ريمان برس - خاص -
منذ أنتصاب مشانق سجن ( عكا) مبتدئية بالبطل (محمد جمجوم) ورفاقه على يد الاستعمار البريطاني، وما تلاء تلك الواقعة من نضال عربي فلسطيني، نضال خاضه شعب الجبارين بلحمه وبدمه في مواجهة عتاولة المستعمرين بدءا بالاستعمار البريطاني ثم في مواجهة احد أخطر وأبشع أنواع الاستعمار الصهيوني الاستيطاني الاجتثاثي المدمر لكل شيء في فلسطين التاريخ والهوية والتراث الحضاري..
قرابة قرن من الزمن والشعب العربي في فلسطين يخوض معركته ضد المحتلين، يواجه أعدائه بقدرات ذاتية لا تتماهي مطلقا بقدرات وإمكانيات العدو، غير أن معركة _اليوم _التي يخوضها هذا الشعب العربي المسلم تختلف كليا عن كل معاركه السابقة، معركة اليوم يواجهها هذا الشعب بدمه ولحمه وبأمعاء خاوية، نعم يواجه الشعب العربي في فلسطين أحدث أسلحة الدمار الشامل التي يستخدمها العدو، بلحمه ودماء اطفاله ونسائه وشيوخه والعزل الذين يواجهون وحشية العدو ودعم كل أنظمة العالم له وصمت عربي إسلامي غير مسبوق، صمت خال حتى من الإدانات العربية _الإسلامية التي اعتدنا عليها واعتاد عليها الشعب الفلسطيني طيلة العقود الماضية من عمر قضيته..!
اليوم المعركة الدائرة في فلسطين ليست مجرد معركة عابرة كغيرها من المعارك التي خاضها هذا الشعب طيلة فترة نضاله الوطني، معركة اليوم هي معركة وجودية، معركة مصير، معركة الحق ضد الباطل، معركة وطن ضد محتل غاصب قدم من خلف المحيطات، معركة حملة ( المفاتيح) ضد مروجي الأساطير، هي معركة مصير وطن وأمة، وهي كذلك بالنسبة للعدو المحتل تمثل له معركة وجودية، لكنها بحسابات العدو لم تعد محصورة في فلسطين، بل ما يريده العدو يعكس حقيقة وهم وغطرسة هذا العدو الذي يريد إخضاع الوطن العربي وما حوله لمنطقه الاستعلائي ولرغبته الاستيطانية المسكونة برغبة _شيطانية _ تستوطنه يريد من خلالها أن يوسع إستيطانه وأن يجعل الوطن العربي كله فلسطين، إحتلال تحركه_ أساطير تلمودية" وأكاذيب لاهوتية" ومزاعم توراتية يسعى لتطبيقها على أرض الواقع بدءا من شعار (من النيل الي الفرات)، والسعي لإسقاط ( جغرافية التورات) على الجغرافية العربية وبسط النفوذ الصهيوني على كل نطاق مر عليه (يهودي) ذات يوم، وتهيئة النفوس لهدم الأقصى المبارك بذريعة ( بنا الهيكل)..؟!
معركة اليوم اذا تختلف عن سابقتها من المعارك التي خاضها شعبنا العربي الفلسطيني.
العدو بدوره يراها معركة وجودية ولهذا راح يمارس وحشية وهمجية إجرامية متحديا كل القوانين السماوية والأرضية، داعسا ب( احذيته الهمجية) القانون الدولي، ( مستهزيا وساخرا) بكل القيم والأخلاقيات وبكل العالم، معطيا نفسه أكثر بكثير مما اعطي (فرعون)و (النمرود) لنفسهما..؟!
وليس هناك أبشع من قول (نتنياهو) _سنهزمهم ولو كان الله معهم _..؟!
معركة يزعم فيها رئيس وزراء العدو انه (النبي يوشع) منقذ بني إسرائيل ذات يوم مؤغل في مواجهة ( العماليق)..؟!
ويرى أن ثمة إمكانية متاحة أمامه لتسويق اساطيره وفرض خياراته التي فشل في فرضها طيلة ثمانية عقود من الاحتلال..!
غير أن ثمة حقائق يحاول الاحتلال وقادته تجاهلها أو تغييبها، وهي _أولا _ليس لكيانه شرعية دينية ولا تاريخية وليست فلسطين هي أرض الميعاد، وأن وجوده كراس حربة في قلب الوطن العربي مهمته حراسة المصالح الغربية والسيطرة على الوطن العربي والحيلولة دون وحدته أو قيام دولة قوية فيه تضر بمصالح أمريكا والدول الغربية، فالوطن العربي الى جانب انه مصدر لكل المؤاد المشغلة لعجلة المصانع الأمريكية _الغربية، هو أيضا يقع في أهم نقطة جغرافية تتحكم بالطرق البحرية وطرق التجارة الدولية، ناهيكم انه مصدر الإشعاع الديني والحضاري وهذه المقومات تجعله في حالة تركه بعيدا عن سيطرتهم يتحول إلى قوة فاعلة يعجز الغرب وأمريكا عن مواجهته..
لذلك شاهدنا كيف هرول الغرب وأمريكا على أثر معركة (طوفان الأقصى)، هرولة لم تأتي رغبة في نصرة الكيان الصهيوني والدفاع عنه ، بل دفاعا عن مصالح الغرب وأمريكا بعد فشل الوكيل المكلف بذلك وهو العدو ..؟!
طوفان الأقصى لم تأتي عن طريق الصدفة، بل جاءات نتاج خيارات ومعطيات تشير إلى محاولة فرض أمر واقع أمريكي _غربي _يعزز الوجود الصهيوني ويفرض على أنظمة عربية متماهية مع رغبات أمريكا نمط لعلاقة جديدة تعطي (التطبيع) بعدا دينيا تحت يافطة (الاتفاق الإبراهيمي) الذي دشنته الإمارات والبحرين، وفي الطريق كانت السعودية وبقية الدول العربية، ويعزر هذا الاتفاق (مشروع قطار الهند _حيفا) الذي سيقطع الطريق على مشروع الطريق الصيني في سياق حرب جيوسياسية قطبية سعت واشنطن والغرب أن تاخذ الوطن العربية ليكون فيها درعا جيوسياسية لمواجهة روسيا والصين..؟!
طوفان الأقصى احبطت هذا المخطط الذي كان على وشك الميلاد، فجأ الطوفان قاتلا لمشروع أمريكا واحلام الصهاينة، فكان هذا التوحش الذي نشاهده وهذا الدعم الذي تقدمه واشنطن والغرب وهذا الصمت العربي المريب الذي يعكس حقيقة المؤامرة التي كانت تطبخ ضد القضية وفلسطين وحقوقها وضد الوجود العربي برمته..؟!
بيد أن من يستوعب حجم الهزيمة الأمريكية _الغربية _الصهيونية، وحجم خيبة الأمل التي أصابت دول في المنطقة حليفة لهذا الثالوث، جراء تفجر معركة الطوفان في أكتوبر من عام 2023م قد لا يتفاجأ من ردود الأفعال تجاه مجازر الصهاينة بحق قطاع غزة والشعب العربي في فلسطين بكاملها، رد الفعل الصهيوني _الأمريكي _الغربي، الذي اخفق لأكثر من عام في رد اعتبار الكيان عما حصل في السابع من أكتوبر، وفشل العدو في تحقيق بنك أهدافه التي أعلنها حين شن عدوانه، دفعه لتوسيع دائرة الصراع والمواجهة فاتجه نحو لبنان فيما أمريكا اتجهت نحو اليمن متذرعة بحماية الملاحة الدولية، خلال سير المواجهة حصلت تداعيات أدت إلى اغتيال قادة حزب الله وعلى رأسهم امين عام الحزب السيد الشهيد حسن نصر الله، الذي أحدث اغتياله صدمة في الوعي الجمعي العربي والإسلامي والدولي، فيما كانت المواجهة مع إيران تبدو حتمية لكن من يتحكم بمسار الأحداث عمل على ( تنفيس) الاحتقان حتى لا يحدث الانفجار الكبير الذي قد لا يبقى ولا يذر، تمثل في ضربات متبادلة بين العدو وإيران، ثم تدمير الضاحية واغتيال أمينها العام ( بثمانين طن) من المتفجرات، وحدث هذا بتفاهم كل ( أطراف اللعبة الجيوسياسية) على أمل إرضاء العدو الصهيوني الذي خذل رعاته وتجاوز نطاق التفاهم، فكانت سوريا بديلا عن أوكرانيا من ناحية بالنسبة ل( موسكو) فيما هي كذلك بالنسبة لانظمة الخليج التي رأت أن التخلص من حزب الله ليس كافيا أمام ما قدمته من خدمات فكان ما أرادت وسلمت موسكو سوريا لأمريكا وحلفائها في تركيا ودول الخليج مقابل أن تكف كل الأطراف بصرها عن إيران التي تكفلت موسكو بجلبها لطاولة الحوار الندى مع واشنطن والغرب وبرعاية صينية الي جانب روسيا في تفاهم جيوسياسي مثير ومعقد ومركب، تفاهم اخرجته حكومة نتنياهو عن سياقه الافتراضي المرسوم مسبقا فادي ذلك إلى تعقيدات في مفاوضات طهران _واشنطن ولكنها تعقيدات مرحلية تندرج في نطاق إبتزاز تفاوضي برزا من رحم الأحداث والمصدر الموقف اليمني الذي زاد من وتيرة الأزمة، إضافة إلى فشل النخبة الحاكمة في دمشق من أحكام السيطرة حسب رغبة الحلفاء في تركيا والخليج، أيضا تصرفات إدارة ترمب عوامل أوجدت حالة توحش صهيوني واسناد إمريكي وصمت عربي مجبول بحالة ارتباك وخوف من تداعيات القادم وخاصة القادم من اليمن من ناحية ومن الجغرافية السورية المهددة بالتقسيم الذي لا ترغب به الأطراف الراعية لنظام دمشق الجديد فيما ترغب حكومة نتنياهو به تعويضا عن هزيمة وجودية تعيشها..؟!
تداعيات المنتصر والمستفيد فيها هو الشعب العربي في فلسطين رغم حجم التضحيات التي قدمها والدمار الذي تعرض له القطاع، بمعزل عن رؤية بعض العرب وسلطة رام الله فإن فلسطين لأول مرة تكسب المعركة التي جعلتها رقما صعبا رغم هذرمة ترمب وأماني نتنياهو واحلام بعض المرتهنين العرب..؟!
ثمة أمر اخر اربك المشهد المثير والمعقد بتداعياته، بعد سقوط النظام في دمشق والتزام حزب الله إجباريا بخيارات الداخل وقرار 1701 السيف الذي تم تسليطه على رقبة الحزب، وإنكفاء إيران حول طاولات المفاوضات في اتجاهين مفاوضات إيرانية _أوروبية، ومفاوضات إيرانية _أمريكية، بواسطة عمانية وبرعاية من خلف الستار روسية _صينية، وهذا الأمر هو موقف صنعاء الذي كان خارج حسابات أطراف الصفقات، موقف القى بظلاله على كل المسارات والتداعيات وهذا فعل يزيد من تعقيدات الرغبات المتعددة لأطراف الفعل داخل المنطقة وخارجها.. وهذا ما سوف تكشف عنه تداعيات الأحداث القادمة. |