنسان، والوطن أي وطن مهما بلغ الحديث عنه تفخيما وتقديرا وتقديسا عبر وسائل الإعلام دون أن يكون للإنسان مكانة فيه فلا قيمة لهذا الوطن ولا مستقبل ولا يمكنه أن يكون حاضنا للتنمية والتقدم، لأن الوطن إنسان وليس تراب ولا جغرافية مهما كانت مساحته وكانت إمكانياته وكان موقعه..
أن الإنسان كان ولايزل هو محور الحياة وصانع التحولات وهو من يكتب التاريخ سلبا كان أو إيجابا، والإنسان هو أداة التقدم ولكن ليس أي إنسان، بل الإنسان الحر الذي يمتلك قراره ويمتلك حريته، لأن من يمتلك الحرية يمتلك القرار، ومن يمتلك القرار يمتلك القدرة على تشكيل مسار وطنه ويساهم بفعالية في تشكيل اطياف حاضره ومستقبله.
يقال أن الإنسان الحر هو أساس المجتمع الحر وبنائه المقتدر وحرية الإنسانية فطرة فطرا الله بها عباده ومنحهم عقولا تميزهم عن سائر مخلوقاته، وقد كرم الله الإنسان بأن جعل الملائكة الذين يعبدونه ليلا نهار يسجدون ( لأدم) في تكريم إستثنائي لم يحضي به الملائكة ولا أيا من مخلوقات الله وحضي بها الإنسان الذي يعيش اليوم اسيرا مكبلا بإغلال أخيه الإنسان حيث ذهبت القلة النافذة لمصادرة إرادة الغالبية وفرضت عليهم قيم العبودية والتبعية والارتهان والامتهان، موظفين لهذا كل المسميات الدينية َوالوظعية وأسماء ومفاهيم تُستغل مجتمعه لتطويع إرادة الإنسان ليكون في زنزانة إنسان اخر لدرجة إننا نعيش اليوم في أوطان صحيح إنها مفتوحة والناس تتحرك في تضاريسها وتراهم منهمكين كلا في عمله، غير أن واقع الحال يقول أن الأوطان قد أصبحت عمليا بمثابة (زنازين) وأن أنظمتها الحاكمة هي بمثابة (سجان)..؟!
نعم لم اعد أرى في وطني سوي مجموعة ( سجون) محكو من قبل أقليات نافذة امتلكت وسيطرة على أدوات القوة وممكناتها فوظفتها لتطويع إرادة الغالبية المقهورة، غالبية منهمكة ومسخرة كل قدراتها بحثا عن بقايا (رغيف) مغمس بكل مفردات القهر والذل، لأن هذا الرغيف أصبح هدفا وغاية وعنوان نضال يومي تخوضه الغالبية المنهكة التي وجدت نفسها مكبلة بقيود واغلال أنظمة بينها وبين العدالة آلاف السنوات الضوئية فيما الوطنية بقاموسها مختصرة بذاتها والوطن..!
أن بلادنا اليمن تعد نموذجا لظاهرة (العبودية السياسية) التي تجاوز أصحابها كل القيم الدينية والوطنية والاخلاقية والإنسانية، هناء حيث الوطن يتنقل بين ترويكا القوة والنفوذ الذين يخوضون معارك لا تنتهي فيما بينهم على السيطرة والنفوذ وإستعباد الشعب الذي يقف متأملا لصراعات النخب المتتالية، نخب تتوافد على قصر الحكم تباعا دون أن يكون للمواطن المستهدف من قبلهم رأي أو قرار فيما يجري بين هذه النخب المتصارعة التي تزعم إنها تعمل لمصلحة الوطن والمواطن ومن أجلهما، فيما الواقع يقول ان هذه النخب حصرت الوطن في ذاتها وحصرت المواطنة في اتباعها..!!
ثمة مقولة تقول ان ( الصين) ابتكرت طريقة لإنتزاع إعترافات المعارضين للنظام وهي وضع المتهم في غرفة مجهزة بأجهزة ترفع درجة حرارة الغرفة إلى أكثر من 60درجة ثم تتحول إلى ثلاجة وبدرجة برودة تتجاوز 60 درجة تحت الصفر وهكذا يخرج المتهم من تلك الغرفة وقد فقد كل قدراته الفكرية والنفسية وأصبح من السهل إنقياده وتلقينه ما هو مطلوب منه قوله وهذا هو حالنا نحن في اليمن، الذين ثرنا ضد الإمامة ثم وجدنا أنفسنا محكومين بها، ثم حاولنا استعادة الثورة، فأنقلب الأمر بعد برهة وبالا علينا، ثم ولجنا كما يقال لعالم الحرية والديمقراطية والوحدة، فانتكسنا، تفجرت أحداث في شمال الوطن وجنوبه فقيل لنا في ( الشمال متمردين) وفي (الجنوب انفصاليين)..؟!
فثارت ( تعز) بحثا عن التغير وعن دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية وتحركت معها مجاميع من كل الجغرافية الوطنية، غير أن موقف ( تعز) سرعان ما تحول إلى وبالا عليها فأرتدت عليها الثورة بالفوضى وتمزيق نسيجها الاجتماعي والتغير، أدى إلى تغير معالمها الجغرافية والمواطنة المتساوية أرتدت بصورة اركسة جعلت من تعز ثلاثة نطاقات متنافرة، فيما (متمردي الشمال) أصبحوا حكاما، ومثلهم أصبح كذلك (انفصاليي الجنوب)..؟!
في هذا السياق أصبحنا أمام مفاهيم وطنية متعددة، ففي صنعاء هناك مفهوم للوطن والوطنية، وفي عدن هناك مفهوم للوطن والوطنية، وفي تعز خاصة هناك أكثر من مفهوم وأكثر من تعريف موزعين بين (الحوبان، والمدينة، والساحل)..؟!
فأي لعنة هذه حلت بناء؟! هل هي ( لعنة الأئمة) حلت بناء؟ أم هي( لعنة الثورة والجمهورية والسلال وحكومته) ؟ هل هي( لعنة الإرياني وحكومته) ؟ أم هي ( لعنة الحمدي وعهده وحكومته) ؟ و هل هي (لعنة عيسى محمد سيف وإخوانه) أم هي ( لعنة من تم اغتيالهم وتصفيتهم في شوارع صنعاء وعدن) ؟ أم هي ( لعنة قحطان وزملائه) و(سالمين ورفاقه) ؟! هل هي ( لعنة فتاح ورفاقه) ؟ أم هي( لعنة على سالم) وخبرته؟ هل هي( لعنة حسين الحوثي) وجماعته؟ أم هي( لعنة عفاش) وسلطته؟!
ام هي ( لعنة) أولئك الذين اجتزت رؤسهم على مقاصل كل هؤلاء من مناضلي الوطن الذين قوبلت مواقفهم الوطنية وقناعتهم السياسية والفكرية بمقاصل كل هؤلاء الذين يصعب اعفائهم مما نحن عليه اليوم والوطن؟!
من يفتينا ويدلنا عن مصدر (اللعنة) التي أصابتنا والوطن؟!
اللعنة التي جعلت أطراف إقليمية ودولية تتوسط فيما بيننا لإطلاق أسري يمنيين يقبعون في زنازين يديرها يمنيين من أبناء جلدتهم؟ ويتوسطون لوقف الاحتراب بين أبناء الوطن الواحد، الذين انكروا بعضهم ويلعنوا بعضهم ويتربصون ببعضهم..؟!
مجرد تساؤلات تعكس حالة قهر ذاتي ورؤية تلبدت بغيوم الأحداث وبغبار اللحظة الوطنية التي لم يعد القبول بها ممكنا ولا الصمت عنها مقبولا بعد أن أشتد الخناق وضاقت النفوس والعقول واجدبت جراء الحالة التي نعيشها والوطن والشعب..!
4 يوليو 2024م |