ريمان برس - خاص -
يقول علماء النفس ان المظلوم نتيجة القهر والكبت وتقادم الزمن يجد نفسه يتماهى مع ظالمه فيبدأ بتخيل نفسه مكانه، ويتخيل كيف سيتصرف وينتقم من الظالم وأعوانه لو وصل هو إلى السلطة، وبدون أن يشعر يبدأ بتقمص شخصية هذا الظالم ويحب هذه الشخصية لكن بمنظوره هو، والظلم كمفهوم وظاهرة أجتماعية له أكثر من صورة، فهناك ظلم عام وهذا ما لا يقبل، وهناك ظلم فردي وهو الاسواء، وهناك ( ظلم إدعائي) يجتر صاحبه مظالم التاريخ ويسقطها علي واقعه الحالي ويذهب بعيدا في تقديراته حين يحاول الثار لمظالم الماضي من الحاضر..؟
وفق أعتقاد ذاتي راسخ لدي البعض ممن يزعمون إنهم ظلموا وظلمتهم الأحداث والتاريخ بأنتزاع أو مصادرة حقهم في ( الحكم) مؤمنين حد اليقين أن ( السلطة) حق مكتسب لهم وأن أنتزاعها منهم ظلم وظلم لا يغتفر، مضيفين علي هذا الاقتناع اليقيني بشرعنة هذه القناعات ومنحها صبغة دينية وربطها عقائديا ودينيا باعتبارها مكرمة إلآهية أمر بها الله ورسوله لهم وبالتالي ليس من حق أيا كان منازعتهم هذا الحق..!
أن لكل منتسب إلي آل بيت رسول الله صل الله عليه وسلم وعلي آله مكانة خاصة في وجدان وذاكرة عموم المسلمين وخاصة في اليمن التي أسلم اهلها برسالة من رسول الله حملها إليهم الصحابي الجليل معاذ بن جبل، هذه المكانة رسخها أوائل رموز آل بيت الرسول الذين حددوا رسالتهم بعد رسول الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإشاعة قيم وأخلاقيات الدين وسنة رسوله الكريم وتعاليمه لعموم المسلمين وتفقيه العموم بها وبتعاليم سيد خلق الله النبي العربي الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ويصف صلوات الله عليه نفسه بقوله ( إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق) قالها صلوات الله عليه وعلي آله وهو المبعوث بدين الله في أمة غارقة بالجهل والجهالة وعبادة الاصنام، وقوله هذا ينسجم مع وصف ربنا له بقوله ( وإنك لعلي خلق عظيم) إنه رسول الله والانتماء له فعل يتطلب الاقتداء بسلوكه وسنته وتعاليمه، أو رحم الله أمرء عرف قدر نفسه..
أن الحديث عن ظلم ذو دوافع دينية، هو حديث يصعب تقبله، كما يصعب إجترار مآسي الماضي وإسقاطها علي الحاضر وأحياء تراث لامة قد خلت وأطرافها أصبحوا عند ربهم وهو أولي بالاقتصاص للمظلوم فيهم من ظالمه.
وأعود إلي موضوعي الاساسي وأبدا بشرعنة ما أقوله هناء وما قد أقوله لاحقا وهو قول الله تعالي ( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) وأنا أحد المظلومين في هذا الوطن وقد منحني الله الحق في القول والتعبير عن ما يعتمل في وجداني لعلي أذكر من غرتهم السلطة وأنستهم الدافع الذي لأجله ثاروا في وجه من ظلمهم، وقاوموا ظلمه، أولئك الأخوة الذين أذكرهم بقول الله تعالي ( وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)، وبما أن أخواننا يتحدثون بأسم ( المسيرة القرآنية) فأن لكل مواطن الحق في التعبير وتذكير من غفل وجرفته مغريات السلطة والنفوذ إلي دروب بعيدة عن معتقدات المسيرة القرانية حتي لا ينطبق عليهم قول الله تعالي ( وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم)، محذرا من تكرار ظلم الناس من قبل من كانوا بالامس مظلومين بقوله تعالي ( وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال) ، وحتي لا نجد أنفسنا ومعنا الجمع الشعبي نردد قوله تعالي ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) صدق الله العلي العظيم.
أقول هذا القول لأن من يتولي شؤن البلاد اليوم كانوا مظلومين بالأمس ولذا وبدافع من ديني ووطني وأخلاقي أتحدث بهذا الحديث بعد صمت طويل ألتزمته كشكل من أشكال الاحتجاج الصامت، لكن ثمة ظواهر أخذت تبرز في واقعنا ومسارنا الوطني دفعتني للتذكير لأن الذكري تنفع المؤمنين، بعد أن تكاثرت وتعالت أصوات من يترحمون علي الماضي القريب حيث كان الفقر يطحن ثلاثة أو أربعة ملاين وكانوا بفقرهم قادرين علي التعايش مع ( الفساد والفاسدين) فيما اليوم هناك ثلاثين مليون من الشعب فقراء يتسولون ما يسدوا به رمقهم من منظمات الاغاثة الدولية..؟!
أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وحين نري شعب يعاني من كل أشكال الفآقة فيما هناك طبقة جديدة تثري وبشكل لافت تزامنا مع حرب داخلية وعدوان وحصار وفي ظل حركة أقتصادية مشلولة وقطاع تجاري أخذ في تصفية أنشطته بعد أن تجرع مرارة الأبتزاز والاستهداف الممنهج، إذا كيف برزت طبقة الأثريا الجدد؟ ومن أين لهذه الحركة العمرانية النشطة مصادر تمويل؟
وكيف تكاثرت السيارات الفارهة في شوارع مدننا؟ وتناسلت الي جانبها المطاعم الفاخرة التي يتزاحم عليها مسؤلي اليوم، بل حتي أسواق القات غزتها نخبة من بائعي القات لا يتحدثون إلا بلغة الدولار والسعودي فيما أمثالي لو فكر بالاقتراب منهم يحتاج أن يتنازل عن راتبه أن كان له راتب لمدة أربع أو خمس سنوات مقابل تخزينة يوم واحد فقط..!!
أن هناء فقر مدقع وجوع غير مسبوق يجتاح مجتمعنا وهناء ثراء فاحش لنخبة كانت تشبهنا قبل أن يمن الله عليها وتصبح تمارس ذات الممارسة التي كانت تنتقدها فيمن سبقوها.
للموضوع تتمة
3 أكتوبر 2023م |