ريمان برس - خاص -
قد لا يكون الاتفاق الإيراني _السعودي مفاجئا، فهذا الاتفاق كان متوقعا ومتوقع الوصول إليه بين البلدين، وكانت المسألة مسألة وقت، لأن البلدين وبحكم الكثير من العوامل والقواسم المشتركة التي تجمعهما تجبرهما على التوافق والتصالح وتوظيف علاقتهما لتحقيق أمن واستقرار المنطقة، وهذه مسؤلية تقع على عاتق البلدين بحكم أدوارهما المحورية وبحكم قدرات ونفوذ الدولتين التي بتوافقهما تستقر المنطقة وبخلافاتهما تزداد أزمات المنطقة وهذا لا يخدم تطلعات وطموحات البلدين اللتان تعملان بوتيرة عالية للالتحاق بركب التقدم والتطور وتحسين ضروف مواطنيها وتحقيق معدلات تنموية تخدم أهداف وتطلعات شعوبهما..
لكن المفاجئة أن هذا الاتفاق جاء برعاية (جمهورية الصين الشعبية) وبرعاية ومتابعة من الرئيس الصيني (شي بينغ) الذي أشرف بصورة شخصية على هذا الاتفاق وكانت زيارته للرياض العاصمة السعودية قبل فترة قد تطرقت لهذا الأمر وأسفرت مساعي الرئيس الصيني وتواصله مع قيادة البلدين إلى لقاء (بكين) الذي تم توقيع الاتفاق فيها مؤخرا بين كل من مستشار الأمن القومي الإيراني ومستشار الأمن القومي السعودي، وبعد مفاوضات مكوكية شهدتها العاصمة العراقية بغداد والعاصمة العمانية مسقط، لتسفر هذه اللقاءات عن اتفاق (بكين) وهو الاتفاق الذي أغلق ملفات الماضي بين البلدين وركز على تعامل الدولتين في صياغة علاقتهما في الحاضر والمستقبل، وهي العلاقة التي من شأنها أن تعزز أمن واستقرار المنطقة والاسهام الفعال في الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين..
ما سربته وكالة (شينخوا الصينية) من مفردات متصلة بمضمون الاتفاق المبرم بين الدولتين يوحي بأن صفحة جديدة فعلا فتحت في علاقتهما وبرعاية صينية وهناء تكمن المفاجئة التي تعبر عن دخول الصين وبكل ثقلها في قضايا وهموم المنطقة في نطاق تمددها الجيوسياسي وهو تمدد سلس يرتكز ويقوم على مساعدة الدول في تجاوز خلافاتها، وان كان هناك من يشعل أزمة الخلاف الإيراني _السعودي، فإن الصين استطاعت بأدوات اطفائها أن تطفي الحريق المشتعل بين البلدين وردم الفجوة القائمة بينهما ومد جسور التواصل والاتصال بين طهران والرياض والذي سيلقي بظلاله على عواصم المنطقة من صنعاء إلى بيروت ودمشق وبغداد والمنامة وسيمتد الأثر إلى القضية الفلسطينية التي سينالها من هذا الاتفاق حيزا يعطيها قدرا من الاهتمام الكفيل بإلزام الاحتلال بوقف عربدته بحق شعبنا العربي الفلسطيني.. الأمر ذاته سينعكس على المشهد اليمني والمشهد اللبناني والعلاقة مع سورية والوضع في العراق.
أن الدور الذي أخذت به الصين يشير إلى بداية مرحلة جديدة ستعيشها المنطقة، في تأكيد على أن مرحلة العالم متعدد الأقطاب قد بدأت رغم أن مدافع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لم تخفت بعد، غير أن الصين كما يبدوا حسمت أمرها وأخذت تمارس نفوذها الناعم في المنطقة، والذي لم يكن وليد اللحظة بل هو حصيلة سنوات من العلاقات التي ربطت (بكين) بدول المنطقة دون إستثناء.
أن إقدام الصين على مثل هذه الخطوة قطعا لم يكن بمعزل عن علم أمريكا والغرب (حلفاء الرياض) و( خصوم طهران) بل حدث ما حدث بعلمهم وبموافقتهم بعد أن وصل الغرب وأمريكا إلى( زاوية محرجة) يعجزوا فيها عن مواصلة ممارسة نفوذ غير مجدي لعوامل متعددة أبرزها الوضع الأوكراني والتداعيات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تعيشها هذه الدول.
بمعنى أكثر توضيحا اقول إننا غادرنا (مربع الأمركة) و ولجنا إلى مربع (الصيننة) وهو المربع الأكثر نقاءا بما يحمل من هواء شرقي يجعل التنفس أكثر سلاسة وإمكانية..؟! |