ريمان برس -
يقول " صاحبي" خرجت من " بيت الإيجار" مثقلا بالهموم، أمشي بخطوات متثاقلة، تائها، لا أعرف إلى أين تقودني أقدامي..!
بخطوات متثاقلة بطئية، ظلت أقدامه تقوده، تأخذه إلى حيث تريد، فيما هو مشوش الفكر، لا يعي أن كان يسير، أو واقف، أو نائم، أو صاحي..!
لم يشعر بصخب الشوارع، ولا بضجيج المارة والمتسوقين..!
كان تائها، بكل معاني التيه، وكانت خطواته تائهة كتوهان فكره..!
رغم كل مشاكله وأزماته، مع "المؤجر" الذي أصبح بالنسبة له " كابوسا" بل منذ عرف نفسه وهو يعيش في "كوابيس المؤجرين" والسبب إنه بلا "وظيفة" وليس لديه " راتب ثابت"..!
ناهيكم عن تفكيره بكيفية سداد رسوم سنة دراسية، مضت ولم يسدد رسوم دراسة" أولاده وبناته"، ولم يجرؤ حتى لمسألة المدرسة عن نجاح" أولاده وبناته" من عدمه..!
إضافة إلى روزنامة من الهموم تستوطنه، ومع ذلك، لم يكن يفكر بكل هذا، بل كان خارج دائرة الوعي، وكانت أقدامه تتحكم بجسده، تقوده إلى حيث لا يدري..!
ويضيف ظليت أمشي بلا وعي، لأ أشعر بالزمان ولا بالمكان، ولا بنفسي، ولا من " انا" ولا إلى أين اتجه..!
لكني فجأة صحيت من غيبوبتي، على صراخ الناس، ووجدت نفسي ملقيا على رصيف الشارع، فيما إلى جواري " متور وصاحبه" ملقيان إلى جواري، والناس تردد سلامااات.. سلامااات، وقد تجمعوا حولنا..!
لم أشعر بنفسي إلا و " أنا" أطلق "ضحكات هيستيرية" عالية، وأسمع أحدهم يردد " لاحول ولاقوة إلا بالله"..!
التفت إليه وأبتسمت..!
ويضيف ألقيت بجسدي على الرصيف المقابل أتأمل المارة والسيارات والزحمة، كانوا متعددي الأشكال، والأزياء، والوجوه، أطفال، وشيوخ، نساء، ورجال، وفتيات في مقتبل العمر، وشباب مراهقين يبتسمون لكل "فتاة" تمر، وكلمة تصدر من" شاب، "و" شتيمة " تصدر من" فتاة" " لشاب" يبدو إنه عاكسها..!
أخرج "علبة سجائره" ، أشعل" سيجارة" ، اخذ نفسا عميقا منها.. نفث دخانها، حتى تشكلت سحابة من الدخان أمامه..!
" طفلة" بعمر الزهور، تقف أمامه، وتمد يدها إليه، "لله ربي يفرج همك ويرزقك"..
يتحسس جيب " البنطلون" يخرج عملة معدنية "فئة مائة ريال" يناول الطفلة..!
أيادي أخرى تهرع وتمتد إليه، " فتاة في العشرين من عمرها" تقل عامين، أو تزيد عامين في عمرها، " إمراة مسنة" و" رجل طاعن بالسن" وأخر في " منتصف العمر"..!
وزع كل ما لديه من" العملات المعدنية".. فكر في" كأس شائي" تحسس جيوبه، لم يعد لديه ثمن" الشائي"..!
أخذ " سيجارة" ثانية" وثالثة" ورابعة "، حتى تغالط بالعد، ولم يعد يعرف كم" سيجارة "أحرقها وهو قاعد على الرصيف..!!
يقول صاحبي : نهضت بخطوات متثاقلة في طريق العودة للمنزل أيقضني" رنين الهاتف" مما " انا "فيه..
الو.. أهلا.. كيفك" يا شيخ "
الشيخ.. أهلا انا تمام.. ليش ما تسدد بقية " الإيجار "..؟
صاحبي :حاضر قريبا بإذن الله سيكون بقية الإيجار عندك..!
الشيخ معك مهلة أسبوع للسداد، وإلا ساطلبك إلى المحكمة..؟!
طبعا " الشيخ هو صاحب المنزل "..!
" الهاتف يرن "..
يا إلهي هذه إدارة المدرسة..؟
ألو.. اهلا استاذ.. انتظرنا تتصل ولم تتصل..؟
أن شاء الله قريبا ساتصل لكم.. سيفرجها الله، لم اتصل لأننا خجلان منكم..؟
المدرسة : العام الدراسي الجديد على الأبواب وانت لم تسدد رسوم العام المنصرم..؟!
رجاء حل لنا هذه المشكلة..؟!
" الهاتف يرن".. الو..؟
اهلا يا عمنا نشتي" حساب البقالة" عيد، نحتاج نطلع بضاعة العيد ؟!
حاضر.. قريبا بإذن الله..؟!
"الهاتف يرن"..
الو...؟!
حاضر..!
رسالة نصية ترد لهاتفه " الرجاء سرعة تسديد فاتورة الكهرباء"؟!
يصل المنزل تقابله أخر العنقود طفلته الصغيرة ابنة التسع سنوات" بابا" شوف" فستان صديقتي_بنت الجيران، جميل يا بابا بثمانية ألف فقط أخذته"..!
" بابا" اشتي للعيد فستان مثله عشان "نطقم اني وصاحبتي"..؟!
حاضر بابا..!
ألقى صاحبي بنفسه في زاوية الغرفة وراح يحلم ب" فانوس علاء الدين" ويحلم " بفانوس إسماعيل ياسين" وعبد السلام النابلسي، في فيلم (الفانوس السحري"..؟!
لكنه فجأة تذكر قوله تعالى "ومن يتوكل على الله فهوا حسبه أن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا ".. صدق الله العظيم..
نهض واخذ وضوء وصلي ركعتين بعدما كمل صلاته، فتح المصحف على "سورة الواقعة" تلقائيا..!
تفاءل خيرا وراح يتلوا من" كتاب الله "ما تثلج له الصدور الملتهبة.
هذه حكاية" صاحبي "وقد تكون حكاية ملايين من أبناء هذا الوطن المنكوب بنخب وحكام ليس بينهم وبين الوطن والمواطن أي روابط..؟!
صنعاء في 27 مايو 2025م |