ريمان برس - خاص -
( الإهدا : للأخ العزيز الأستاذ / عبد العزيز العقاب )
الإرهاب له اكثر من وجه ، وأكثر من وسيلة ، وأكثر من اداة ، فالإرهاب لا ينحصر تعريفه فقط في ممارسة القتل غير المشروع ، ولا هو في التخويف والأبتزاز ، ولا هو فعل موحد الهوية والهدف والغاية ، لكنه فعل متعدد وسلوك متلون ، وتصرفات تتباين وتتشكل بحسب المعطيات والاحتياجات اللحظوية للمجتمع او لبعض أفراد المجتمع الذين يعبرون عن انفسهم بمختلف الوسائل المشروعة والغير مشروعة..
التسليم بتعدد أوجه وأنشطة العمل الإرهابي يعني الأعتراف بوجود نواقص وثغرات في بنية التلاحم المجتمعي لأي مجتمع عانى او يعاني من ظاهرة الإرهاب ،لكن ثمة مشكلة خطيرة طرأت في سياق المعطيات السياسية والتفاعلات الاجتماعية وعلى المستويين الوطني والقومي ، مشكلة حضت او حظيت برعاية دولية وبدعم تقني غير معهود من ارقى بل من اعظم دول العالم التي ما برحت تعطينا دروسا في الإخلاقيات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية ، وتتحفنا وسائل إعلامها ورموزها بنصائح غاية في الإنسانية مثل حق الحرية والحق في الحياة الكريمة ، والحق في الحرية والديمقراطية ، ومفردات مثل المحبة والتسامح والعيش المشترك ، واحترام حرية الاديان ، واحترام حقوق الاقليات وتوفير المناخات الأمنة لكل افراد المجتمع ..مفاهيم ليس جديدة علينا فقد اوردها ديننا ونبينا قبل الف وخمسمائة عام ، والدليل ان رسولنا يقول عليه الصلاة والسلام ( انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق ) وفي هذا القول تأكيد على ان حتى عرب الجاهلية كانوا يتحلون بالقيم الاخلاقية وما بعث سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه إلا ليتممها ، ولو لم يكن لدى تلك المجتمعات العربية المؤغلة بالقدم قيم واخلاقيات لقال صلوات الله عليه انمابعثت لاعلمكم الاخلاق ، ولكنه لم يقول هذا بل قال بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ، غير ان الثقافة الاستعمارية او بتعبير ادق الثقافة الليبرالية التي بدورها انقسمت الى شطرين حسب تعبيرات كبار فلاسفة ومفكري الغرب ، قسم يتصل بعلاقة وثقافة وحياة الغرب ذاته ، وهذا القسم يكرس قيم واخلاقيات الليبرالية الاجتماعية ثقافة وسلوكا ومواقف وخطاب وعلاقة تعامل يومية ، وفيها يحترم القانون ويقدس الظستور او العقد الاجتماعي المنظم لحياة ومكونات المجتمعات الغربية ، التي تحترم الوقت وتلتزم بتعاليم السلطات الحاكمة ، كما تحترم حقوق بعضها وتقدس العلاقة بين مكوناتها بغض النظر عن الجنس واللون واللغة والهوية والدين والثقافة المكتسبة ، وايضا بغض النظر عن المكانة الاجتماعية ، وهناك قانون يقدسه الجميع ويفرض سلطته على الكل ، ويطبق بصرامة وحيادية بغض النظر عن مكانة الأفراد او الجهات التي تقف امام هذا القانون ، الذي يتعامل بعدالة ومساوة بين الجميع دون استثناء او مجاملة او نفاق ، وفي هذه المجتمعات الليبرالية الغربية نجد الإعلام بكل وسائطه وتقنياته إعلام موجه ومسخر لخدمة المجتمعات التي تموله من أموال دافعي الضرائب كما يعمل هذا الإعلام على توجيه قناعات الناس نحو اهدافهم ونحو اهداف دولهم وبما يعزز من تحصينات امنهم القومي ويدافع عن مصالح بلدانهم وحكوماتهم ومجتمعاتهم ، إعلام يؤدي رسالته بمهنية ومصداقية دون انحراف او تضليل او تزوير قناعات الناس ومحكوم بضوابط وتشريعات قانونية وتشريعية يلجاء لها أي متضرر وينصفه القانون بكل سلاسة ، وهناك إعلام أخر ليبرالي ومتوحش ويخدم مصالح حكوماته ودوله ومصالحهم الاستراتيجية وهذا الإعلام موجه للمتلقي الخارجي ، ويؤدي وظيفته بما يكفل بتحقيق مصالح الغريزة الاستعمارية وتضليل المتلقي الأجنبي ودفعه للمروق والفوضى والعبث والاستهتار بكل قيمه وتقاليده وتشريعاته وقوانينه الاجتماعية ، وكذا يدفعه ويغذي ثقافة التمرد لديه تجاه مجتمعه وانظمته وكل القيم والاخلاقيات المجتمعية السائدة وعلى مختلف المناحي وتحت شعار الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وانتصار الرغبات الذاتية للفئات والأقليات الاجتماعية على حساب وحدة الجغرافية والهوية والانتماء والمصير ..
الإعلام العربي ورسالة التضليل ..
يعمل الإعلام العربي تحت يافطة التحولات الحضارية والانفتاح وحرية الرأي والتعبير وكفالة الحقوق والحريات ، ويؤدي رسالة مهنية مستلبة وقاصرة ومثيرة للتقيؤ ، وهي رسالة لا علاقة لها بالمهنة الإعلامية كدور ورسالة ، وان كان الدور الإعلامي يعرف علميا ومهنيا بانه ( يقود الراي العام ويوجهه نحو اهدافه ) فان إعلامنا العربي للأسف يؤدي رسالة مهنية عكسية لا علاقة لها بالتعريف العلمي للإعلام ولا بالتعريف المهني للرسالة الإعلامية ، إذ يبدوا واضحا ان الوعي العربي المستلب انعكس بوضوح على الأداء المهني للوسائط الإعلامية التي برزت خلال العقدين الماضيين وهو بروز لا يخلوا من ( الشبهات ) ولا يخلوا من الدور الموجهة المدفوع من جهات خارجية في سياق الاستراتيجيات الاستباقية للمخططات الخارجية التي تتخذ من الوطن العربي تحديدا مسرحا لعملياتها الاستعمارية ولكن بسلوكيات راقية مجبولة بكل القيم والاخلاقيات الإنسانية ، على طريقة وصف فرعون لقومة حين قال ( لا اريكم إلا ما ارى ولا اهديكم إلا سبيل الرشاد ) او قول إبليس لأدم حين اخرجه من الجنة ( وقاسمهما اني لكم من الناصحين ) ..؟!!
هكذا عمل ويعمل الإعلام العربي بشقيه الوطتي والقومي للأسف ،ويمكن لأي راصد او مراقب ومتابع لأداء الإعلام العربي وطنيا وقوميا ان يرى رسالة الأركسة التي يؤديها هذا الإعلام بطريقة تدمر كل خلايا الوعي والانتماء والقيم الوحدوية الخلاقة والمفاهيم الإنسانية والحضارية ، ويمكن التوقف أمام احداث العراق وبالتحديد تلك الأحداث التي سبقت الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي وهو بالمناسبة اهم بلد عربي كان الرهان الغربي مجتمعا يقول ( إذا نجحنا بالعراق ، نكون قد حققنا هدفنا على كل المنطقة )وفعلا كان الغزو للعراق وما لحقه من تداعيات واحداث ومشاهد صادمة ومرعبة وثقافة بشعة برزت من بين ركام العراق ومن تحت غبار حرائق المحتل او القادم إلى بغداد بهدف جعله نموذجا للديمقراطية والتعائش والحكم الرشيد ، وها نحن ترى العراق وكيف أصبح ، ونرى المنطقة برمتها إلى أين وصلت ، وكل هذا حدث بفضل ماكينة إعلامية جندت كل طاقتها وقدراتها وإمكانياتها لتأسيس ثقافة ( التوحش ) بكل مساراتها الليبرالية ، والوطنية ، والقومية ، والطائفية ، والمذهبية ، والعنصرية ،وكل هذه المفاهيم انتظمت تحت يافطة ( الفوبيا الإسلامية ) بما رافق هذه ( الفوبيا ) من مفاهيم وقيم استلابية ذات سلوكيات تطبيقية متوحشة تخت مبرر إسقاط ( الطغاة ) إشارة للحكام العرب ، وتحت شعار محاربة الفساد وتطبيق فكرة العدالة الإنتقالية والحكم الرشيد ، وهي مفاهيم ليبرالية كاذبة وخادعة ، وهدفها فقط ليس الانتصار لمعاناة المواطن العربي الذي صدق مزاعم نخب ووسائط إعلامية وهرول للساحات ليغرق نفسه في مفردات ومفاهيم عنوانها حضاري وغايتها استلابي تدميري وتمزيق لكل الروابط الاجتماعية والوطنية والقومية ، والمؤسف ان نخب عربية سخرت كل قدراتها لإحداث هذا الإختراق التضليلي للعقل العربي الطافح فعلا من انظمة القهر والاستبداد والتخلف والفساد والنهب المنظم لخيرات الأوطان ، لكن كان هذا الإنسان وهو يبحث عن ذاته الفردية المنكسرة والمقهورة يعمل على تحطيم وتدمير الذات الوطنية والهوية ويمزق النسيج الاجتماعي بزعم التخلص من الاستبداد والديكتاتورية والطغاة والفساد وتحقيق حياة الرفاهية والاستقرار ..هكذا صور الإعلام العربي بشقيه الوطني والقومي الأحداث وكرس ثقافة النزوع الذاتي وغلب الطموحات الفردية والرغبات الفردية على الطموحات والرغبات الجماعية ،وعرفنا مفردات ومصطلحات تكرس النزوع الذاتي للفرد على حساب العمل والنزوع الجماعي ، مثل ( تفكيرك دليل شخصيتك _ كن قائدا _ كن مبادرا _ كن انت السباق للتغير _ كون مجموعتك من اجل الحرية _ لا تستسلم لتقاليد متوارثة ، انطلق نحو اهدافك الذاتية ) مفاهيم جلها تكرس ثقافة النزوع الفردي والتمرد على كل قيم ومفاهيم الترابط الاجتماعي بزعم إنها قيم وتقاليد تقليدية هي سبب تخلف الأمة ، وقد ترافقت كل هذه المفاهيم والقيم التمزيقية مع أقدام الأنظمة الغربية محورية التأثير على ممارسة سياسة الاحتوى المزدوج وهي سياسة برزت أكثر توحش بعد حادثة إيلول سبتمبر في الولايات المتحدة وهي الاحداث التي شكلت نقطة انطلاق للسياسة الليبرالية المتوحشة باتجاه الوطن العربي والعالم الإسلامي بذريعة مكافحة الإرهاب والذي تم حصره واختزاله بالعرب والمسلمين فبدأ الإرهاب إسلامي المنطلقات والهوية وهو ظلم وإجحاف بحق الإسلام وليس بحق المسلمين الذين يمكن وصفهم باختصار بأنهم مساهمين اصليين في تشويه دينهم خدمة للأنظمة الغربية المحورية او للأنظمة الثيوقراطية العربية / الإسلامية المرتبطة بالغرب والتي كانت ولاتزل المساهم والممول للمكونات والمسميات الإسلامية التي تربت وترعرعت في كنف الأنظمة المحورية الغربية ، وكانت جزءا من ادواتها في المنطقة والعالم ، وقد أوجدت احداث سبتمبر ثقافة توحش إستهدافية مارستها الانظمة الغربية ضد انظمة المنطقة ،لدوافع إبتزازية مسبقة ووفق سيناريوا احتوايي معد له من سنوات ولم تأتي تصرفات بعض الجماعات الإسلامية زعما إلا تعبيرا عن رغبة انظمة الغرب المحورية التي اتخذت من تصرفات بعض الجماعات المتلحفة بلحاف الإسلام ذريعة لتمرير مخططها الإستهدافي في المنطقة تعبيرا عن مصالحها وليس مجرد رد فعل مزعوم على هذه الجماعات التي وجدت لخدمة هذه الانظمة المحورية وليس لشيء اخر ..؟!
الغرب والجماعات المتطرفة ..
تعود العلاقة بين الغرب واجهزته وبين الجماعات المتطرفة إسلاميا لعقود مؤغلة وقد استخدم الغرب هذه الجماعات وتسويقها إعلاميا ضد العديد من انظمة المنطقة والعالم ، وكانت اليمن اولى محطات العنف المتطرف غبر هذه الجماعة التي يطلق عليها تحديدا بجماعة ( الإخوان المسلمين ) التي قررت ذات يوم مؤغل بالتخلص من النظام الإمامي الحاكم والمستبد في اليمن بنزام إسلامي شوروي _ مزعوم _ كبداية لانطلاق ( دولة الخلافة الإسلامية ) التي وفق معتقدات اسطورية لهذه الجماعة فأن دولة الخلافة لن تعود إلى بعودة اليمن وان انطلاق هذه الدولة لابد ان تكون من اليمن وبالتالي ووفقا لهذا المعتقد الاسطوري فان حادثة اغتيال الإمام يحي حميد الدين عام 1948م أشرف عليه وخطط له أمير إخواني جزائري الجنسية هو الفضيل الورتلاني وقد استقدم من قبل الإخوان للإشراف على عملية الأغتيال ونقل السلطة لعبد الله الوزير الذي كان ينتمي للجماعة تحت شعار أمامة دستورية حتى تحين لهم الفرصة المناسبة ليعلنوا بعدها اليمن مملكة إسلامية ذات نظام دستوري وكان الدستور الإمامي المزعوم هو الطعم الذي تمت بواسطته خداع القوى الريديكالية الرافضة لحكم وغطرسة الإائمة في اليمن ، غير ان هذا المخطط فشل حينها ، ثم قامت ثورة يوليو 1952م في مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر وبمشاركة ضابطين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين من اصل 26 ضابط شكلوا مجتمعين مجلس قيادة الثورة في مصر وكانوا هم قيادة الضباط الاحرار ..وكانت جماعة الإخوان المسلمين قد تأسست في مصر عام 1928م على يد مدرس يدعى حسن البناء وهو ينتمي لأسرة ( يهودية ) مغربية ، وتعرف أسرة ( البناء ) في المغرب بأنها أسرة مال وعلم وتنتمي للطائفة اليهودية ..!
كان الضابط جمال عبد الناصر قد تقدم عام 1947 م إلى الأمام حسن البناء وعرض عليه القيام بتدريب فدائي الإخوان لمواجهة معسكرات القوات البريطانية المرابطة بالسويس والإسماعلية في مصر ، وكان هذا هو الهدف المعلن لدى الجماعة وفي ادبياتها ولم يكن هدفهم السلطة او الحكم او تكفير المجتمع بل كان هدفهم مواجهة المعسكرات البريطانية حتى رحيلهم واستقلال مصر عن الوصاية البريطانية ومنع شيوع ( الدعارة المرخصة ) وبث الرذيلة وقوننة الفسق كما كان الحال في مصر حينها وبرعاية بريطانية ..؟!!
لهذه الاسباب تقدم الضابط جمال عبد الناصر وزملائه للإمام حسن البناء الذي رحب بهم ومكنهم فعلا من القيام بتدريب مجاميع من شباب الإخوان الذين كلفوا بمناوشات معسكرات الإنجليز في السويس والإسماعلية والقناة وبور سعيد ، غير ان عام 1948 م جاءا بإعلان قيام الكيان الصهيوني ونشوب الحرب العربية الأولى مع هذا الكيان والتي انتهت بهزيمة للعرب وبقيام الكيان الاستيطاني العنصري وبقيام جماعة من الإخوان باغتيال النقراشي باشا رئيس البرلمان المصري حينها ثم تبعه اغتيال علي ماهر رئيس الحكومة وهي الحادثتين اللتين تبراء منهما حسن البناء وكتب في صحيفة المقطم مقالا بعنوان ( لا إخوان ولا مسلمين ) ليتم اغتيال البناء بعد نشر مقاله هذا الذي اعتذر فيه للشعب المصري وتبراء ممن أقدموا على ارتكاب الجريمتين ، تم اغتيال البناء على يد الحرس الحديدي وهو جهاز مخابرات الملك فاروق وكان رئيسه هو حسين سري باشا زوج اخت مأمون الهضيبي المرشد العام للإخوان الذي خلف البناء ، لتبدا على اثر ذلك العلاقة المحرمة بين الأخوان والسفارة البريطانية في القاهرة او بالادق بدأ شهر عسل بين الجماعة والمخابرات البريطانية عبر الملحق العسكري البريطاني في القاهرة ..!!
مع قيام ثورة يوليو وتنصيب الرئيس محمد نجيب الذي ينتمي لأسرة سودانية وكان يحمل اعلى رتبة في الجيش فتم الاستعانة به ليكون رئيسا لمجلس قيادة الثورة لتتفجر في العام 1954م الازنة الشهيرة بازمة مارس بين الاخوان والرئيس ناصر وجاءت ازمة مارس بعد فشل الامريكان في مفاوضاتهم مع ناصر وبعد توقيع مصر اتفاقية الجلاء مع بريطانيا ورحيل القوات البريطانية عن مصر ، بعد هذا بدأ صدام ناصر والإخوان وانحياز اللواء محمد نجيب للجماعة فانتهى الخلاف بعزله وعزل ممثلي الجماعة من مجلس قيادة الثورة ..
تلكم كانت نبذة مهمة عن جماعة الأخوان لنعرف لاحقا كيفية نمؤ وإتساع دائرة العنف والتطرف من قبل بعض الجماعات ليتهم الإسلام وقيمه زورا بهذه التهم واهمها تهمة الإرهاب او الإسلام فوبيا ..
الجزيرة ..العربية .. الحرة ..!!
لو تمعنا في هذه المسميات ينجد أن هذه المسميات لم تأتي من فراغ ولكنها جاءات معبرة عن اهداف استراتيجية مرجوة التحقيق وحاملة لاهداف وغايات تحمل هذه المفردات معانيها إذا ما قمنا بجمع المفردات في سياق عنوان واحد ( الجزيرة العربية الحرة ) والعنوان يفسر نفسه وبوضوح ولكن ما نوع وشكل الحرية المراد تحقيقها في الجزيرة العربية ؟!!
هذا ما ستفسره لنا قناتي الجزيرة والعربية ،من خلال دورهما ورسالتهما الإعلامية منذ نشأت هاتين القناتين وانطلاق دورهما في تشكيل قناعات الراي العام العربي ، فإذا بدأنا بقناة الجزيرة فاننا سنجد انفسنا ومنذ لحظة انطلاقها امام مفردات إعلامية صادمة لكل صاحب قضية وطنية كانت او قومية ، فيما الاخر المغتر بالمفردات الليبرالية القاتلة سيجد فيها ضآلته ومتنفسه ، لانها ضآلة لكل من لا يؤمن بقضية ولا وطن وتحت شعار الحيادية والمهنية والانحياز للمهنة ، راحت الجزيرة تؤدي دورا إعلاميا ورسالة إعلامية قاتلة لا صلة لها بالمهنية ولا بالحيادية والاحتراف المهني فالمهنية تعني النقل الامين للأحداث من مصادرها ، ولكن المهنية لا تاسق مع التحليلات الإيحائية الموجهة التي تشد ذاكرة وعقل المتلقي إلى مسارات جانبية بعيدة عن اهدافه وهذا ما قامت وتقوم به قناة الجزيرة والعربية والحرة ..كيف .؟!
ربما يكون دور ورسالة الجزيرة والعربية في التعاطي مع القضية الفلسطينية نموذجا كافيا لندرك خطورة الدور التي ادته هذه الوسائط تجاه القضايا العربية وكيف عملت هذه القناتين تحديدا على تطويع العقل العربي وإحداث اختراق خطير في الوعي الجمعي العربي وفي ذاكرة المتلقي حين عملت وتحت مزاعم الحيادية على المساوة بين الضحية والجلاد بين المستعمر _بتسكين العين _ وبين _ المستعمر _ بتشديد العين والقناتين ساوتا بين العربي الفلسطيني المقاوم والمدافع عن ارضه وعرضه_ووطنه ووطن ابائه واجداده وبين الصهيوني القادم من كل اصقاع إلى ديار غير دياره وارض غير ارضه ولا يعرف فيها احد وليس له عليها او فيها قريب او حبيب او ذكرى او تاريخ ..؟!
لكن وحسب الجزيرة والعربية هي الحيادية والمهنية ونجد هذه القنوات إذا ما استضافت شخصية فلسطينة تعمل على استضافة شخصية صهيونية بزعم الحيادية ..؟!!
عملت هذه القنوات وتحت شعار مناصرة المقهورين ومقاونة الطغاة والمستبدين في النظام العربي على نبش وتسويق الثقافات الطائفية والمذهبية والعنصرية وتطويع عقل المتلقي لهذه المفاهيم وزرعها في ذاكرته باعتبارها ثوابت لابد من الانتصار لها باي صور من الصور ، اسقط إعلام الجزيرة والعربية الرمزية الوطنية والقومية وسفهتا الثوابت الوطنية والقومية وعملتا على إقناع المتلقي بان الفرد اهم من الجماعة وان الولاء الوطني والقومي شعارات استهلاكية وان الهوية العربية كذبة ووحدة المصير اسطورة ابتدعها الطغاة لاستبداد الناس وحفاظا على كراسي الحكام ..!!
نبشت القناتين في كل المحظورات وسفهتا كل القيم ودنستا بإعلامهما كل مقدس او رمزي كان وجوده يحافظ على قدر من التماسك المجتمعي ..ومن أكراد العراق ، إلى بربر الجزائر ، إلى طوارق المغرب وموريتانيا ، إلى أقليات العراق وما اكثرهم واقليات سورية ولبنان ، إلى مصر وفلسطين لدرجة التشكيك بالهوية العربية الإسلامية ، وكل هذا في سبيل التمهيد التلقائي لصعود جماعة الإخوان في المنطقة من صفوف المعارضة إلى كرسي الحكم ، ومن منا لم يتابع مثلا الجزيرة وهي تستضيف مفكرين وفلاسفة وكبار الكتاب والمحللين الذين اقنعوا الراي العام العراقي والعربي والعالمي بان في سقوط نظام الرئيس صدام حسين سيدخل العراق الأرض والإنسان جنة النعيم او سيتحول العراق إلى فردوس وجنة عرضها الوطن العربي من المحيط للخليج ..طبعا الكل صدق والمل سلم بهذه المنطلقات وبهذه المزاعم واعتقد إننا لا نحتاج لتعليق عن الحال التي يعيشها العراق العربي اليوم وماذا حل بهذا البلد العربي منذ مارس 2003 م وحتى اليوم بل ماذا حل بعد العراق بالوطن العربي وطنيا وقوميا ولا تزل التداعيات متواصلة فيما ادوات التغيير وهم جماعة الإخوان بدرجة أساسية ومعهم شلة أو مجاميع انتهازية حاقدة تبحث عن ذاتها المقهورة وان على حساب تدمير الأمة وقيمها وكل معتقداتها وهذا ما يتضح جليا في سورية ومصر واليمن وليبيا وفلسطين قبل ذلك والعراق وما حل فيه وبمكوناته ونسيجه الاجتماعي وكان الدور الكبير ابذي مهد لكل هذا هو الإعلام العربي الموجهة والذي مارس كل صنوف وأشكال الإرهاب ولا يزل ، بل دعونا نقف أمام مسارات ما يطلق عليه مجازا بالربيع العربي هذا الربيع التدميري الذي لم يكن ثورة ولا ثورات بل كان فوضى بأبشع صورها وان استغلت فيه معاناة البسطاء والمقهورين ممن تصوروا ان في خروجهم الطريق إلى الجنة الخالدة وإلى حياة الرفاهية ورغد العيش وان في إسقاط الانظمة نجاة وحربة الشعوب ، في هذه المسارات كان يكفي وصول مصوري الفضائيات وخاصة الجزيرة والعربية حتى يمارس المعتصمون كل صنوف الفوضى فيما اجهزة الامن عاجزة عن فعل أي شيء يضبط إيقاعات الحياة خشية من رد فعل الناطق الرسمي باسم البيت الابيض او 10 دونج استريت ) ..نعم كانت الجزيرة والعربية تقومان بدور المحرض التدميري ودور المزيف للحقائق والمفبرك للاحداث وهكذا عملتا على إثارة الفوضى والعنف عبر إعلام خبري وتحليلي كاذب ومخادع يخاطب غرائز العامة ويعمي قلوبهم ويصادر عقولهم ، ولم يكلف احدا من متابعي هذه القنوات نفسه بان يقف متسائلا عما حل بالعراق بعد سقوط النظام ؟ وأين هي الجنة الموعودة التي وعدتهم بها الجزيرة والعربية ؟ بل أين المحللين والمفكرين والكتاب ابذين استضافتهم القناتين وهما تمهدان للغزو وإسقاط النظام ؟ أين اختفى أولئك المحللون والمفكرون وكبار الكتاب الذين استعانت بهم القناتين ؟ واين اختفوا ولماذا وكيف ؟ ببساطة انتهى دورهم واناهت مهمتهم ، وبدت على اثر ذلك القناتين تبرران جرائمهما بالعراق بالتركيز على اخطاء قوات الاحتلال وعلى ضرب طوائف العراق ببعضها في محاولة لتمويه الراي العام المتلقي ومواصلة تضليله ولكن بطرق قائمة على قاعدة إذا اردت إخفاء الحقيقة قل نصفها ..؟!!
يتضح مما سلف ان هذا الإعلام لم يكن محايدا ولا مهنيا بل كان إعلام إستهدافي موجه ويدار من قبل خبراء مؤهلين لمخاطبة النوازع النفسية بعظ دراسة معمقة لنفسية المواطن العربي ومعرفة مكامن الضعف فيها ومن ثم توظيف كل هذه العوامل لتحقيق أهداف وغايات تخدم مخططات اعداء الامة ،وهذا السلوك هو سلوك إرهابي بامتياز فالإرهاب ليس من يحمل البندقية وحسب او من يفجر نفسه بالحشود الأمنة بل في الكلمة والدور والرسالة الإعلامية والخطاب الخاطيء والفتوى المسيسة والجاهلة والتعصب الحزبي تحت اي يافطة كان ..ان إرهاب الكلمة هو قاعدة انطلاق للإرهاب المسلح وما كان ليكون القتل والذبح والعنف والتوحش قائما لو لم تمهد له الكلمة وتمهد له وسائل إعلامية نافذة كقناتي الجزيرة والعربية اللتين استغلتا ثقة وإيمان المواطن العربي بهما ليدفعان به إلى الهاوية المدمرة والقاتلة ..؟!
ان التضليل الإعلامي مثل ويمثل رافعة للعمليات الإرهابية في كل ارجاء الوطن العربي ، والدور الذي لعبته قناتي الجزيرة والعربية اخطر الف مرة من كل العمليات الإرهابية ،فهما شاركتا في إرهاب دول وانظمة وحكام وسخرتا قدراتهما لمناصرة كتائب الموت والتوحش ومارستا أبشع وأسوى انواع التضليل والتزوير للحقائق ..؟!
يتبع الحلقة الثانية والاخيرة .. |