ريمان برس - خاص -
منذ تشكلت الأنظمة الثيوقراطية والأسرية في شبه جزيرة العرب بعد خفوت مدافع الحرب العالمية الثانية ، على يد الأستعمار البريطاني ، برزت أسرة آل سعود كحاضنة توجه وتتحكم بأنظمة الحكم الأسري في الخليج غير ان هذا النزوع التسلطي لأسرة آل سعود اخفق أمام أسرتي (آل نهيان ) و ( آل الصباح ) وهما النظاميين الأسريين اللذين ارتبطا بعلاقة مباشرة ومتينة مع ( لندن ) كما اعتمدت هاتين الاسرتين الحاكمتين على خصوصية داخلية تمثلت في أعتمادهما آلية انفتاحية داخلية عنونت طريقة التعايش الاجتماعي وهو التعايش الذي لم يحدث في السعودية التي اقتصر نفوذها وتسلطها لاحقا وخاصة بعد العام 1970 م على ( قطر والبحرين واليمن ) كانت هذه النطاقات الجغرافية الثلاث بانظمتها هي منطقة نفوذ وهيمنة وتسلط وغطرسة لنظام آل سعود ، فيما الإمارات ذهبت بعد إتحادهما العام 1971م تختط لنفسها نظام اجتماعي إنفتاحي بعيدا عن تسلط وهيمنة رجال الدين كما هو الحال بالسعودية ، نظام مغاير تماما لرغبات نظام آل سعود ، اجتماعيا وثقافيا وان بدت سياسيا تعمل وفق قانون المصلحة ، فيما البحرين اختطت لنفسها نظام اجتماعي مغاير للنظام في السعودية لكنها سياسيا ظلت وحتى اللحظة تابعة للنظام السعودي ، الكويت تميزت منذ مطلع الستينيات باتباعها نظام سياسي انفتاحي متحرر عن طقوس وتقاليد بقية الأنظمة الخليجية ورغم ان الكويت قامت تحت حماية الاستعمار البريطاني إلا انها اختطت لنفسها نظام سياسي أكثر تحررا من التقاليد الثيوقراطية ، واكثر استقلالا عن محاور الهيمنة والرعاية الخارجية ، فكانت الكويت عاصمة الثقافة العربية كما كانت ملاذا لحركة التحرر العربية وخاصة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) التي نمت وتأسست في الكويت واحتظنت الكويت كل رموزها وكثير من رموز اليسار العربي ، ولم تكن هذه الاحتظانة برئة من رعاية المحاور الخارجية بقدر ما كان الامر مرصودا وعربيا مقبولا وتشكر عليه الكويت ..!!
سلطنة عمان وحدها خرجت عن مظلة الرعاية السعودية منذ قرر السلطان قابوس التخلص من والده وتنصيب نفسه سلطانا وحل مشاكله مع جبهة تحرير ظفار ويتسلم رئيس الجبهة حقيبة السياسة الخارجية العمانية وهو الأستاذ يوسف بن علوي عبد الله ..!!
قطر بقت تحت المعطف السعودي والوصاية والغطرسة السعودية ، وكانت سياسة قطر الخارجية والداخلية ومواقفها السياسية مرهونة برضاء وموافقة الرياض التي اطبقت بسياستها على انفاس قطر وأستمر هذا الامر حتى تسعينيات القرن الماضي حين اقدمت الرياض على انتزاع منطقة ( سلوى ) الحدودية من قطر وهي المنطقة البرية الوحيدة التي تربط قطر بمنطقة الخليج وخاصة دولة الإمارات ، أي انها كانت منطقة عبور برية لقطر تربطها ببقية دول الخليج واليمن والوطن العربي ، فأقدمت الرياض على احتلالها بليل واعتبرتها جزءا من سيادتها ، الأمر الذي دفع حمد بن خليفة على الإطاحة بوالده الشيخ خليفة الذي كان ملتزم بالتبعية للرياض ولا يجرؤا على مخالفة اوامرها ، فجاء الإنقلاب عليه من داخل الأسرة بعد ان طفح الكيل من غطرسة ومجون آل سعود بحق قطر وسيادتها ومكانتها وعلاقتها الإقليمية والدولية ، ولعب حمد بن جاسم حينها دورا محوريا في الإنقلاب الذي اطاح بالشيخ خليفة ،ومن تابع حينها علاقة الرياض بالدوحة قطعا لن يلوم الدوحة على ما قام به حمد بن خليفة بحق والده بغض النظر عن التبريرات التي تداولت بعدها من منطق مع او ضد ما حدث ، وقد لعبت حالة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة دورا في تداعيات الاحداث الخليجية خاصة بعد تخلي مصر عن دورها القومي والمحوري وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران وبدء انطلاق الدبلوماسية الناعمة الإيرانية باتجاه منطقة الخليج ثم اشتعال الحرب العراقية الإيرانية ، وما تلاها من تداعيات اخطرها اجتياح العراق للكويت وفق مخطط كان ضحيته العرب والامن القومي العربي الذي جاء الغزو العراقي للكويت ليدق اخر مسمار في نعشه ونعش العروبة ولم يكن هناك مجال لاحتوى هذه التداعيات سوى محاولات دمشق التي جوبهت بالتصدي الحازم لها من قبل الغرب عامة وبعض العرب خاصة وفي المقدمة نظام آل سعود الذي توهم قادته انهم بتأمرهم على إخراج مصر من معادلة التوازن في المنطقة وزج العراق في حرب ضروس منهكة مع إيران ، ومحاصرة ريديكالية دمشق ، كل هذا سيعطي نظام آل سعود فرصة تراودها منذ التأسيس وهي زعامة الأمة العربية أولا ثم فرض هذه الزعامة على الأمة الإسلامية ومن ثم تصبح الرياض هي صاحبة الجلالة والخليفة المطاع والوصي الحصري على الأمتين العربية والإسلامية ، وهذا ما يمكن إستشرافه من خلال العدوان السعودي على اليمن المزعوم إعلاميا بمقاومة النفوذ الإيراني اي ان الرياض تحاول ان تعطي لحراكها السياسي الغبيء بعدا جيبوليتيكا وجيوسياسيا وهو بعد غير صحيح وغير دقيق فالرياض منذ نشأتها تؤدي دورا عضويا في خدمة اهداف محورية هي ابعد ما تكون عن البعدين القومي والإسلامي ،
أن ما تبحث عنه قطر هو الحماية من الهيمنة السعودية والتسلط السعودي بغياب الحاضنة المحورية القومية ..
يتبع |