ريمان برس - متابعات - من المقرر ذهاب المشترك إلى الحوار الوطني الشامل، لحاجةٍ وطنية ماسة أكثر منه التزاماً بنصح خارجي من أصدقاء اليمن ممن يعون أهمية الجمهورية اليمنية، موقعاً وتاريخاً وسياسةً ومصلحةً.. والتي لا يجهلها بطبيعة الحال أبناء اليمن بمختلف أطيافهم ومشاربهم وتوجهاتهم.
بل إن أبناء اليمن –الآن وأكثر من أي وقت مضى- يؤمنون بأن "الحوار المُنْتَظَر" سبيل شراكة وطنية جادة في تطوير وطنهم، استدعاءً لمستقبل بلدٍ عاش أسير ماضٍ لم يذهب، كما يقوّمه بعض العارفين بتاريخ اليمن!
وذلك لأن الحوار فضيلة تقوى على رذائل العنف ولعلعة الرصاص ورفض الآخر.
ونفضل الحوار إحياءً لفضيلة أخرى هي التعايش، متى أُقِر بوجود الجميع تحت سماء أرض واحدة يحق لهم معاً أن يحيوا فيها كافة شركاء تَنَسُّمِ هواء يجدد حياتهم ويبعث آمالهم، وارتياد نبع يطفئ ظمأهم ويبرئ آلامهم.
وأنهم على هذه الأرض، إذا اختلفوا حول كثير من القضايا، لا ينبغي لهم تجاهل الاتفاق على أن ما يجمع أكثر بكثير بل وأكبر مما يفرق. وأهمه: رغبة الحياة معاً تحت ظل وطن واحد ليس الانتماء إليه بـ"الهوية" اسماً وورقاً من شروط الوطنية، وإنما بالانتماء إليه فعلاً بـ"الهوى" الصادق الذي يرقى ببني الوطن إلى مستوى المسئولية ويتقدم بقدراتهم صوب البناء لا الإفناء.
وليس يعبر عن صدق الهوى الوطني غير براعة الحوار الذي يكشف خبايا الوطنية الحقة بما يتوفر من حجة لا تلغي حق أحد في إبداء رأيه وإعلان موقفه، وإنما تضع الأمور في نصابها ومواضعها الصحيحة بمنطق يميز بين "رذيلة الجدل العقيم (الخنّاق)"، وبين "فضيلة الحوار السليم (الخلاق)"، باعتبار الأخيرة وسيلة وأداة سريعة من أدوات ووسائل الذهاب إلى المستقبل، نبذاً لأدوات ووسائل التقيد بالماضي كالعنف ورفض الآخر أياً كان رأيه ورؤيته وموقفه.
ومن أجل ذلك.
ذهبت جامعة المستقبل ومؤسسة اليمن للثقافة والتنمية السياسية برعاية كريمة من مستشار رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام د.عبدالكريم الإرياني ورعاة كرام من مؤسسات وهيئات رسمية وخاصة إلى عقد ندوة "الحوار الوطني: أهميته، مرجعياته ومحاوره" على مدى يومي الأربعاء والخميس الموافقين 28 – 29 نوفمبر 2012م بمشاركة متميزة من باحثين أكاديميين يمنيين وخبراء عرب وأوروبيين ودبلوماسيين دوليين، ومن المقرر استيعاب تلكم المشاركات جميعاً بين دفتي كتاب، نظراً لما أكدته من ضرورة لاستمرار نهج –وأيضاً- فضيلة "التوافق" بمستوياته المحلية والإقليمية والدولية.
وبالنظر إلى ما اختلفت وتميزت فيه لغة كل ورقة عن الأخرى –غالباً- ومنهج كل تعقيب عن الموضوع –أحياناً- فيكون من المفيد تعميماً للفائدة توثيق اجتهادات مفيدة في تناول قضايا أساسية ومحاور أو مشاكل رئيسية ما تزال شاغلة للذهن العام.
علماً بأن تلك الأوراق عن "فضيلة الحوار"، وقد تجلى بعضها في شرح مقتدر لمرجعياته، وطرح موضوعي لأهميته، وفتح واعٍ لمحاوره، مع دفاع جذاب عن رعاته ووسطائه برغم كل التناقضات الماضوية والحاضرة بين المدافِع والمدافَع عنه (...)، فإنها وقد بُسطت بكل مزاياها وما قلّ من قصورها أو اقتصارها على مكون دون غيره، لا تضع إطاراً أو تصنع قالباً ملزماً لأي المقبلين على الحوار المرتقب أو "مؤتمر الحوار المُنْتَظَر"، لاسيما وندوة واحدة لا تكفي لتهيئة الحوار، قدر ما شرعت بطريقة علمية حواراً أولياً حول جوانب من تلك القضايا "ذات البعد الوطني" وكيفية نظر جزء من مكونات الفعل السياسي اليمني إليها من موقعي: الحياد والانحياز.
والرأي والقرار –أخيراً- حول أي قضية بمجمل تفاصيلها ومآلاتها بيد المتحاورين أو الأطراف المعنية بالحوار متى التقوا ليتفقوا ويتقاربوا، لا ليتفتتوا ويتباعدوا!
وإن ختم هذه المادة فبالإشارة إلى أن أمل كل المواطنين والمراقبين، جد كبير في تحقيق التقارب الوطني بإجراء وإرساء فضيلة الحوار، ثم إنجاحه وإشاعته فعلاً خلاقاً، لا قولاً خلاباً.
والدعاء لله أن يكون المتحاورون، جميعاً، دونما إقصاء أو استثناء، في مستوى الأمل الوطني العارم لينقلبوا معاً على رذائل الماضي، وينتصروا لفضائل المستقبل وأولاها وأقواها: الحوار.
لتنفتح وتتسع أبواب وآفاق التعايش ثم الشراكة في بناء اليمن الجديد حقاً.. فهذا الذي نرجوه حقاً.
وحقاً وصدقاً لا وطن لليمنيين إلا اليمن من شواطئ المهرة أو "من حضرموت إلى مشارف ميدي.
فإلى فضيلة الحوار الوطني الشامل من أجل اليمن.
صنعاء - أواخر ديسمبر 2012م
*صحيفة اليمن اليوم |