ريمان برس -
في اليمن فقط يمكنك أن تقول أي شيء وفي أي شيء الا " الحقيقة" لا يمكنك أن تقولها لأن قولها كفيل بجعل كل الأطياف والوجاهات والشخصيات السياسية والثقافية، تمقتك وتحرض عليك، وتلعن يوم ولادتك.. لأن " الحقيقة" تعري الجميع، والجميع يهربون منها، لأنها تعريهم وتكشف حقيقتهم، لذا الكل متفق على طمس الحقيقة وعدم التقرب منها، والعيش بسطحية وتناول ما يسوق من مفاهيم ومعلومات كلها زائفة ومظللة وبعيدة كل البعد عن الحقيقة، لكنهم يسردون ما يسردون من مفاهيم ومعلومات وكأنها حقائق وهي كلها أكاذيب يتدثرون بها خوفا من مواجهة الحقيقة، التي يصر الكل على تجاهلها وطمس معالمها، وعدم ايصالها الي الذاكرة الجمعية، سوي كانت الحقيقة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية وفكربة، أو حتى تاريخيه أو دينيه..!
في اليمن فقط كل شيء مزور، وكل شيء تم تزيفه، وتحريف وقائعه، سوي كان التاريخ، أو كانت أحداثه، قديمة كانت أو حديثه، فكل تاريخنا مزور ومشوه، وكل أحداثه محرفة، وما تم تدوينه من إحداث متصلة بناريخنا لا تمثل الحقيقة، بل سرديات محرفة ووقائع ملفقه لا صلة لها بما حدث ولا تعبر عما حدث فعليا..!
حتى مقولة " التاريخ يكتبه المنتصرون" لا تنطبق على تاريخنا الحالي بالسرديات المغلوطة والمفبركة التي صممت لطمس كل أثر للحقيقة..!
المؤسف أن قلة من الباحثين منهمكين في البحث عن حقائق تاريخنا وأحداثنا فيما الغالبية يتجاهلون هذا الجانب، بل ويصرون على اغفاله، وكأنهم قابلين بهذا الحال وبعدم الاقتراب منه أو " نبشه" في إصرار غريب علي تجاهله وكأن فيه ادانتهم..؟!
والمؤسف أكثر أن السلطات المتعاقبة حريصة على تجاهل هذا الجانب وعدم الأهتمام به وأن من باب التوثيق، سوي تعلق الأمر بمراكز الدراسات الرسمية أو بالجهات المعنية بتوثيق الأحداث الوطنية، سوي القريبة منها أو التي تتصل بمسار الثورة اليمنية على سبيل _المثال لا الحصر _..!
وكل ما قيل عن أحداثنا الوطنية منذ قيام الثورة اليمنية حتى اليوم تنطبق عليه مقولة " إذا أردت إخفاء الحقيقة قل نصفها"..؟!
أحزاب سياسية وفعاليات وشخصيات اجتماعية ووجاهية، شاركت بهذه الأحداث، لكن حين تقف أمام مذكرات هذه الأحزاب والفعاليات والشخصيات، تجد نفسك أمام سلوكيات "نرجسية" كل طرف ينسب لنفسه صناعة الأحداث ويظهر نفسه البطل وصاحب الفضيلة والبقية" متهبشين "و" متسلقين "و " مدعين" ولولاء "هو" ودوره، لما كانت الثورة، ولما كانت الجمهورية، ولما كانت الوحدة وووو.. الخ..!
لم أجد في سيرة غالبيتهم ولو بعضا من الحقيقة، بل وجدت "بطولات فردية" تسوق، ومحاولة من أصحابها تطهير أنفسهم وتبرئيتها من تهم وجهت إليها، نموذج هذه السير _مثلا _" سيرة حسين المسوري " الذي اعطي نفسه أدوار بطولية لم نسمعها إلا منه..؟!
حتى المرحوم المناضل اللواء والرئيس عبد اللطيف ضيف الله _رحمة الله تغشاه وتسكنه الجنة _ الذي لم يقل كل ما يعرفه بدافع من كرم إخلاقي وحتى لايورث البغضاء لأفراد أسرته من بعده، إدراكا منه أن قول الحقيقة سيغضب شخصيات نافذة في الدولة والمجتمع، سيرتد الأمر حتما على افراد أسرته، الحال كذلك مع المناضل عبد الغني مطهر، فيما من حشوا صفحات مذكراتهم بالأكاذيب، سردوا قصصا خيالية، حتى أصبحت اترحم الف مرة على الدكتور عبد الرحمن البيضاني _ رحمة الله تغشاه _ كلما وقعت بيدي سيرة أحدهم..!
لأن الدكتور البيضاني _رحمة الله تغشاه _كان يوثق الأحداث بما فيها تلك الشخصية مع زملاء مرحلته.
وحين شنت عليه بعض الحملات رد على أصحابها بما خطوه بأيديهم ولم يقل عنهم شيئا من عنده..؟!
وأتذكر ذات يوم مؤغل كنت في ضيافته بمتزله في حده برفقة الزميلين جار الله على محمد، وعبد الباقي إسماعيل العريقي، وفؤجئت بوجود اللواء حمود بيدر الذي كان يؤمها يشغل رئيس " هيئة رعاية أسر الشهداء" على ما اتذكر، ودار بيني وبين اللواء حمود بيدر حوارا ساخنا حول حركة 13 يونيو وقائدها الشهيد إبراهيم الحمدي، حتى قادنا الحوار الي ثورة 26 سبتمبر وما تلاها من إحداث وهنا تدخل الدكتور البيضاني وسرد أمامنا بعض من أهم أحداثها، ولم يعترض اللواء حمود بيدر على كلام الدكتور البيضاني بل أيد كل ما قاله، لكن اللواء لم يذكر في أي مقابلة له ما قاله الدكتور البيضاني في منزله ووافق عليه اللواء، في تأكيد على أن تاريخنا مبتسر ومشوه..!
وأن ثمة اتفاق على طمس حقائق الأحداث الوطنية مجمع عليه من قبل جميع الجهات والفعاليات السياسية والحزبية، بما في ذلك السلطة وأجهزتها، واللافت أن القوي السياسية والحزبية تشارك في تكريس الظاهرة لدرجة يبدو أنها تخجل من تدوين تاريخها وأحداثها ودورها النضالي الوطني، وتتماهي مع السلطة وأجهزتها في تغييب حقائق الأحداث الوطنية وابطالها الحقيقيين وليس المزورين..؟!
حتى الأن لا زلت متشوق لقرأة مذكرات القاضي عبد الرحمن الإرياني _رحمة الله تغشاه _ مع علمي أن ما صدر منها ليس كل ما دونه القاضي بل حصل تدخل وتم " تشذيب" المذكرات أو "تهذيبها" إتقاء لغضب بعض النافذين الأحياء..؟! |