الرئيسية  |  الاتصال بنا  |  فيس بوك
ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ - 
خاص عبد الغني اليوسفي 
مقدمة: ترانيم الوحدة.. تاريخٌ من القلب لا من الدفاتر
في تاريخ الأمم، غالباً ما تُكتب صفحات الإنجازات الكبرى بأقلام السياسيين وخطوات الجيوش. لكن في الحالة اليمنية، كانت هناك رواية أخرى، رواية عذبة نسجتها أوتار العود، وكلمات الشعراء، وروحانية المتصوفين

الإثنين, 22-سبتمبر-2025
ريمان برس -

خاص عبد الغني اليوسفي
مقدمة: ترانيم الوحدة.. تاريخٌ من القلب لا من الدفاتر
في تاريخ الأمم، غالباً ما تُكتب صفحات الإنجازات الكبرى بأقلام السياسيين وخطوات الجيوش. لكن في الحالة اليمنية، كانت هناك رواية أخرى، رواية عذبة نسجتها أوتار العود، وكلمات الشعراء، وروحانية المتصوفين، وجمالية التراث الشعبي. لم تكن الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990م مجرد قرار سياسي، بل كانت تتويجاً لمسيرة طويلة من التفاعل الوجداني والثقافي، الذي شكل النسيج الاجتماعي والفكري للشعب اليمني على مدى عقود قبل أن تُترجم إلى حقيقة على الأرض.
لم تكن طريق الوحدة السياسية سهلة، بل كانت محفوفة بالتحديات والانقسامات التاريخية التي رسختها قوى خارجية. منذ عام 1839م، انقسم اليمن إلى شطرين، شمالي يخضع للسلطة العثمانية وجنوبي يخضع للاحتلال البريطاني. وعلى الرغم من استقلال الشطرين لاحقاً، تباعدت مساراتهما السياسية. ورغم التوقيع على اتفاقيات متعددة لإقامة اتحاد فدرالي في السبعينيات من القرن الماضي في عواصم عربية مثل القاهرة وطرابلس والجزائر، إلا أنها لم تنجح في تحقيق الهدف المنشود، بل وصلت الأمور إلى حد الحرب بين الجانبين في عام 1972م. هذه الإخفاقات السياسية المتكررة تؤكد أن الوحدة لم تكن لتتحقق بقوة الدفع السياسي وحده، بل كانت بحاجة إلى ركيزة أعمق وأكثر ثباتاً، وهي ركيزة الإرادة الشعبية التي غذاها الإبداع الفني والثقافي.
هذا التقرير يستعرض هذه الركائز الوجدانية، متجاوزاً السرد السياسي التقليدي، ليغوص في أعماق الحركة الفنية والأدبية التي مهدت للوحدة، والأسس الدينية التي عززت التعايش، والموروث الشعبي الذي وحد الهوية، ليكشف عن أن الوحدة اليمنية كانت حلماً جماعياً، رسمه المبدعون قبل أن يوقع عليه السياسيون.
الفصل الأول: الأنغام كجسر.. رواد الأغنية الوحدوية
تحولت الأغنية اليمنية على أيدي جيل من المبدعين إلى أداة قوية للتعبير عن الطموحات الوطنية والوحدوية. لم تعد الأغنية مجرد وسيلة للتسلية أو التعبير العاطفي الفردي، بل أصبحت منبراً للتعبئة الجماهيرية، ومرآة تعكس معاناة الشعب وتطلعه نحو مستقبل موحد. كان هؤلاء الفنانون بمثابة رواد على الجبهة الثقافية، يمهدون الطريق للتحولات السياسية الكبرى التي كانت تتشكل في الوعي الجمعي للشعب.
1.1 محمد مرشد ناجي: أبو الفن اليمني وثورة الأغنية
يُعتبر محمد مرشد ناجي (1929-2013) واحداً من أبرز أعمدة الأغنية اليمنية، ويُلقب بحق بـ"أبي الفن اليمني". لقد كرس مسيرته الفنية، التي امتدت لأكثر من ستة عقود، لتطوير وإثراء التراث الغنائي اليمني. لم يقتصر إبداعه على لون غنائي واحد، بل أدى جميع الألوان اليمنية ببراعة، من الحضرمية واللحجية واليافعية إلى الصنعانية والتهامية، مما جعله جسراً فنياً يربط بين مختلف مناطق اليمن.
كان محمد مرشد ناجي فناناً مثقفاً وثورياً، يرفض الغناء للحكام أو المسؤولين، ويكرس فنه للوطن وبسطاء الناس، مما أكسبه احتراماً فريداً ومكانة شعبية واسعة. ساهمت إذاعة عدن، التي تأسست عام 1954م، في انتشار فنه وتقديمه للجمهور على نطاق واسع. تجاوزت شهرته حدود اليمن مع منتصف الستينيات، وأصبح له تأثير في الساحة الفنية الخليجية والعربية من خلال تعاونه مع فنانين بارزين مثل محمد عبده وفهد بلان. هذه الحقيقة تؤكد أن الهوية الثقافية اليمنية لم تكن معزولة، بل كانت حاضرة وفاعلة ضمن النسيج العربي الأوسع، مما أضفى على قضية الوحدة بعداً قومياً.
قدم المرشدي عدداً من الأغاني التي لا تزال تعتبر علامات فارقة في تاريخ النضال الوطني الوحدوي. من أبرزها أغنية "يا ظالم" التي قُدمت في حفل تاريخي في عدن عام 1956م. لم يكن هذا الحفل مجرد حدث فني، بل كان تحولاً ثقافياً واجتماعياً، لكونه أول حفل موسيقي يدفع الجمهور فيه رسماً نقدياً للدخول. كانت الأغنية، بكلماتها التي كتبها الشاعر عبدالله هادي سبيت، بمثابة إنذار غنائي للظالم، تعكس رفض الشعب للوضع القائم. وفي عام 1955م، قدم أغنية "سأنتقم" التي تحولت إلى لحن ثوري على لسان كل الناس. ولعل من أهم مساهماته في هذا المجال أغنية "وحدة" التي صاغ كلماتها الشاعر عبدالله فاضل فارع. كان النقاش حولها في صحيفة "الأيام" عام 1960م، مما يؤكد أنها صدرت قبل هذا التاريخ بسنوات قليلة، لتكون بذلك من أقدم الأغاني التي حملت اسم الوحدة صراحة، مما يبرز الأسبقية الفنية على القرار السياسي.
1.2 أيوب طارش عبسي: "صوت الوحدة" والملحمة الشعرية
يُعتبر الفنان أيوب طارش عبسي (مواليد 1942م) بحق "صوت الوحدة" ورمز الأغنية اليمنية بامتياز. صوته الشجي وألحانه العميقة لامست قلوب اليمنيين في كل مكان، وخاصة المغتربين، وأصبحت أغانيه جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية. كان أيوب طارش، الذي وُلد في تعز واستقر فيها، شخصية فنية تحمل في داخلها كل التنوع الجغرافي والثقافي لليمن.
أهم مساهماته الوحدوية، والتي يمكن اعتبارها ملحمة شعرية وغنائية متكاملة، هي أغنية "لقاء الأحبة" التي غناها عام 1985م، أي قبل خمس سنوات من تحقيق الوحدة رسمياً. هذه الأغنية، التي وثقت رسمياً في وزارة الثقافة اليمنية عام 2018م، لم تكن مجرد تعبير عن الشوق، بل كانت رحلة موسيقية عبر خريطة اليمن الموحدة. كلماتها، التي كتبها الشاعر الكبير إبراهيم الحضراني (1918-2007)، تتنقل بين مدن ومناطق مختلفة، وتذكر خيرات اليمن ومنتجاته الشهيرة، مثل "التتن" و"البن من سفح صعفان" و"العسل الدوعي". هذا التطواف الجغرافي ليس عابراً، بل هو تأكيد فني على وحدة الأرض والإنسان، وتجسيد للحلم المشترك.
والأمر لم يقتصر على الأغنية وحدها، بل إن حياة شاعرها إبراهيم الحضراني، الذي عاش بين ذمار وتعز وصنعاء، كانت تجسيداً حياً للوحدة قبل أن تتحقق. مسيرته الشعرية التي نضحت بالبعد الوطني والقومي، كانت تؤمن بوحدة الأمة، وهذا الإيمان انعكس في أعماله التي قدمها لأيوب طارش وغيره من الفنانين. لقد كان أيوب طارش، بأغنيته الخالدة، بمثابة فنان "يستبق" الحدث السياسي، فيعبر عن الأمل والحنين إلى لم الشمل، ويحول الوحدة من فكرة نظرية إلى شعور متجذر في الوجدان الشعبي.
أمل كعدل:-بلدها: عدن، اليمن (جنوبي)عنها: فنانة يمنية معروفة بصوتها العذب وإسهاماتها في الأغنية اليمنية الوطنية والعاطفية.أهم مساهماتها الوحدوية وتواريخها: "الوحدة اليمنية" (مع أحمد قاسم): كما ذكر أعلاه.
عبدالرحمن الحداد:-بلده: غير محدد في النص، لكن فنه يعكس الانتماء لكامل( عدن) اليمن. عنه: فنان يمني له أعمال وطنية معروفة.
أهم مساهماته الوحدوية وتواريخها: "وحدة وبالوحدة لنا النصر مضمون" (كلمات الشاعر أبو بكر المحضار): أغنية تؤكد على أهمية الوحدة كسبيل للنصر."مايو المجيد": تشير إلى احتفالات مايو بمناسبة الوحدة. تاريخ إنتاجها غالبًا ما يكون بعد تحقيق الوحدة عام 1990م.
أصوات وحدوية عابرة للحدود والجغرافيا
لم يقتصر الإسهام الفني في الوحدة على فنانين الداخل فحسب، بل امتد ليشمل أصواتاً يمنية عابرة للحدود، كان لها دور في إثراء المشهد الفني العربي، وفي الوقت ذاته، تعزيز الهوية اليمنية الموحدة.
أبو بكر سالم بالفقيه
يُعد أبو بكر سالم بالفقيه (1939-2017م) أحد أساطير الفن العربي، وهو فنان وموسيقار وشاعر وملحن يمني من حضرموت. بينما أشار النص الأولي إلى أغنية "يا سلوة الخاطر" كمثال على حسّه الوحدوي، فإن مساهماته في الأغنية الوطنية كانت أكثر وضوحاً في أعمال أخرى. لعل من أبرزها أغنية "يا بلادي واصلي"، وهي أغنية وطنية قدمها للسعودية. تكمن أهمية هذه الأغنية في قصة تأليفها، حيث ألفها ولحنها في 48 ساعة فقط، والأهم أنها حملت رؤية استشرافية عندما ذكرت "يا خادم الحرمين" قبل أن يُطلق هذا اللقب رسمياً على الملك فهد بست سنوات. هذا العمل يوضح كيف أن الفنان اليمني لم يكن منغلقاً على ذاته، بل كان له دور إقليمي فاعل، وكيف أن إبداعه تجاوز الحدود الجغرافية ليخدم قضايا عربية أوسع." أمي اليمن"
عبد الرب إدريس:
يُعرف الدكتور عبدالرب إدريس (مواليد 1946م) بأنه فنان وملحن وموسيقار يمني من مدينة المكلا بحضرموت، وليس من "أصول يمنية في السعودية" كما جاء في النص الأولي. نشأ في فترة شهدت إحياءً كبيراً للتراث الغنائي الحضرمي واليمني، وكان من مجدديه. كانت له بصمة قوية على الفن الشعبي في اليمن، ووصلت ألحانه إلى آفاق أوسع من خلال تعاونه مع كبار الفنانين العرب مثل طلال مداح، ومحمد عبده، وماجدة الرومي، وراشد الماجد، وغيرهم. هذا التفاعل الفني مع الساحة العربية يؤكد أن الهوية الثقافية اليمنية كانت جزءاً لا يتجزأ من الحراك الفني القومي الأوسع. من أهم أغانيه الوحدوية أغنية "عاش اليمن لا عاش زارع الفتن" ، التي تدعو صراحة إلى نبذ الفرقة والفتن، وتستحضر أمجاد اليمن الحضارية والتاريخية العريقة.
كرامة مرسال
كرامة سعيد مرسال (1946-2014) هو فنان حضرمي أصيل، بدأ مسيرته الفنية في عمر السابعة عشرة، واشتهر بأداء الفن الحضرمي وتجديده. لم يقتصر إبداعه على الأغاني العاطفية، بل قدم أيضاً أعمالاً وطنية خالدة للوطن. ولعل أبرز هذه الأعمال أغنية "يمن لا يمنان". هذا العنوان يحمل في طياته خلاصة الفكرة الوحدوية، ويؤكد على أن اليمن هو كيان واحد لا يتجزأ، وأن هويته لا يمكن تقسيمها إلى هويتين منفصلتين. كانت هذه الأغنية بمثابة بيان فني يؤكد على جوهر الهوية اليمنية الموحدة في مواجهة أي محاولات للتقسيم.
علي السمة :
كما غنى الفنان الراحل “علي عبدالله السمه” أغنيته الشهيرة “يا حبيبة يا يمن”، وكانت بحق رائعة وحدوية لا يزال لها حضوراً متفرداً.
فيصل علوي:- عنا الفنان فيصل علوي ١- إذا لم أكن لبلادي الفدا.. ولم أتصدى لكيد العدا.." "إذا لم أكن أول الثائرين.. وأسبقهم في اقتحام الردا.." "دفاعاً عن الحق في تربتي.. وفاءً لمن مات واستشهدا" هذه الأغنية تمثل دعوة للوحدة والدفاع عن الوطن ضد الأعداء. ٢-
عمر غلاب :-.وغنا أيضا فنان اليمن “عمر غلاب” رائعته الفنية “عالي فوق الشهب يا يمن السعيد”.
عوض احمد: وغنا عوض أحمد “أماه” مناجيًا فيها اليمن ومطوفًا على مدنها العظيمة صنعاء وعدن وحضرموت وإب وغيرها.



الفصل الثاني: أركان الوحدة.. التراث الشعبي والأساس الروحي
لم تقتصر عوامل الوحدة على الأغنية والشعر فحسب، بل امتدت لتشمل ركائز ثقافية ودينية أعمق وأكثر تجذراً في المجتمع اليمني، كان لها دور أساسي في ترسيخ مفهوم الهوية الواحدة عبر العصور.
2.1 الوحدة الدينية: تعايشٌ تاريخي وتسامحٌ أصيل
شهد المجتمع اليمني لقرون طويلة تعايشاً تاريخياً فريداً بين مذهبيه الرئيسيين: الزيدية في الشمال والشافعية في الجنوب. هذا التعايش لم يكن مجرد صدفة، بل كان حالة من السلم الاجتماعي أفرزتها عدة عوامل عميقة. من هذه العوامل محبة أهل اليمن لآل البيت، والتقارب الفقهي بين المذهبين في العديد من المسائل، بالإضافة إلى انفتاح الفقهاء من كلا المذهبين على بعضهم، وتبادلهم للمعرفة. الأهم من ذلك، أن المجتمع اليمني لم يعرف وجود مساجد خاصة بكل مذهب، بل كانت دور العبادة موحدة للجميع، كما أن الاندماج الاجتماعي من خلال علاقات المصاهرة والزواج كان شائعاً بين أتباع المذهبين دون أي إشكالية.
هذا الواقع التاريخي المتناغم يتناقض بشكل حاد مع واقع الصراع الطائفي الحديث الذي لم يعرفه اليمن إلا في الآونة الأخيرة. تشير الدراسات إلى أن الصراع المذهبي هو ظاهرة دخيلة على المجتمع اليمني، بدأت بوادرها مع حروب أهلية بعد الوحدة في 1994م، وتفاقمت لاحقاً نتيجة لدخول مذاهب وطوائف دينية ليست من التكوينات اليمنية الأصيلة، وبتأثير من أيديولوجيات خارجية. هذا التناقض يوضح أن الصراع ليس متأصلاً في الهوية اليمنية، بل هو نتاج للتشظي السياسي الذي بدأ يلقي بظلاله على النسيج الثقافي والاجتماعي.
بالإضافة إلى المذاهب الرسمية، كان للتصوف دور كبير كركيزة روحانية جامعة. دخل التصوف إلى اليمن عبر حضرموت في القرن الرابع الهجري ، وانتشر في المناطق الساحلية وارتبط بالمذهب الشافعي. وعلى مدى أكثر من ألف عام، تغلغلت الصوفية في المجتمع اليمني حتى أصبحت بمثابة "مذهب ديني ثالث"، يجمع بين طابع الفقه السني والشيعي، ويوفر مساحة للتسامح والود. هذا التراث الروحاني، الذي تميز بطقوسه وموالده واحتفالاته، أضاف بعداً آخر للوحدة من خلال العمق الروحاني. لكن هذا التراث بدأ في الاندثار في ثمانينيات القرن الماضي مع تصاعد التيارات السلفية التي اعتبرت هذه الممارسات "بدعاً" أو "شركاً بالله".
2.2 الوحدة الثقافية: إبداعٌ يوثق الهوية المشتركة
تتجسد الوحدة الثقافية في الموروث الشعبي الذي يمثل الهوية المشتركة لليمنيين. هذا الموروث، الذي يمتد من العمارة التقليدية إلى الأزياء والحلي والحكايات، كان شاهداً على وحدة الشعب، حتى في أحلك أوقات الانقسام.
يبرز دور الدكتور محمد سبأ، وهو فنان تشكيلي وباحث في التراث الشعبي من محافظة إب، في توثيق هذه الهوية المشتركة. لا يعتبر الدكتور سبأ عمله مجرد اهتمام شخصي، بل مشروعاً وطنياً يهدف إلى مقاومة التشظي الثقافي الناتج عن الانقسام السياسي. من خلال مؤلفاته مثل "فنون التشكيل الشعبي في اليمن"، يقوم بتوثيق الفنون الشعبية، من العمارة والحلي إلى أعمال الخشب والمنسوجات. كما خصص رسالة الماجستير لدراسة الأزياء والحلي اليمنية، معتبراً إياها جزءاً مهماً من التراث الثقافي.
عمله الفني، الذي يعرض فيه التراث الشعبي في لوحاته، لا يخدم الماضي فقط، بل يقدم درساً للأجيال الجديدة بأن هناك هوية مشتركة تتجاوز الخلافات السياسية. وهذا يوضح أن التراث اليمني لم يكن مجرد موضوع للاحتفاء، بل هو أداة مقاومة ثقافية. الحفاظ عليه هو جزء من معركة الحفاظ على الهوية الوطنية الموحدة.
خاتمة: إرثٌ حيٌ في مواجهة الواقع
في الختام، يكشف هذا التحليل المعمق أن الوحدة اليمنية، التي تحققت في 22 مايو 1990م، لم تكن مجرد نتاج لمفاوضات سياسية، بل كانت ثمرة لمسيرة طويلة من النضال الفكري والثقافي والوجداني. لقد عمل مبدعون من مختلف مناطق اليمن على نسج خيوط التماسك والترابط في وجدان الشعب، ليتحول الحلم الجماعي إلى حقيقة ملموسة في قلوب اليمنيين.
من خلال الأغنية، غرس فنانون مثل محمد مرشد ناجي وأيوب طارش عبسي حلم الوحدة في أذهان الجماهير قبل عقود من تحقيقها، ووصلت أصوات مثل أبو بكر سالم بالفقيه وعبدالرب إدريس إلى الساحة العربية، مؤكدة على أصالة وفاعلية الهوية اليمنية. وفي الوقت نفسه، قدمت أسس التعايش الديني، الذي استمر لقرون بين الزيدية والشافعية، دليلاً على أن التسامح كان هو الأصل، وأن الصراع الحالي ليس تاريخياً بل هو ظاهرة طارئة. كما عمل فنانون وباحثون مثل الدكتور محمد سبأ على توثيق التراث المشترك، مؤكدين على أن الهوية اليمنية لا يمكن أن تنقسم.
إن ما يحدث اليوم من تشظٍ سياسي قد أدى إلى تشرذم ثقافي، وهو يمثل تناقضاً صارخاً مع الإرث الوجداني الذي بناه المبدعون. ومع ذلك، يظل هذا الإرث الثقافي هو الوقود الحقيقي لإعادة بناء ما تهدم، وتجديد الإيمان بأن الوحدة ليست مجرد ذكرى من الماضي، بل هي هوية متجذرة في التاريخ. إن الحفاظ على هذا الإرث وتوثيقه هو جزء لا يتجزأ من معركة الحفاظ على اليمن.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS

مختارات
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½)