ريمان برس -
ذات يوم من أيام " أمريكا والبيت الأبيض" التقي الرئيس الأمريكي " بوش _الأبن" بالرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" الذي كان قد افتتح مركز " كارتر للدراسات" اللقاء كان بناء على طلب من " بوش" الذي كان يبحث عن إجابة على سئوال يعتمل في تفكيره، ونصحه ثعلب السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة" هنري كيسنجر" بأن يلتقي ب "كارتر "ويسأله عما يشغله ويشغل الدولة العميقة في أمريكا ومراكز ابحاثها..!
في إحدى شرفات البيت الأبيض والتي تفصل بين قاعتي " لينكولن" و"إيزنهاور" وتطل على حديقة البيت الأبيض..
كانت الشرفة قد خصصت لاستراحة الرئيس وكبار مستشاري الأمن القومي، حين يكون الرئيس منهمكا بقضية ماء مرتبطة بالأمن القومي الأمريكي..!
في تلك الشرفة قابل الرئيس "بوش" الرئيس الأسبق " كارتر" وأحد أكثر رؤساء أمريكا ثقافة ومعرفة وخبرة وقدرة على إستشراف آفاق التحولات الجيوسياسية..
قبل أن " يرتشف كارتر" رشفة من كأس " القهوة - إسبرستو" الذي وضع أمامه، كان الرئيس " بوش" يوجه سئوالا أرهق تفكيره، وأربك مستشاريه في مكتب الأمن القومي، فيما مراكز الدراسات ما انفكت في تفسيره دون أن تصل إلى جوهر الإجابة عنه..!
كان سئوال "بوش" لرئيسه الأسبق : لماذا تتقدم" الصين " بهذه الطريقة الدرامية المضطردة، فيما نحن نقف على "خط الدفاع"؟!
رد " كارتر" على سئوال رئيسه، بسئوال أخر، قائلا : سيدي الرئيس إذا عرفت الإجابة، هل بمقدورك " إعادة" النظر باستراتيجية البلاد الخارجية؟
الرئيس "بوش" أن كانت هذه " الإعادة" تخدم أمننا القومي فلما لا..!
"كارتر" سيدي الرئيس : خلال العقود الماضية انفقت أمريكا أكثر من" ستة وثلاثين ألف مليار" على حروبها الخارجية، فيما " الصين" منهمكة في تنمية قدراتها وهذا ما انعكس على وضعها اليوم..
لم تنشغل "الصين" بما انشغلنا فيه، لم تحارب دول، ولم تساهم في الانقلابات، ولم تشارك في إسقاط أنظمة، ولم تتدخل بشئون دول وأنظمة العالم، لا بواسطة الحكومة وأجهزتها، ولا عبر شركاتها ورجال أعمالها، كما هو الحال مع أمريكا..؟!
يقول المفكر والفيلسوف الأمريكي الذي رحل عن الدنيا العام الماضي " نعوم تشومسكي" :
أن لقاء "بوش" _ " كارتر " الذي كان مخصص له " 20 دقيقة" من وقت الرئيس، أمتد " لثلاث ساعات ونصف" قدم خلال هذا الوقت "كارتر" إحصائيات دقيقة وموثقة عن حالة الاقتصاد الأمريكي، وما انفقته أمريكا في الصراعات والحروب الخارجية، وما قدمته لأطراف هذه الصراعات، كما قدم إحتياجات أمريكا الداخلية المتعلقة بتحديث البنية التحتية للمرافق الخدمية فيها، التي تبدأ من تجديد وتحديث شبكة الهاتف الثابت، وتجديد وتحديد شبكات خطوط الكهرباء، وتجديد وتحديث الطرقات، وشبكات السكك الحديدية، و المؤاني والمطارات، والمرافق والمباني الخدمية الاتحادية والفيدرالية،وقدرة إحتياجات أمريكا لتحقيق كل هذا خلال عشرة أعوام _تبدأ من لحظة لقاء " بوش _كارتر "_
بقرابة" عشرة ترليون دولار "..؟!
لم تؤخذ نصائح" كارتر " فبعث بعدها بعام برسالة مطولة للرئيس" بوش " جدد فيها رؤيته محذرا من" شيخوخة "شاملة تواجه أمريكا، وترهل حضاري، لا ينطبق عليه علم" الشد " ولن تنفع معها كل أدوات ومستحضرات التجميل .؟!
غادر" بوش "البيت الأبيض، وجاء اخر، واخر بعده، ورحل عن الدنيا " كارتر "و" كيسنجر" وحتى "نعوم تشومسكي"..!
جاء " ترمب" فكانت فترة رئاسته الأول منسجمة مع اغنية عربية تقول " الحب الأول تجربة"..!
خلفه "بايدن "فكانت أزمة " الكابيتول" المؤشر الأول لبدء " ترهل" إمبراطورية الليبرالية و" عاصمة العالم الحر"..!
" بايدن" "الصهيوني " والقائل" لو لم توجد الصهيونية لأوجدانها" اعتمر" القلنسوة"، وذهب لمنازلة " التنين" و"الدب الروسي" وجعل" من " زيلينسكي" الدمية والبطل " في مسرحية درامية تجسد درامية "عقدة أوديب" أبطالها يرجون التوبة ولكنهم يفصلون العقاب كلا كما يرغب أن يكون عقابه..!
من أفغانستان والعراق الي" غزة " التي دقت أخر مسمار في كرسي عرش" بايدن" فرحل مدثرا" بعار غزة " وفضيحة أوكرانيا..!
عاد " ترمب " ولكنها عودة مختلفة، عودة مجبولة بنشؤة الانتصار، ورغبة الانتقام، ولكن وفق جدلية " الربح والخسارة"..؟!
لكنه تاجر والسياسة بنظره تجارة " ولأنه كذلك أدرك أزمة بلاده ، التي تقف، في مواجهة" التنين الصيني "، مواجهة تبدأ من" شريحة الهاتف " إلى" تقنية الفضاء "وبينهما الأف القضايا المعقدة بابعادها الاقتصادية والتجارية، والعسكرية، والسياسية، والعلمية، والمعرفية، وعليها تخوض الدولتان معركة تنافسية، ظاهرها تجاري واقتصادي، لكن ابعادها الجيوسياسية حافلة بالأخطار والمخاطر..!
بين " توحش أمريكا الترامبية " وسعيها لفرض أمر واقع في الشرق الأوسط، وأوروبا، وعلى تخوم جغرافية روسيا وأوكرانيا..
يبدو " التنين الصيني" أكثر هدوا وسكينة، يتعامل مع كل الظواهر المحيطة به باعصاب فولاذية، رغم إدراكه إنه المستهدف من كل هذا التوحش، إلا أن ثقافة "اليوجا " وحكم" كونفيشوس " منحت هذا "التنين" مناعة وحصانة، مكنته من المضيء ببط، ولكن بثبات، بحكمة، ولكن دون تمكين الخصم من إعاقة حركته..!
من "أفغانستان" غادرت أمريكا، لم تترك " كيس دقيق، ولا أرز، ولا زيت"، ولكنها تركت فيها " أسلحة بالمليارات" ومن أحدثها،وكأن أملها، أن تكون تلك" الأسلحة" وقودا ل(حركة طالبان)، كي تشق طريقها ومجاهديها، عبر النفق الحدودي، الرابط بين أفغانستان وبين أكبر "الأقاليم الإسلامية الصينية " لكن " طالبان" 2020م تختلف عن تلك التي كانت وحاول العالم "شيطنتها"، فعملت على تطبيع علاقتها بجيرانها من "بكين" إلى "موسكو"..!
تركت "الصين" خصمها اللدود يذهب بطريق العربدة دون اعتراض، وكثيرا ما كانت تفسح له الطريق..!
سقطت "دمشق "حليفة" بكين " فرد" التنين " الفاكهة اليانعة أن سقطت من شجرتها دعها فلم تعد صالحة "..!
فزادت بالمقابل توغلا وارتباطا ب" دول الخليج " و" أفريقيا" و" دول آسيان "..!
"تايوان "ومضيقها وبحر الصين، نطاقات محسومة الأنتماء.. تدرك" واشنطن "هذه الحقيقة.. فكانت " التعريفة الجمركية " أداة مبتكرة من أدوات الصراع، لكنها زادت من برودة أعصاب" التنين "..!
وفتحت له آفاق لطريق لم يكن يتوقع سهولة اجتيازها، فدفعت" تعريفة ترمب "أوروباء " للاحتماء ب" سور الصين العظيم "..!
" تتلذذ بكين " ب" جموح حصان الكابوي" وتدفعه بصمتها نحو مزيد من " الحماقات " وتريده يسقط ذاتيا دون أن يضطرها" لإطلاق رصاصة الرحمة" على الطريقة الأمريكية، بل تريده يسقط على طريقة" كونفيشوس " ووفق حكمة " الحصان الجامح يقتل نفسه وصاحبه "..!
تبقى" غزة " بما يجري فيها بنظر" بكين " بمثابة" مقبرة " للقيم الأمريكية..!!
غير " إننا كعرب ومسلمين " وفي سياق هذا الصراع الجيوسياسي، والتنافس القطبي، من يدفع تكاليف الصراع دم، ودموع، و أموال، وآهات، وحسرات، وقهر، على مكانة تندثر، وقيم مكتسبة تنهار تحت"حوافر خيول المتنافسين "..! |