ريمان برس -
اعداد ا.عبد الغني اليوسفي.
حديثنا عن رمز عظيم من رموز الهجرة اليمنية انه.
ا.د.علي عبدالله بن سالم العطاس
هاجر جدة من مديرية حريضة وادي دوعن محافظة حضرموت التي عاش فيها رجال ساهموا في تغير تاريخ حضرموت فهي مدينة العلم والعلما ورجال الاقتصاد منهم السيد العلامة علي بن محمد بن سالم بن أبوبكر طالب العطاس عالم وفقيه اشتهر بالزهد وسعة العلم كان قاضياً في مدينة حريضة ويعتبر مرجعا مهما لكثير من القضاة والفقهاء ويقيم في مدينة حريضة-حضرموت
بسم الله الرحمن الرحيم
علم وعالم. مهاجر من اليمن عن الدكتور علي عبد الله بن سالم العطاس
(1)
في أعماق التاريخ،حيث تلتقي الحكايات بالأسرار، وتتوارث الأجيال سيرة الأجداد والآباء، تنبثق من رحم اليمن السعيد، من حضرموت العريقة، تلك الأرض المباركة التي اختزنت في تربتها أسرار الحضارات، وشهدت على صفحات جبالها ووديانها ملاحم الرجال العظام. حضرموت.. اسم كالرعد المدوي في صحاري التاريخ، وكالنسيم العليل في قلوب العاشقين، أرض العلم والإيمان، موطن الصوفية والعلماء، منبع التجار والأمراء، ملتقى الثقافات والحضارات. منها انطلق الرجال يحملون في قلوبهم إيماناً لا يتزعزع، وفي عقولهم علوماً لا تنضب، وفي أيديهم مصابيح هدى تنير الدروب المظلمة في أصقاع الأرض. من رحم هذه الأرض الطيبة، من قلب وادي دوعن العابق بأريج التاريخ، من مديرية حريضة التي شهدت ميلاد العظماء، تنطلق بذرة هذه القصة، قصة أسطورة من أساطير الدبلوماسية العالمية، ورجل من رجال اليمن الأبطال، كتب اسمه بأحرف من نور في سجلات التاريخ الحديث.
(2)
إنها حكاية تبدأ من المهد..من ذلك الوادي المقدس، وادي دوعن، حيث نخيل الشموخ ترفع رؤوسها نحو السماء، وحيث عيون الماء العذبة تهمس بأسماء الأجداد. هنا، في حريضة، المدينة التي أنجبت الأفذاذ، والتي كانت ومازالت منارة للعلم والعلماء، قصة ترويها الجدران القديمة والمساجد العتيقة. هنا عاش رجال صنعوا من حروف أسمائهم قوانين للعدل، ومن سيرهم مناهج للحكمة. هنا، في هذه البقعة المباركة، ترعرع السلالة الطيبة، شجرة العطاس الباسقة، التي امتدت جذورها في تربة حضرموت الخصبة، وامتدت فروعها across المحيطات والقارات. فمن قضاء مدينة حريضة، برز العلامة الجليل، العالم الزاهد، الفقيه النابه، السيد علي بن محمد بن سالم بن أبوبكر طالب العطاس، ذلك القاضي العادل الذي كانت أحكامه مدارس في الإنصاف، وكانت فتاويه منارات للاستنارة، فكان مرجعاً للقضاة والفقهاء، ومعلماً للطلاب والعلماء، يروي ظمأ العلم من معينه كل باحث عن الحقيقة، ويستضيء بنور علمه كل تائه في ظلمات الجهل.
(3)
ولكن رياح الترحال تهب أحياناًcarrying with it أسرار القدر المحتوم. فهاجر جدة من حريضة، كما هاجر قبله وبعده العديد من أبناء آل العطاس، حاملين معهم تراب الوطن في قلوبهم، وعطر حضرموت في وجدانهم. فانتشروا في أصقاع الأرض، شرقاً وغرباً، كالبذور الطيبة التي تزرع في تربة جديدة، فتنبت أشجاراً باسقة، تثمر علماً وثراءً ونفوذاً. فمنهم من استقر في المملكة العربية السعودية الحبيبة، وأصبح من رجال المال والأعمال البارزين، الذين سخروا أموالهم وطاقاتهم لخدمة التنمية في الوطن الأم، يمدون الجسور بين المشرق والمغرب، ويبنون الصروح الشامخة شاهدة على عطاء لا ينضب. وهكذا، أصبح اسم العطاس رمزاً للعطاء في الوطن والمهجر، عنواناً للتميز في الشرق والغرب.
(4)
وفي هذه الأثناء،على أرض إندونيسيا البعيدة، أرض الألف جزيرة، حيث الغابات الاستوائية والبراكين الشامخة، كانت بذرة جديدة من بذور العطاس تتهيأ للإنبات. ففي الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1932، وفي أحضان تلك الأرض الغنية بالثقافات والأديان، ولد طفل حمل في عروقه دماء حضرموت الأصيلة، وفي قلبه شغفاً بالمعرفة، وفي عقله طموحاً لا يعرف الحدود. ذلك الطفل هو علي عبد الله بن سالم العطاس، الذي كان قدره أن يصبح أسطورة من أساطير الدبلوماسية العالمية، ورجلاً من رجال الدولة الذين يغيرون مجرى التاريخ. فتربى في بيئة جمعت بين الأصالة الحضرمية والانفتاح الإندونيسي، وتشرب من معين الثقافتين، فتشكلت شخصيته كجسر بين الشرق والغرب، بين الإسلام والعالم.
(5)
ومضى الفتى في رحلة التعليم،يتنقل بين المعاهد والأكاديميات كالفراشة التي تنتقل من زهرة إلى أخرى، تبحث عن رحيق المعرفة. ففي عام 1953، حصل على ليسانس الآداب في العلوم السياسية من أكاديمية الخدمة الخارجية، ثم أتبعها بماجستير في القانون من جامعة إندونيسيا في عام 1956. كانت تلك السنوات بمثابة التمهيد لمسيرة حافلة، وخطوات أولى على سلم المجد الذي كان ينتظره. فالتحق بالخدمة الخارجية الإندونيسية وهو في ريعان الشباب، في عام 1954، ليبدأ رحلة دبلوماسية استثنائية، امتدت لأكثر من خمسة عقود، ترك خلالها بصماته على أهم الأحداث العالمية.
(6)
وتنقل الدبلوماسي الشاب بين عواصم العالم،كسفير للسلام والتفاهم. من بانكوك إلى واشنطن، ومن جنيف إلى نيويورك، حمل معه قيماً حضرمية أصيلة، وأخلاقاً إندونيسية نبيلة، فاستطاع أن يكسب احترام الجميع. ثم جاءت لحظة التتويج، عندما عُين سفيراً وممثلاً دائماً لإندونيسيا لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 1982 و1988. هناك، في ذلك الصرح العالمي، حيث تجتمع أمم الأرض، برز نجم العطاس كدبلوماسي من الطراز الأول، مفاوض بارع، وسياسي حكيم. فترأس اللجنة الأولى للشؤون السياسية والأمنية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1985، ليصبح صوتاً مسموعاً في أروقة international politics.
(7)
ولكن المسيرة كانت لا تزال في بدايتها.ففي عام 1988، وصل العطاس إلى قمة المجد الدبلوماسي، عندما عُين وزيراً للخارجية الإندونيسية، ليشغل هذا المنصب الرفيع لأكثر من عقد كامل. خلال هذه الفترة، أصبح العطاس أحد أبرز وجوه السياسة العالمية، ور Architect للعديد من المبادرات الإقليمية والدولية. فكان له دور محوري في صياغة ميثاق الآسيان، كما ساهم في تأسيس مجموعة الشخصيات البارزة (مجموعة العشرة). ولكن الإنجاز الأبرز في مسيرة العطاس كان وساطته التاريخية في عملية السلام في كمبوديا، التي أنهت سنوات من الحرب والدمار، وأعادت الأمل إلى شعب مزقته الصراعات. فقد ترأس المؤتمر الدولي حول كمبوديا في باريس بين عامي 1989 و1991، وكان architect التسوية التاريخية التي أنهت حكم الخمير الحمر، ليكتب اسمه بحروف من ذهب في سجلات صناع السلام في العالم.
(8)
ومضى العطاس في مسيرة العطاء،فترأس مؤتمر التعديل على معاهدة حظر التجارب النووية بين عامي 1991 و1996، ليصبح حارساً للأمن النووي العالمي. ثم توالى عطاؤه، فترأس حركة عدم الانحياز على المستوى الوزاري بين عامي 1992 و1995، ليكون صوت الدول النامية في المحافل الدولية. ثم ترأس منظمة المؤتمر الإسلامي على المستوى الوزاري بين عامي 1996 و1998، ليصبح ممثلاً للعالم الإسلامي في حوار الحضارات. وأخيراً، ترأس مجموعة ال77 على المستوى الوزاري بين عامي 1997 و1998، ليكون مدافعاً عن مصالح الدول النامية في النظام الاقتصادي العالمي.
(9)
وبعد هذه المسيرة الحافلة،كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار towards العطاس ليشغل أعلى المناصب الدولية. فقد رشحه مجمع آسيان ليكون مرشح آسيا لمنصب أمين عام الأمم المتحدة، تقديراً لكفاءته وخبرته الطويلة. وكان العطاس مؤهلاً لهذا المنصب بامتياز، حيث جمع بين الحكمة الآسيوية، والثقافة الإسلامية، والخبرة الدولية. وقد وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس في تعازيها بأسرة العطاس بعد وفاته بأنه "رجل الدولة القدير والدبلوماسي البارز في جنوب شرق آسيا"، وقالت إنه "كان رجل دولة من الطراز الأول، أفنى عمره في خدمة السلام والأمن في جنوب شرق آسيا".
(10)
وعلى الرغم من إنجازاته الكبيرة،واجه العطاس تحديات وصعوبات، لعل أبرزها دوره في الأزمة التي وقعت في تيمور الشرقية عام 1991، عندما فتحت القوات الإندونيسية النار وقتلت 12 من المتظاهرين الموالين للاستقلال. هذه الحادثة، كما ذكرت صحيفة الغارديان، ربما كلفت العطاس فرصة تولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة. ومع ذلك، ظل العطاس رجلاً محترماً على نطاق واسع، ووصفه وزير خارجية نيوزيلندا بأنه "كان واحدا من أبرز رجال السياسة في جنوب شرق آسيا"، وأشار إلى أن "تأثيره تخطى إندونيسيا وجنوب شرق آسيا، إذ لعب دورا بارزا في حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي".
(11)
وفي عام 2003،عاد العطاس إلى الساحة الدولية، عندما عينه الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً إلى بورما، حيث قام بزيارة مهمة وطالب بالإفراج عن أونغ سان سو كي. كما شغل منصب رئيس المجلس الاستشاري الرئاسي في إدارة يودويونو، ليظل حتى آخر أيامه مستشاراً حكيماً، ورجل دولة قديراً.
(12)
وبينما كان العطاس يكتب سطور مجده في سجلات التاريخ العالمي،لم ينسَ يوماً أصوله الحضرمية، ولم يغفل عن جذوره اليمنية. ففي لحظة مؤثرة، تم تكريمه من قبل وزارة شؤون المغتربين اليمنية، حيث سلمه المدير العام بالوزارة عبد الرحمن الزبيدي درع الوزارة، بحضور السفير الوحيشي والقنصل العام عبد الله العمري. وكان العطاس سعيداً بهذه اللفتة الكريمة، التي عبرت عن ارتباطه بوطنه الأم. وكان الدرع يحوي مجسم لمسجد المحضار في تريم، ليربط الجيل الثالث من أبناء المهاجرين بموطن أجدادهم، وليظل حضرموت حية في قلوب أبنائها wherever they may be.
(13)
ورحل العطاس عن دنيانا في 11 ديسمبر 2008 في سنغافورة،عن عمر ناهز 76 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً دبلوماسياً ضخماً، وسيرة عطرة تملأ الأسماع. فنعته وزيرة الخارجية الأمريكية، ونعاه وزير خارجية نيوزيلندا، وبكاه أهل الدبلوماسية في كل مكان. ولكن رحيله الجسدي لم يمح ذكراه من قلوب الناس، فظل رمزاً للعطاء، وشاهداً على أن ابن حضرموت يمكن أن يكون نجماً في سماء الدبلوماسية العالمية.
(14)
وهكذا،تمتد قصة الدكتور علي العطاس من حريضة في حضرموت إلى جاكرتا وإلى نيويورك، حاملة في طياتها دروساً وعبراً. فهي قصة تثبت أن الأصول المتواضعة لا تمنع الوصول إلى القمم السامقة، وأن القيم الحضرمية الأصيلة يمكن أن تنتج رجلاً عالمياً. وهي قشة تذكرنا بأن اليمن، رغم كل ما يعانيه من تحديات، ينتج العظماء الذين يرفعون رأسه عالياً في المحافل الدولية. فالحضرمي، أينما حلّ وأينما ارتحل، يظل مفخرة لبلده، وسفيراً غير رسمي لثقافته وتاريخه.
(15)
وفي الختام،تبقى سيرة الدكتور علي عبد الله بن سالم العطاس نبراساً يضيء الدرب للأجيال القادمة، ودليلاً على أن الإصرار والعزيمة يمكن أن يحولا أحلام الطفل الحضرمي إلى إنجازات عملاقة تدهش العالم. فمن وادي دوعن إلى أروقة الأمم المتحدة، من حريضة إلى جاكرتا، من اليمن إلى إندونيسيا، ستبقى قصة هذا الرجل العظيم شاهدة على عظمة الإنسان عندما يؤمن بقدراته، ويظل مخلصاً لجذوره، متطلعاً نحو آفاق لا تعرف حدوداً.
رحم الله الدكتور علي العطاس رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خير الجزاء عما قدمه من خدمات جليلة لأمته والإنسانية جمعاء.
#نتذكرهم_اليوم_لنترحم_عليهم
#شخصيات_يمنيه
#أعلام_وأمجاد_حضرمية |