ريمان برس -
صدر قبل فترة " كتاب" تحت عنوان "أنظمة التفاهة" "لكاتب كندي"، تحدث فيه عن دور الشركات العملاقة، في السيطرة على العالم وقيادته وتنصيب أنظمة من رموز "التفاهة" آلمجردين من القيم الوطنية والأخلاقيات الإنسانية، الخانعين لسيطرة الشركات والعاملين تحت إدارتها على حساب أوطانهم وشعوبهم.. الكاتب أو مؤلف الكتاب عبر عن رؤيته بناء على قناعته، وما يعيشه المجتمع الغربي ونخبه الحاكمة وطبقاته السياسية، مجسدا في كتابه "تفاهة عالم اليوم وأنظمته" التي تقيم القيامة لموت حيوان في غابة، ولكنها لا تكترث بموت شعب بكاملها على يد مجرمي هذا الزمن..؟!
لكن _الكاتب _ لم يعيش قطعا في واقعنا العربي _الإسلامي، ولم يعرف _ أكيد _ ما تعيشه دولة مثل _اليمن _التي لا يعرفها_ الكاتب_ حتى على الخريطة..؟!
هنا حيث "التفاهة" ثقافة نتثقف بها ونثقف بها الأجيال ونحقن بها عقولهم، كي تبقى ديمومة وسرمدية هذه الثقافة عنوانا لهوية شعب قدره أن يتوارث ثقافة " التفاهة" محمية بروزنامة من الشوائب السلبية، التي معها تصبح "التفاهة" حالة حضارية مشرقة مقارنة بمنظومة الشوائب والظواهر الاجتماعية المكتسبة، والتي تستوطن وجدان وذاكرة شعب غارق في مستنقع الجهل والتخلف، شعب يعيد تجديد "عبوديته" مع كل تحول حضاري، يتوصل إليه " بالصدفة " بفضل تفاعل التاريخ وليس بفعل نخبه الفاعلة في المجتمع أو نخبه الحاكمة، التي تعيش في" مستنقع آسن" بالفساد والجهل والتخلف، نخب مجبولة بكل القيم الانتهازية، مصابة بمرض " السيكوباتية" وتعاني من عقدة الشعور بالنقص، وتحاول تعويض نواقصها باستعباد الشعب الذي بدوره مؤهل ولديه القابلية في البقاء في اسطبلات العبودية، لرموز صنمية، حولها الجهل وغياب الحرية والهوية الوطنية لدى المجتمع إلى " انصاف ألهة" أنقسم خلفها المجتمع وقسم نفسه إلى مجاميع لتكون بمثابة " عبيدا "لهذه الرموز، التي بدورها لا تختلف عن اتباعها أو بالأصح " عبيدها" لأنها هي الأخرى تدين ب"العبودية" لأطراف أخرى إقليمية أو دولية..؟!
أن " التفاهة" إذا ليست حكرا على الأنظمة التي وصفها الكاتب الكندي، لكنها في بلاد اليمن هي هوية نخب وشعب..!
نعم هنا حيث السياسي والناشط، والمسئول أيا كانت درجة مسئوليته، والصحفي، والكاتب، والقاص، والقاضي، والاديب، والمثقف، والشيخ، وصاحب المكانة، ورجل المال والاعمال الطفيليين ، والمواطن الغلبان، كل هؤلاء دون إستثناء، يعيشون في" مستنقع التفاهة" وينظروا إليه باعتباره حالة حضارية متقدمة توصلوا إليها، بل وخاضوا فيما بينهم حروبا طاحنة ولايزالوا، من أجل "تفاهة" يعيشونها، تفاهة تحكمهم وتتحكم بخياراتهم، وتعنون سلوكهم، وتشكل قناعتهم في التعاطي مع الحاضر وتداعياته، وبها يتسلحون لمواجهة المستقبل ومتطلباته..؟!
من يقدر يقول إننا لسنا كذلك في بلاد تخيم عليه "التفاهة"، التي تراها حيثما تولي وجهك، من" شاشة التلفاز" إلى" ذبذبات أجهزة الاستماع " الراديو" إلى صفحات الصحف، إلى اعلانات الشوارع، إلى منظر الناس واهتماماتهم، إلى معارك طاحنة تخاض على" شبكات التواصل الاجتماعي"، التي تعنونها مفردات الشتم والردح، واللعن، واللعن الأخر، وكل ذلك لا علاقة له لا بدين ولا بوطن ولا بهوية وطنية، بل دفاعا عن "التافهين " وهو فعل لا يقوم به إلا التفاهيين .؟!
وما أصعب أن تجد "تافهين" يدافعون عن "تافهين"..؟!
ويتعصبون "لتافهين"، بل ونجد من يفقدون حياتهم دفاعا عن "التافهين" ومن أجل حياة "التافهين"..؟!
ثمة ايام وليالٍ مرت عليا، وأنا في حالة تأمل ذاتي بمقدار الوعي الذي اكتسبه، بفعل تداعيات الأحداث ومساراتها، وما آلت إليه، فكانت النتيجة أني اقتنعت دون أدنى شك إننا نعيش ليس في" أنظمة التفاهة" بل في مستنقع التفاهة الآسن، الذي لا تطهرنا من رجسه حتى مياه المحيطات..؟!
هنا حيث نعيش حياة " العبودية" بارقي مراحلها، وياليت وكنا كما كان أجدادنا وابائنا "عبيدا" للأرض والوطن، وان كان هذا الوطن مجرد حلم يراود مخيلتنا ويستوطن وجداننا وتجاويف عقولنا، لكنا أصبحنا للأسف "عبيدا" " لعبيد" من أمثالنا، وليس هناك اسوي من يصبح الإنسان "عبدا" لإنسان اخر، والأكثر سواً أن تجد "العبد" هنا غالبا ارفع مكانة، ومنزلة، وعلما، وحكمة، وثقافة، وانتماء، وهوية، من "سيده" أو ممن جعله قهرا ولي نعمته يأتمر بأوامره وينفذ تعليماته..؟!
أعرف أن هنا غالبية عظمى من أبناء الشعب أصبحوا "عبيدا للقمة العيش"، بعد أن أصبحت سلاحا بيد " التافهين" الذين اجبروا كل حر أن يسبح في مستنقعهم الآسن نظير حصوله على رغيف خبز مغمس بالذل ..!!
نعم ليس "نتنياهو" وكيانه وزمرته وحدهم من أتخذوا من لقمة العيش سلاحا، لإبادة أطفال ونساء " غزة وفلسطين" ، وأن كان هناك" عدو "يساوم شعب على حريته وحقه في وطنه، ويريد تطفيشهم أو تطويعهم، وربما لو قبلوا منطقه لعاشوا أكثر حرية وكرامة، لكنا نختلف عنهم، فنحن "عبيدا" في وطننا ونتجرع" التفاهة" ونجبر على الخضوع لمبادئها، من أجل "رغيف خبز مغمس بالذل" ، ومن يفرض علينا هذا، هم " زمرة لصوص، وفاسدين، وحرامية، تافهين" يفرضون علينا عبوديتهم من أجل ديمومة تفاهتهم..؟!
ولكن الي متي..؟!
هذا هو السؤال الذي ليس له جواب اطلاقا، لأن " ثقافة التفاهة "هي الطاغية في الوعي الجمعي، لذا ينطبق علينا قوله تعالى" هل أدلكم على الأخسرين أعمالًا" إلى أخر الأية التي يبدو وكأنها تعني هذا الشعب الذي قال اسلافه "ربنا باعد بين أسفارنا" وقال سبحانه وتعالى عنا "أتبعوا كل جبار عنيد"..!
حقا من الصعوبة بمكان أن تسعد شعب يتلذذ بتعاسته، ويعتبرها إرادة من " الله" سبحانه وتعالى، الذي لا يقبل بالظلم، وهو سبحانه حرم الظلم على نفسه، وخلق عباده احرارا، وارسل إليهم دين الحرية والكرامة، مع نبي الحرية والكرامة والمساواة صلوات الله وسلامه عليه، لكن هناك من صادر كل هذه القيم الربانية، وحرف رسالة المصطفى، وجعل من نفسه وكيل الله على عباده، ويكرهك قهرا وقسرا وعنوة وبالحديد والنار، على إتباعه وتمجيده والولاء له، مع أن سبحانه وتعالى قال " لا إكراه في الدين" فإذا كان الله يقول لا إكراه في الدين، فهل يجوز بعد ذلك الإكراه في موالاة البشر .؟!
صنعاء : ذات مكان وذات لحظة من " تفاهة مركبة"؟ |