ريمان برس -
شكلت أحداث 2011م وما تبعها من تداعيات ما يمكن وصفه ب"بركان" اجتماعي نفث من الوجدان كل احتقانات المراحل المتراكمة، فبدا المشهد وكأنه حالة إنتحار جماعي، فقدنا خلاله الحكمة والموضوعية والعقلانية، وبدأ المشهد وكأن كل طرف يحاول تنفيذ اجندته والانتصار لخياراته وتأمين وجوده المستقبلي في مفاصل السلطة، وبرزت ثقافة إلغاء الأخر الوطني المجبولة بكل مفردات الانتقاص والإزدراء ، هكذا كان المشهد في بداية الأزمة، بدليل أن كل طرف هرول نحو المبعوث الأممي الأول حاملا ملف يحتوي على رؤيته وفق منطق حساباته الخاصة وبما يكفل اعتماده في المشهد الوطني المرتقب الذي سوف ينبثق عن جهود هذا المبعوث أو ذاك..!
كانت هناك فكرة معدة للحالة اليمنية متوافق عليها إقليميا ودوليا وترعاها بريطانيا وأمريكا، هدفها إعادة هيكلة الخارطة اليمنية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا..!
داخليا كانت هناك احتقانات سياسية واجتماعية، تسببت بها سياسة الإقصاء و التهميش وتسطيح حقوق المواطنة، وتجاوز النظام لكل القوانين والتشريعات الدستورية ومحاولة إدارة أزمة البلاد بسلسلة أزمات، في محاولة من النظام لتجنب الدخول في عمق المشكلة الوطنية ونكء الجرح الوطني وتصفيته من " القيء"، فسعي للتعامل مع هذا الجرح الغائر عبر التعامل السطحي معه فأوجد ذلك حالة " غرغرينا" أدت بالنهاية لبتر النظام بكامله، فولد الأمر طموح لدى كل الأطراف بأن سقوط النظام سيؤدي الي حالة إنفراج سياسي دون التوقف أمام حسابات التركيبة الاجتماعية والقبلية، وللأسف تكررت أخطاء ثورة 26 سبتمبر، للمرة الثانية عند قيام دولة الوحدة، والمرة الثالثة مع نتائج أحداث 2011م..!
فرص كان يمكن لعقلاء الوطن أن يقفوا أمام المعظلة الحقيقية المتسببة بالأزمة، المتمثلة بالمصالحة الوطنية الحقيقية والشراكة الوطنية الفعلية..!
المؤسف أن قضيتيء المصالحة الوطنية والشراكة الوطنية، هما طريق اليمنيين الوحيدة نحو دولة المواطنة المتساوية، ودولة النظام والقانون والعدالة الاجتماعية، وبدونهما يصعب بل يستحيل استقرار اليمن في ظل إصرار بعض القوي الاجتماعية على الهيمنة ورفضها القبول بالأخر ليس كشريك بل أصبح اليوم الرفض يطال حق الأخر بالمواطنة، بذرائع مختلفة، وكأن المواطنة حق مكتسب لهذه الفئة تمنحه لمن تريد وتنزعه ممن تريد وفي الوقت الذي تريد، وتلكم ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ اليمن وغير مقبولة، لكنها أدت إلى طفح ثقافة انعزالية خطيرة، ثقافة تبرز عند غياب الدولة، وغياب العدالة في توزيع الثروة وداخل مفاصل السلطة، وهذا الغياب سببه غياب المصالحة الوطنية الحقيقية التي تعبر عن قناعة المتصالحين الطوعية و إيمانهم بها، وليس فرضا يجبرون عليه بفعل عوامل القوة أو الحضور والتوازن الاجتماعي، المصالحة ستؤدي حتما إلى إيجاد شراكة وطنية حقيقية، ستوحد أبناء اليمن ليتجهوا لبناء وتنمية وطنهم وتستخير قدراتهم لتأمين مستقبل اجيالهم حتى يتمكنوا من توريث الأمن والاستقرار والتنمية لاجيالهم بدلا من أن يورثوا لهم " الأحقاد والكراهية"..!
أن المصالحة والشراكة الوطنية هما طريقنا والوطن نحو السلام والتنمية والوحدة والاستقرار والتقدم الاجتماعي، وهما قطارنا لنلحق عليه بركب تقدم الأمم.
فلا الحرب، ولا الترويع، ولا السجون والإدارة بالقمع والترهيب، كل هذه الأعمال لن تحقق السلام والاستقرار، ولا تجزئية الجغرافية وتقاسمها بفعل الأمر الواقع، يمكن التعويل عليها، بل بالعكس كل هذه التصرفات سوف تولد المزيد من الأحقاد والنعرات الطائفية والمذهبية، وستكون الطامة الكبرى حينها، حين ترفض حتى فكرة الأقلمة في اليمن، بل سنجد أنفسنا أمام أوطان تعبر عن نفسها وقد تصبح كل محافظة دولة مستقلة بذاتها ولا أعتقد أن هناك قوي حينها ستكون قادرة على فرض إرادتها على أصحاب هذه المشاريع في مرحلة حضارية الأمة كلها مستهدفه وثمة مخططات لتفتيتها جاهزة ان لم يعودوا المتصارعين الي عقولهم ويقبلوا ببعضهم، ونؤكد للمرة المليون أن القوة بين أبناء الوطن الواحد لا تصنع السلام ولا تحقق استقرار، بل تزرع أحقاد وكراهية ورفض لبعضنا البعض، وكل الدوافع لمثل هذه التصرفات متوفرة.. فهل من مدكر. |