ريمان برس -
بكل بساطة يعترف الرئيس "ترمب" بصعوبة التعامل، أو التفاهم مع الرئيس الصيني "شي بينغ"، ويصف "ترمب" خصمه اللدود، الذي ابتكرا لأجل تطويعه أزمة " التعريفة الجمركية" وأستحدث أزمة تجارية دولية، ما لبثت أن تطورت وأصبحت بمثابة " حرب كونية" وأن كان ميدانها الأسواق والمتاجر والمصانع، وليس "الخنادق وميادين القتال"..!
إذ وبعد عدة أشهر من معركة" التعريفة الجمركية" أقر مؤخرا صاحبها وبطلها "ترمب" باستحالة التفاهم مع الرئيس الصيني أو زحزحته عن مواقفه المبدئه الثابته، هذا الاعتراف من "ترمب "يدل على تمسك الصين بمواقفها، وأن كل إجراءات "واشنطن" لم تؤثر على مواقف" بكين "..!
لكن دعونا نبتعد قليلا عن حسابات" ترمب "ومواقفه الأخيرة التي تداولتها وسائل الإعلام الدولية، ونعرج _أولا _ لأحداث ونوافذ دولية بنت عليها " واشنطن" مواقفها في تطويع الصين.. هذه الأحداث تبدأ في "أوكرانيا" التي وصلت فيها تفاهمات" ترمب _بوتين" إلى طريق مسدود، محفوفة بمخاطر "أوروبية" ليس أخرها محاولة أوروباء قطع شريان التواصل بين " روسيا وجزيرة القرم" ، عبر عملية استهداف" جسر القرم" الذي تفاجأت بها أمريكا، وتمت بين أجهزة المخابرات الأوكرانية وأجهزة مخابرات غربية وبريطانية، وقد تمت عملية استهداف جسر القرم عبر البحر.. في تدليل على أن من فجر هذا الجسر مؤخرا، هو نفسه من فجر "انابيب السيل الشمالي" في قاع المحيط بداية الحرب..!
الحادثة حملت رسالة أوروبية واضحة لكل من "موسكو واشنطن"..!
الرسالة الثانية.. يمكن القول، انها جاءت مؤخرا على لسان " مرشد الثورة الإيرانية" ، الذي رفض وبوضوح الإملاءات الأمريكية فيما يتعلق ببرنامج " إيران النووي" واللهجة الساخنة التي تحدث بها" المرشد الإيراني" ، لم تكن بعيدة، عن رغبة موسكو _بكين، بل حملة ردهما المشترك على "واشنطن"، رغم أن مرشد الثورة، ذهب في خطابه مدى طالب فيه " واشنطن" بسحب قواتها من المنطقة، دون أن يغفل ما يجري في قطاع "غزة" وينقل رغبة" موسكو _بكين" بوقفة جادة عربية _إسلامية..!
ثمة تداعيات خفية يمكن وصفها بسياسة " كسر العظم" التي ظهرت بعض تفاصيلها في جلسة" مجلس الأمن" الأخيرة، حيث توافقت فيها " 14 دولة داخل المجلس"، فيما اعترضت أمريكا عليه، رغم ان القرار يتصل بقطاع غزة وبجانب إنساني، يتصل بإدخال المواد الإغاثية، غير أن ما يخفيه القرار بنظر " واشنطن" هو مؤشر للانتقاص من مكانتها الدولية..!
إذا تفجيرات جسر القرم، وارتباك التنسيق الأمريكي _الأوروبي وتباين مواقفهم من الحرب الأوكرانية، واعتراف "ترمب" بصعوبة التفاهم مع الصين، مضاف الي هذه التداعيات ما تضمنه خطاب المرشد الإيراني، كل هذا يضع العالم أمام أزمة مركبة، أطرافها يتمترسون في خنادقهم، يتبادلون رسائل مشفرة ورحلات مكوكية لمسؤلين في المنطقة والعالم، السرية منها والعلنية..!
فبدا المشهد وكأن" واشنطن" اخفقت فعليا في منح العالم قدرا من الثقة،سواء فيما يتعلق ب الأزمة الأوكرانية أوروبيا، أو فيما يتعلق بدورها في "الشرق الأوسط" _عربيا _ مضاف إلى ذلك تعقيدات ملف إيران النووي، خاصة بعد فشل خطتها في غزة والمتصلة بتوزيع المساعدات الإغاثية والإنسانية، التي اضطر أحد كبار المسئولين الأمريكيين فيها، الي تقديم استقالته من اللجنة، التي شكلتها إدارة" ترمب" بهدف تبييض مواقفها دوليا، وأن من جانب إنساني، إلا أن هذه المحاولة اخفقت، تزامنا مع اشتداد " الخطاب الصيني" تجاه "واشنطن" وتجاهل" موسكو" ملاحظاتها، تزامن كل هذا مع تأهب " أوروبي" لاستعراض، قوة وأن إعلاميا في مواجهة "موسكو" ، ورفض" إيران" شروط أمريكا، وتجاهل مطالبها السرية من طهران،التي رفضت مطالب أمريكا علنا..؟!
في ظل هذا الزخم السياسي المتباين، ذهب،" الكيان الصهيوني" محميا بالإرادة الأمريكية، يواصل ارتكاب المزيد من الجرائم، في "غزة" ولبنان، وسوريا، حتى وأن شكلت هذه الجرائم احراجا ادبيا لواشنطن، التي لم تتردد في تغطية جرائم العدو داخل مجلس الأمن لتبدوا المواقف وكأنها عادة للمربع الأول..؟!
ما يعني استحالة التفاهمات، التي راهن عليها "ترمب" بداية ولايته، لتبدو "أنقرة" بدورها الفاعل الأكثر حضورا في أجندات الأطراف المعنية، من واشنطن الي بكين، ومن موسكو الي طهران، وبينهما دول الترويكا الأوروبية، في مشهد يبدو وكأن "تركيا" هي من " ستنفخ بالصور" ولكن حين يحين الأجل..؟!
إذ لا تزال " دبلوماسية الأشباح" تواصل مسيرتها خلف الأضواء، وداخل الإنفاق المظلمة، التي يتحرك من فيها بحثا عن نهايتها معتمدين على الدليل التركي ومراهنين على قدرته..!
داخليا يجد "ترمب" نفسه في مربع الاحباط، رغم البروبجندة الدعائية، التي ترافقه، غير إنه محبط من المحكمة العليا واجرائتها، ومن صديقه الذي راهن عليه "إيلون ماسك" المعين على رأس" وزارة الكفاءات" لكن الرجل لم يتردد في تركها ومغادرة" البيت الأبيض" وأن زعم امام وسائل الإعلام انه سيواصل تواجده وإشرافه، لكنه لم يتردد في وصف " العهد الجميل" لترمب "بأنه كارثي..؟!
في ظل كل هذه المعطيات المتداخلة، والمركبة، والمعقدة، على الخارطة الدولية، تداعيات تضع "ترمب" وادارته أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول تنفيذ رغبة الكيان و" نتنياهو " بالهجوم على إيران وهذا يعني حرب شاملة أن لم تكن عالمية، فهي ستكون حتما إقليمية، وحدوثها خطرا يبدد كل أحلام وتطلعات وأماني "ترمب" وادارته.. وهذا خيار لن يقدم عليه "ترمب"..
الخيار الثاني إيجاد فرص التفاهم مع "بكين" والوصول معها الي تسوية وتفاهم استراتيجي، تعترف فيه واشنطن بندية " الصين" لها، وأنها لم تعد سيدة العالم، وهذا الخيار الأكثر حضورا في أجندة "ترمب"، الذي موقفه محسوم بالنسبة لأوكرانيا، لكن مواقفه فيما يتصل بصراع المنطقة من فلسطين الي طهران، لاتزال ضبابية وأسيرة للمزاج الصهيوني، وتحديدا مزاج "نتنياهو"، وفك هذه العقد مرهونة بسقوط حكومة "نتنياهو" وهذا ما تبدو مؤشراته من خلال تصاعد الأزمة داخل حكومة العدو، التي يمثل سقوطها بالنسبة ل"ترمب" وادارته طوق نجاة من الكماشة التي وقعوا فيها..!
وتبقى الايام القادمة كفيلة بكشف ما يدور داخل الغرف المغلقة، والأنفاق المعتمة ..؟!
5 يونيو 2025م |