ريمان برس - خاص -
بعيدا عن تداعيات الماضي التراجيدية الماساوية التي شهدتها المراحل التاريخية الإسلامية المختلفة منذ واقعة (السقيفة) وما تلاء (السقيفة) من أحداث دموية كانت السلطة والنفوذ والرغبة بالسيطرة هم المحركات الأساسية للصراع، صراع حسمت قوانية دولة (بني امية) بالمال والسيوف، وجاءت على اثرها دولة (بني العباس) ولم تكن اقل من اسلافها بطشا وتنكيلا بمن يعارضها، بل تميزا رموز الدولة العباسية عن اسلافهم بظاهرة أكثر ترويعا وهي (نبش قبور خصومهم وإخراج الجثث وتعليقها في الميادين العامة)..!
لتأتي بعد سقوط الدولة العباسية دول وممالك شتى متناحرة فيما بينها رموزها مزعزي العقيدة سقيمي الوجدان لا هم لهم غير السلطة والسيطرة والنفوذ، وهذا دواليك ظل العرب والمسلمين في حالة تناحر حتى مع ظهور الناصر صلاح الدين الذي يمثل عهده نقطة مضيئة في تاريخنا العربي الإسلامي، لكن هذه الومضة المضيئة لم تدوم طويلا ليعود الجميع الي دائرة الصراع العبثي، إلا أن وصل (العثمانيون) ولم يختلفوا عن اسلافهم من الحكام والأمراء والملوك، وقد جاءت الدولة العثمانية بالكثير من الظواهر والبدع وكان أبرزها مخطط (تتريك العرب _بدلا من تعريب الأتراك) ورغم أن كل هؤلاء اتخذوا من الدين الإسلامي رافعة وشعار معلن إلا أن الإسلام لم يكن بجوهرة وقوانينه وتشريعاته وقيم وأخلاقياته حاضرا في سياسية كل هذه الدول إلا في نطاق خدمة هذه الدول المتعاقبة وبما يحقق أهداف وتطلعات القائمين عليها ويمكنهم من أحكام سيطرتهم ونفوذهم على رقاب العرب و المسلمين، فيما ظلت المتغيرات الاجتماعية غائبة، وظلت العدالة والكرامة الإنسانية بعيدتا عن الحياة اليومية للعامة الذي فرضت عليهم قيم وقناعات الحاكمية وحسب.
ليظل العرب والمسلمين يجترون مآثر المراحل المتعاقبة بكل افرازاتها الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية،
فإذا تأملنا في مسار وتاريخ كل هذه الحاكميات المتعاقبة سنجد أن العدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة المتساوية وكل الحقوق الفردية والجماعية التي كفلها الإسلام، كانت الضحايا الأبرز في سلوكيات هذه الحاكميات التي في غالبيتها كانت حاكميات منغمسة في صناعة القهر والاستبداد والتخلف الحضاري.
ومع سقوط الدولة العثمانية في بداية القرن الماضي وتقاسمت القوى الاستعمارية فيما بينها مناطق نفوذها، كان المشهد العربي _الإسلامي قد وصل لمرحلة من الانشطارات الذهنية والفكرية يصعب بل يستحيل إعادة ضبطها وفق النواميس والتعاليم الإسلامية، فيما ظلت العروبة بمثابة إيقونة تستوطن وجدان الحالمين غير أن الحرب الكونية الثانية جاءات بإفرازات سياسية وثقافية ألقت بظلالها على الهوية العربية التي كانت آخر المستهدفين في السياق الحضاري للصراع، وكما حدثت حالة الانشطار في الوعي الجمعي الإسلامي، انشطرت الهوية العربية في الوعي الجمعي العربي.
يتبع
21أغسطس 2023م |