ريمان برس - خاص -
ندرك أهمية ثورة 23 يوليو في مصر وأنها فتحت أفاق التحرر العربي ودعمت حركات التحرر العربية والافريقية، غير أن أخطر ثورة كانت هي الثورة اليمنية التي أنطلقت فجر بوم 26 سبتمبر 1962م ولاتزل حتي اللحظة تخوض معترك أنتصارها الذي لم يكتمل.
نعم أن الثورة اليمنية تعد الثورة الأخطر في المنطقة بدليل رد الفعل الاستعماري الرجعي عليها، وهو رد فعل غير مسبوق ولم يحدث أن واجهته أي ثورة بأستثناء الثورة الفلسطينية التي لاتزل تخوض معركتها وتواجه مسلسلات التأمر من كل حدب وصوب.
أن المبالغ المهولة التي أنفقت لإسقاط الثورة اليمنية، ورد الفعل الامريكي الفرنسي البريطاني والغربي بشكل عام، ما كان ليكون بتلك الحماسة والوحشية لو لم تكون الثورة تشكل خطرا علي مصالح القوي الاستعمارية وعلي حلفائها في المنطقة، لذا كان الحماس الغربي الاستعماري، إضافة إلي رد الفعل المساند لهم من قبل قوي الرجعية العربية بقيادة السعودية وبجانبها إيران والاردن وحتي الكيان الصهيوني وقف مساندا وداعما لقوي الملكيين الذين كانو يوزعون ( صفائح معدنية ملئة بالذهب ) لشراء ذمم شيوخ القبائل ومن يمكن شرائهم من الرموز السياسية والاجتماعية في البلاد بهدف إسقاط الثورة والجمهورية، وفعلا تمكنت قوي الرجعية والاستعمار من حرف الثورة عن مسارها وإفراغها من قيمها ومشروعها الوطني وتحويلها إلي مجرد مسمي بعد التخلص من رموزها وقادتها الاحرار المؤمنين بها وبأهدافها ومشروعها، وأستبدالهم بأخرين كانت الثورة بنظرهم مجرد مكانة ومنصب ووجاهة أجتماعية، ممن كان من السهل تطويعهم وبرمجتهم حسب رغبة القوي المناهضة للثورة التي لم ترفع يدها عنها إلا بعد أن تأكدت من أزاحة المؤمنين بها بالقتل والتصفيات والتهجير والتشريد والاعتقالات، ولكي يتوهم الرأي العام بانتصار ثورته تم بالمقابل إزاحة رموز الملكية وأستبدالهم بوجوه ملكية من خارج أسرة حميد الدين،وكانت الوجوه الملكية الجديدة هي الأخطر، لأنها أستطاعت أن تصل بالثورة والوطن والشعب إلا ما هم فيه اليوم ، وبحسب الوثائق التاريخية فأن ما تم إنفاقه لاجهاض الثورة اليمنية كان ربعه فقط يكفي لجعل اليمن تصبح أجمل من سنغافورة اليوم في بضع سنين..؟!
ثمة تساؤل أخر قد يطرح والمتصل بالمخاطر التي شكلتها الثورة اليمنية؟ أو أين؟ وكيف؟ تكمن خطورتها،
والجواب ببساطة متصل أولا بالموقع الجغرافي لليمن وأهميته في سياق الصراع الجيوسياسي وفق معطيات هذا الصراع بعد خفوت مدافع الحرب الكونية الثانية التي قسمت العالم الي معسكرين راسمالي بزعامة أمريكا وأشتراكي بقيادة روسيا مع أن الثورة اليمنية لم تكن ميالة أو تابعة لايا من المعسكرين، بل كانت ذات نفس وهوية وطنية وقومية وإسلامية، وهويتها كانت وراء القلق الاستعماري _ الرجعي خاصة وأن داعمها الأول والأساسي هي مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر _رحمه الله _ وهذا بحد ذاته كان مصدر قلق القوي المعادية لها التي وضعتها رغبة وعنوة في قائمة العداء وسعت لاسقاطها بكل الوسائل حفاظا علي محيطها الجغرافي الخاضع للنفوذ الاستعماري وهو نطاق يشمل عمان والحزيرة والخليج بما في ذلك جنوب الوطن ويمتد حتي إيران ودول القرن الافريقي، ولذا أعتبرت القوي الاستعمارية الثورة اليمنية عند قيامها، بمثابة الزلزال الذي أن لم يتم تطويقه والحد من تأثيره فانه كفيل بتعريض المصالح الاستعمارية للخطر، وتهز كيانات موالية للاستعمار في المنطقة، لذا تم تغليف الحشد ضد الثورة اليمنية بغلاف ذات طابع ديني عنوانه مواجهة النفوذ الشيوعي والعلماني ؟!
وقد رفع هدا المفهوم وتم تغذيته في ذاكرة أبناء القبائل الذين ضحوا بأكثر من 200 ألف قتيل من أجل عودة الملكية ( المسلمة) وأسقاط الجمهورية ( الشيوعيةوالعلمانية والكافرة)، إضافة إلي ألاف المرتزقة الأجانب الذين تم تجنيدهم من قبل الغرب والرجعية بقيادة المرتزق الفرنسي ( بوب دينار) وضابط المخابرات الامريكية( كندي) وخبراء من ( الكيان الصهيوني)، وتم حشد كل هذه القدرات والامكانيات ضد الثورة اليمنية، بأسم الدفاع عن الدين والاسلام، فيما واقع الحال لم يكن كذلك بل كان الهدف هو التصدي للمشروع القومي الذي يمثله عبد الناصر بالمنطقة وهو المشروع الاخطر بنظر الغرب الاستعماري وحلفائهم الرجعين العرب مضاف إليهم الكيان الصهيوني الذي ترعبه فكرة القومية والمشروع القومي والوحدة والحرية وكل المفاهيم الداعمة لتعزيز وحدة الامة وتوحيد قدراتها وكان الخليج بمسمياته يمثل دوحة القوي الاستعمارية الواعدة، وأنتصار ثورة في اليمن خطرايهدد أمن واستقراره وخشية من تمدد الثورة وقيمها نحو المجتمعات الخليجية، كما كانت الثورة بمثابة الكارثة علي خصومها الاستعماريين الذين كانوا يخشون تأثيرها علي حلفائهم و كذا تأثيرها الجيوسياسي بحكم وجود مضيق باب المندب وأرتباطه بقناة السويس الذي كانت مصر عبد الناصر قد أقدمت علي تاميمه وأعادته للسيادة العربية المصرية،وفق نظرة استعمارية رأت أن دعم مصر عبد الناصر للثورة اليمنية هدفه تطويق منطقة الخليج حيث الطاقة والتحكم بالممرات المائية.
يتبع
صنعاء 4 أكتوبر 2023م |