ريمان برس - متابعات -
الطريق المؤدية إلى مسجدها تمر عبر سوق ضيق يمنحك شعوراً من أول وهلة بأنك في حضرة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي التي آل إليها أمر الدولة الصليحية وحكمت اليمن أربعين عاماً خلال الفترة من 479 إلى 532 هـجرية ،الموافقة 1085-1138ميلادية . وعرف خلالها ازهى فتراته المعمارية والزراعية والعلمية كما تدل على ذلك الكثير من الآثار الماثلة من عهد هذه السيدة التي لقبت بالملكة بلقيس الصغرى .
ومن المعالم الدالة على عهدها الزاهي، هو جامع السيدة أروى في مدينة جبلة "7 كم غرب مدينة إب " وسط اليمن و يضم بين جنباته ضريحها والجامع هو واحد من بين خمسين مسجداً ، ثلاثون منها للرجال وعشرون للنساء ويقع فوق تل مطل على مدينة جبلة الخصيبة والمخضرة ، والجامع مستطيل الشكل بفناء "صحن" مكشوف تبلغ مساحته حوالي 350 متراً مربعاً ,وتحيط به أربعة أروقة مظللة ,وله مئذنتان يعود أقدمها من الجهة الغربية ،كما يقول قيم الجامع إلى تسعمائة سنة. أما المئذنة الشرقية فعمرها ثلاثمائة سنة ، وتشي نقوش المحراب وسقف المسجد بالتأثير الواضح للطراز المعماري الفاطمي في مصر نتيجة للترابط السياسي والدعوي .فالخليفة الفاطمي كان قد فوضها أمور الدولة والدعوة في الهند واليمن وعمان .
وتحيط بمحراب الجامع الزخارف والزينة بعضها منمنمات والأخرى نباتية كأوراق العنب والدراق وكتب على جانب المحراب "بسم الله الرحمن الرحيم إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" وأخرى : "بسم الله الرحمن الرحيم فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين".
وما يميز الجامع أنه لم يكن مكانا للتعبد والصلاة فحسب بل وللعلم والتربية أيضا ،فقد عملت السيدة التي عرف عهدها بالتسامح المذهبي على توفير مساكن للعلماء والطلاب وخصصت لهم نفقات الإقامة والمأكل والمشرب ودفعت رواتب الفقهاء والعلماء والمدرسين وحوافز مادية أيضاً للمتعلمين .
وشكلت حلقات العلم في المسجد ثلاثين غرفة ملحقة في الدور العلوي والمحيط به خصصت لاستقبال الدارسين من كل أنحاء اليمن ،وهو ما أكسب المدينة شهرة في تدريس العلوم وآداب اللغة والفقه والحديث، ولا تزال حتى يومنا هذا، وفي إحدى تلك الغرف توجد المسبحة الشهيرة للسيدة التي يبلغ عدد حباتها ألف حبة وحبة منحوتة من شجر جوز الهند ،وعادة ما يجتمع أهالي جبلة في حلقات تسبيح جماعية بهذه المسبحة الشهيرة.
وكانت السيدة أول من اهتم بتعليم الفتاة وجل أمهات الكتب نسخت بأيدي فتيات المدينة، وبعض تلك الكتب لا تزال موجودة حتى يومنا هذا .ومكتبة عامرة تضم امهات الكتب وفيها نقوش ومنمنمات فريدة وآيات قرآنية و مأثورات منها ما نحت على الخشب أو الجبس والرخام .وقد أوصلت إليه الماء من جبل التعكر ولا يزال حتى يومنا هذا يروي المدينة كلها ويزود المسجد بماء طهور. ويبقى جامع السيدة أروى بآثاره يدلل على حقبة ثرية ومهمة في تاريخ اليمن شاهدا على عهد مضى، وحضارة سادت ونعمة عمت أهلها.
عن صحيفة "البيان"