الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
السبت, 29-ديسمبر-2018
ريمان برس -خاص -


   تعب الناس يرونهم أخطاءهم التي تسيء إلى جهدهم وتنقص من قيمته بل قد تضيعه، دون جدوى، إنهم مصرون على السياسة العنكبوتية في إدارة المركز، فالعنكبوت تنسج بيتها بصورة تبدو للناظر دقيقة وجميلة لكن ما أن تدنو منه حتى تجده مهلهل التركيب، لا تكاد تمد إليه يدك حتى يتهاوى، ذلك صنيع مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر القابع عند المدخل الشرقي لمدينة المكلا في قلعة حصينة محكمة الإغلاق، لا تستطيع ولوج بابها ولقاء أصحابها إلا بتطروبة عالية، تخرجك عن اتزانك وتفقدك وقارك، وتجعلك فرجة للمارة، أو بأن تتربص ببعض المتمركزين فيها وهو يدخل البوابة خلسة فتدخل معه قبل أن يعيد إحكام الإغلاق، أو أن تحاول فتحها بأحد الأرقام السرية لجوالات من يتحصن بداخلها لتتعارك مع شبكة اتصالات هي الأخرى عنكبوتية التغطية.

   أربع سنوات هو عمر هذا المركز حصيلتها عدد من الإصدارات من كتب ومجلات، وجملة فعاليات من مؤتمرات وندوات ومحاضرات، من يسمع بها أو من يراها عن بعد يسبح الله الرحمن، ويشعر أن العاملين عليها يمشون على هدى وأمان، وهي في حقيقتها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، بل ينقلب إليه بصره وهو حسير وفؤاده محسور على ما أنفق فيها، فكم عقدت من فعاليات في الأيام الخاليات، فإذا بها أسمار دون ثمار، فمحاضرات المركز الفجائية لا يعلمها إلا الراسخون في المعرفة الشخصية، ولا ينتظمها فكرة يتبناها أو رؤية يسعى لها المركز، إنما بحسب من يرتكز أمامهم فتأتي حينها فكرة إقامة محاضرة على شرف ذلك المرتكز يتبناها المركز على عجل كيفما اتفق.

   أما المجلة فهي تخرج للناس في حلة فاخرة، وبموضوعات زاخرة، لا يخلو كثير منها من تكرار، وسوء اختيار، وأخطاء في الإملاء، ثم تتكدس في خزائن المركز، وتتركز في دواليبه، لتتلوها عناكيبه، فهي لا تصل إلى من كتب فيها بله من يحتاج لقراءتها، فتوزيعها لا يحظى بعناية هؤلاء المتمركزين، ليس سوى إهداءات لبعض الطائفين بالمركز وكأنها شوكولاتة ذات غلاف براق، فهي مجلة للزينة غير مقروءة ولا حتى مسموع عنها، تطبع لمجرد أن يقال للمركز مجلة، ثم لا يطلع عليها إلا قلة.

   وكم صدرت من كتب عن المركز انتقلت من الصف إلى الرف، فلا صدى لها في عالم النخب والمثقفين، وإنما علاها الصدأ في خزائن المترفين، فلا خطة ظاهرة أو رؤية تدل عليها اختياراتهم لما يطبعونه، سوى مزاج من يطلقون عليه اللجنة العلمية، التي نراها منقوصة في عددها وإعدادها، ومحدودة في سقفها وأفقها، وتفتقد للعمق والإبداع واستشراف الجديد، فبعض ما أقرته من كتب منقوص في مادته العلمية، أو مكرر في موضوعه ومجاله، أو يندرج ضمن المجاملات الشخصية، فضلا عن أن منها ما كان ستره خير من نشره؛ إذ اعتراه القصور في مادته العلمية وصياغته اللغوية وحتى تنسيقه الطباعي، فكانت طباعته ما لها داعي.

   ولهم تجربة مريرة مع أحد كبار الباحثين عاش حياته في هدوء في محراب علمه وبحثه، حتى أوقعه الدهر بين حراب المتمركزين فأخذوا كتابًا له ليطبعوه، فنسقوه في عجل ولم يراجعوه، وجعلوا لغلافه رسومًا من يراها يظنه كتابًا عن حكايات السندباد، فلما خرج للناس إذا به يجرح الأكباد، فقد اجتاحت صفحاته أسراب من الأخطاء الطباعية والإملائية، مع أن مادته شعرية والشعر حساس لأدنى خطأ، مع عدم المراجعة مع المؤلف لبعض نواقص ظاهرة في مادته العلمية، الأمر الذي أفقد المؤلف هدوءه وشعر أنه منكوب في كتابه المتعوب، ثم لم يكتفوا بذلك فسلطوا عليه مقالات أربع تترى في مجلتهم الفصلية، أي سنة كاملة والمسكين يتلسوع، وصورته تتصدر المقالات دون أن يصدروها بكلمات تعلن مسئوليتهم أو مشاركتهم المسئولية لما جرى بالكتاب الذي يعد من أولى إصدارات المركز، انعدمت الذائقة بصورة فائقة.

   أما مؤتمرات المركز الحولية، فقد بدأت بداية قوية ودولية، أو هكذا زعم المركزيون، ثم صارت لا حول لها ولا قوة، انكفأت بسبب علاقات المركز المحدودة، وضعف مردودة، فوجوه المؤتمرين تتكرر، ومشاركاته تتقهقر، وقد فاجأ الناس في مؤتمره الأول بالبدء رأسًا من القرن السادس، وطوى خمس سنين قبله كطي السجل للكتب، دلالة على قصور اللجنة المنظمة وضيق نفسها البحثي، فهي تكرس ما هو معهود، وتجتر ما هو موجود، تقيس الحياة العلمية بحضرموت بضآلة ما عندها، وكل وعاء بما فيه ينضح، وجاء المؤتمر الثاني ليفرد القرن العاشر إشعارًا بغناه، فلم نر أوراقًا تملأ نواحيه وتغطي حواشيه، وبعضها غلب عليها التكرار والاجترار، فأتى مؤتمرًا هزيلا لا يمثل عظمة القرن العاشر، دلالة على سوء التحضير وقلة التقدير وضعف الترويج.

   في هذين المؤتمرين شهد الناس أسوأ تنظيم لأعمال مؤتمرية في تاريخ المؤتمرات عبر العصور، ومن مظاهر ذلك أنه لا توزيع لأوراق البحوث ولا ملخصاتها، بل على الحضور الكرام أن يرهفوا أسماعهم، ويدونوا ملاحظاتهم، أو يشحذوا ذواكرهم إن لم يكن لديهم ورق للكتابة، وربما كانت هذه ناحية إيجابية فطن لها المتمركزون في المركز ولجنتهم العلمية المركوزة، ويمكن أن تعمم على مؤتمرات العالم العربي، وستعد بذلك تجربة حضرمية اقتصادية رائدة، ومظهر آخر أنه لا تقيد أو التزام بوقت المتحدثين، بل كل متحدث بحسب شطارته في مخاتلة رئيس الجلسة الصامت صموت أبو الهول حتى ينتاب الحضور أهوال من الملل والسأم والكآبة، وربما الغثيان وغشيان النعاس دون نكير من ممثلي المركز الحاضرين.

   وهذا بدوره يؤدي بالضرورة إلى ضياع الوقت، فلا يكون هناك زمن كاف للمداخلات وللمناقشات الإثرائية التي تمثل العمود الفقري في المؤتمرات العلمية الجادة حتى لا تصبح مجرد سوق لعرض البضائع في بلاد المفلسين، فإذا حان دور النقاشات فإن المناقش يقوم وهو يشعر أن لعنات بقايا الحضور تطارده؛ لأن بلغم السآمة قد بلغ الحناجر، ويرى أبصارهم شاخصة ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الجوع، وهنا تصبح الفرصة مواتية لفض النقاش فينبري أحد المراكزة فيغري الحضور بالطست الجاهز الذي سيثري بطونهم، ويمسح عنهم سخام الاكتئاب بما لذ وطاب وبارد الشراب، وبذلك ينتهي المؤتمر الحولي نهاية سعيدة كما بدأ بداية سعيدة بوجبة الفطور الجماعية، ولا ننكر أن هاتين الفقرتين هما أفضل ما في مؤتمر مركز الدراسات والتوثيق والنشر من حيث التنظيم والإثراء.

   لن ننسى شيئًا جميلا فعله جماعة المركز في جمعهم لطائفة من الوثائق وتصويرها وحفظها، بذلت فيها جهود مشكورة في البحث والعمل، ولاسيما من الباحث الشاب الظريف عادل باعكيم، الذي جمع بين حفاوة البذل وحلاوة الهزل، ومثله جمع وتصوير بعض ما نالته أيديهم من المجلات القديمة الصادرة بالمكلا، فهم في التوثيق أشد وثوقًا، وأثبت سوقًا، دون الدراسات والنشر الذين يجعلونه مقتصرًا في غير المجلة على المادة التاريخية، إلا إذا صادف كتاب ما هوى لدى اللجنة العلمية أقروه بزلاته وطبعوه على علاته، ومن أجل عين تكرم الطباعة، وكلا يعمل وفق طباعه.

   وفق الله مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر في مؤتمره الحولي الثالث، ووقاهم في جلساته من الزلل والحول، وسدد سبيل لجنتهم العلمية، ولا جعلها عن سوءاتها عمية، وندعو الحضور إلى ضبط النفس والتحلي بالصبر الجميل، وترك القال والقيل، وندعو لهم بحسن الرواق عند تلاوة الأوراق، راجين لهم أن يتمتعوا بوجبات علمية ثرية، فإن لم تكن فالعوض بوجبات طعمية مرية.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)