ريمان برس -
ماذا يريد " المر" من الحياة؟ من الوطن الذي ينتمي إليه؟ من المجتمع، الذي يرتبط به؟ من البيئة الاجتماعية، التي يعيش في كنفها..؟
الجواب الطبيعي هو أن الإنسان، أيا كانت مكانته، وكانت مؤهلاته، وبغض النظر أن كان هذا الإنسان "غنيا" أو " فقيرا"، "متعلما" كان أو "أميا" وأيا كان شكله ولونه، أو كانت شريحته، أو طبقته الاجتماعية، فأن غاية هذا "المر" هو أن يعيش حياة حرة كريمة، والحياة الحرة الكريمة، هي عنوان الحياة، ولا حياة حرة بدون تضحيات، إذ بمقدار ما تجود النفس، بمقدار ما تمنح نفسها حق الحياة الحرة..!
كثيرون من " الفلاسفة" ذهبوا في رحلة من " جدل"، دفعت أولئك الفلاسفة إلى التوسع والتوغل في دراسة"سيكولوجية" الإنسان، وبيئته ومعتقداته الروحية، في مسار " فلسفي"، وراحوا يصممون له" قوانين حياتية" متجاوزين " قوانين الله" وتعاليمه، وما حمله إلى البشرية، "الأنبياء والرسل" من قوانين وتشريعات سماوية، وضعت" قوانين ونواميس" الحياة، والهدف تنظيم العلاقة بين " الخالق "و" المخلوق" _أولا _ وترسيخ مبدأ "وحدانية الله "والإيمان اليقيني بيوم البعث.. وبين المخلوقات فيما بينهم _ثانيا _ والهدف إحقاق مبدأ " العدالة الاجتماعية" بين البشر، والتسليم بنواميس الكون وقوانين الطبيعية التي وضعها " الخالق" وليست تلك التي ابتكرها" المخلوق"..!
قد يكون "كارل ماركس" أكثر الفلاسفة الذين تعرضوا لقوانين الطبيعية وربطها بحياة "الإنسان" فتماهي معه فيلسوف أخر هو "هيجل" غير أن فيلسوف ثالث هو" برودون" حاول نسف قوانين ونظريات أنداده "ماركس _ هيجل" معتبرا أن "ميتافيزيقيا" التوازن والتفاعل، والأضداد، محاولة لإلغاء التناقضات وجعل النقيض نفيا للموضوع، والتركيب نفيا لذلك النفي، الذي أعتبره" برودون" إنه لم يذهب إلى أبعد من" السفسطة" الفكرية والمراهقة الفلسفية، معتبرا أن طروحات أنداده " ماركس _هيجل " عن التحولات الاجتماعية وقوانين الطبيعة مجرد " فلسفة هلامية"..!
جدل نسفته فلسفة "ماوتسي تونج" عبر " ثورة ثقافية" كنست البيروقراطية التسلطية، فأنتجت" الصين العظيم" فيما ضربت " الأيتوبيا "بجذورها عميقا في فكر "الثيوقراطية" المتسلطة التي اتخذت من" الدين " أداة للتسلط والقمع والقهر، والتخلف بكل أشكاله، مع ان" الدين " كان ولايزل داعيا للتقدم والتحول الحضاري، وقاعدة انطلاق نحو آفاق التطور العلمي والمعرفي، ومع ذلك أخفقت" أمة محمد" عليه الصلاة والسلام في التعامل مع " الدين "كما انزله الله على نبيه، وكما شرحه الرسول لاتباعه، ونجحت "أمة ماوتسي تونج" التي تبنت والتزمت بنظرية _صاحبها _ونفذت حرفيا رؤيته، فيما اخفقت "أمة محمد" التي اخضعت "الدين" وقيمه وتعاليمه لاجتهاد "الحاكم" ورغباته التسلطية وفلسفة البؤس المستبدة التي روج لها ورسخها فقها الاستبداد الذين طوعوا "الدين" من أجل تحقيق مآرب دونوية..!!
لم يكن "الدين" يوما فكر متخلف، ولا عائقا أمام العلم والمعرفة وحركة التطور الحضاري، بل كان "الدين "ولايزل وسوف يستمر داعيا للعلم والمعرفة والتطور والتقدم، ألم يقول سبحانه " يامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا، لا تنفذون إلا بسلطان" والسلطان هو العلم "والدين هنا يدعوا " الجن والأنس"إلي الأخذ بالعلم وبكل الجوانب المعرفية المتصلة به..!
غير أن ثمة" حاكمية" متخلفة ومستبدة، فرضت نفسها على الأمة واتخذت من "الجهل والتجهيل" سلاحا لفرض سيطرتها على " القطيع"..؟!
أن "فلسفة البؤس" تكاد تكون هي الطاغية في مسار الأمة الإسلامية، التي اتفق على تكريسها في الوعي الجمعي وكأنها جزءا اصيلا من قيم وتعاليم "الدين " كل المتصارعين على "الحاكمية" عبر التاريخ، الذين اختلفوا على كل شيء حتى على " عبادة الله" وتوزعوا " شيعا، واحزابا، ومذاهبا، ومدارسا، وطرق" مكرسين نظرية التناحر فيما بينهم، لكنهم اتفقوا على مبدأ واحد وحيد عملوا به الجميع، والتزم به الجميع، وهو تكريس" فلسفة البؤس" وفرضها كفلسفة إسلامية أصيلة وجزءا اصيلا من الدين، والدين برئ منها ومن أصحابها ومروجيها..!!
"فلسفة البؤس "هذه انتجت على مدى" ثلاثة عشرا قرنا" كل ظواهر وممكنات ومقومات التخلف والجهل والتمزق والتناحر في مفاصل المجتمعات الإسلامية، فيما نظرية "ماوتسي تونج "أخرجت الصين وشعبها الذي يتجاوز سكانها قرابة "مليار ونصف" من براثن" غيبوبة الأفيون" إلى آفاق التقدم والرقي، فيما حملة راية التوحيد المفترضين وهم _العرب _لايزالون يعيشون في كنف الجاهلية الأكثر تخلفا مما كانت عليه، قبل أن يكرم" الله" هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي كان أولى رسالة "الله" له هي "إقراء"..؟!
إذا كيف تستقيم الحياة الحرة الكريمة للبشر، طالما وهم يعيشون في كنف "التسلط" بكل ظواهر الاستبداد، يحدث هذا باسم "الدين"..!
ثمة " نماذج وضعية" استطاعت أن توحد امم متعددة الأديان، واللغات، والثقافات، والاعراق، والتقاليد، لكنها توحدت تحت راية وطنية واحدة "الهند _الصين"..!!
فيما اخفقت " الحاكمية الإسلامية" بشقيها "العربي والإسلامي "أن تقدم نموذجا يعكس جوهر عقيدتها وقيمها الإسلامية بكل ما تحمل من قيم ومفاهيم علمية ومعرفية، وما تدعوا إليه من مكارم الأخلاق، وتشريعات ليس لها مثيل في كل نظريات الكون الوضعية باعتراف كبار فلاسفة البشرية بما فيهم" فلاسفة الإلحاد "الذين اقروا في نهاية تأملاتهم أن هناك "ثمة قوة خفية تحرك الكون وتتحكم بقوانين الطبيعة"..!
لقد أعتمد كهنة الحاكمة الإسلامية على " فلسفة البؤس" مكرسين ظواهر التخلف والجهل كعوامل اساسية لديمومة تسلطهم، والمؤسف أن هذه الاستراتيجية لاتزل فاعلة حتى اليوم رغم كل مظاهر التقدم والتطور التقني وما احدثته ثورة الاتصالات من تحولات اذهلت الإنسانية، غير أن ثمة "حاكمية متسلطة" لم تتردد في استيعاب هذه الثورة وتطويعها لخدمة مشاريع تخلفها وكأن شيئا لم يكن..!
لهذا تبقى "الثورة الثقافية" خيار ومهمة أجيال يفترض أن تغادر " كهوف" التخلف والوصايا، والانعتاق من "فلسفة البؤس"، أن رغبت هذه الأجيال فعلا في اللحاق بركب التقدم الحضاري للبشرية، وان تحقق رغبتها بحياة حرة كريمة وعادلة تتطلع إليها منذ أكثر من " ثلاثة عشرا قرنا" ولم تتمكن من تحقيق رغبتها هذه..؟!
فهل سيكون لهذه الأمة دورا في تشكيل معالم خارطة العالم والوعي الجمعي الإنساني بعد هذه الإرهاصات الاي تعيشها، وهذا النزيف القيمي والثقافي والحضاري، الذي يخيم عليها، وعلى أدائها الحضاري والإنساني..؟!
وهل سيجد إنسانها نفسه ذات يوم يحضي بإنسانية كاملة وحرية وكرامة كفلها له الدين والقيم والوعي الإنساني..؟
هل سيجد إنسان هذه الأمة نفسه ذات زمن يعيش في ظل كرامة وحرية وعقل مفتوح، يتجاوز أنماط وقوالب "الكهانة الدينية" على اعتبار أن " لا كهانة في الإسلام"..؟! |