ريمان برس -
تخيم على سمائنا سحب القهر، تحجب عنا كل ممكنات الفرح وأشعة الاستقرار والسكينة، سحب تفرز في أجوائنا أنزيمات الخوف والقلق التي تدخل الي مساماتنا تعبث بكريات الدم، تجمد في الشرائين سائل الحياة وتحوله الي "وتر صلب" يفقدك كل ممكنات الحياة، فيغدوا الرحيل قدرا مشفوعا بجبال من الألم يستوطن وجدان وذاكرة بقايا أحياء لم تحين لحظة رحيلهم إلى حيث يجب أن يرحلوا في عالم من الخلود الأبدي ليس فيه "موت" بل حياة مرتقبه حين يريد الله سبحانه وتعالى أن يعيدها لعباده..!
كأوراق الخريف يتساقط الأحبة والأصدقاء والزملاء والأهل والأقرباء، يرحلون بصمت دون أن يمكنونا من وداعهم الوداع الأخير..!
يرحلون تباعا غير أبهين بمن تركوا، يرحلون وهم مبتسمين فيما نحن نكتوي بحسرات الرحيل وقهر الفراق لأحباب لم نلتقي بهم قبل رحيلهم، بل فجأة نسمع برحيلهم فتأتي اخبار رحيلهم كصواعق تضرب كل الحواس ومكامن الاستشعار التي بها ميز الله سبحانه وتعالى عباده من البشر عن بقية مخلوقاته..!
تتراكم الأحزان في تجاويف النفوس الملتاعة المرتقبة لدورها في الرحيل الذي يجهل الراحل توقيته وطريقته وزمانه ومكانه، لكنه مع كل هذا الجهل ينتظره لأنه أتى حتما و " لكل أجل كتاب"..!
قطعا "الموت" ذاته لا يرعبنا لأنه الحقيقة المطلقة في الكون، ولأنه القدر الحتمي لكل الأنفس التي بث فيها الله سبحانه وتعالى من روحه، لكن طريقة " الموت" هي التي ترعب ولذا فأن "حسن الختام" هو الغاية المرجوة من الخالق جلا وعلا وليس هناك أجمل ولا أعظم من نهاية طبيعية و" حسن ختام" نودع بها الدنياء والأهل والأحباب والأقرباء والأصدقاء، ونرحل بعيدين عنهم بقلوب نقية ونفوس راضية بقدرها وبما قسم الله لها في هذه الحياة..!
أن "الموت" هو الحقيقة الوحيدة في الكون، ومع ذلك هو الحقيقة التي نتغاضي عنها ونجهلها، ولا نشعر بها إلا لحظة حدوثها، حينها حين نصدم بفقدان قريب أو عزيز أو اخ أو زميل أو صديق، نقف أمام هيبة " الموت الحقيقة" وجبروته حياري نتسائل عن القادم، ومن الراحل؟ ومتي؟ تساؤلات عبثية ليس لدي البشر إجابات عليها ولا قدرة على التنبوء بحدوثها، ومع ذلك يبدأ الحزن كبيرا عظيما مخيفا مرعبا، ثم يتلاشي مع الأيام حتى ننسى، ونغوص في معترك الحياة بطريقة توحي وكأننا مخلدون في هذه الحياة، ننسى من ودعنا ومن حزنا عليهم وبكينا وذرفنا عليهم الدموع، ونعيش حياة طبيعية وكأن لا " موت" فيها ولا رحيل قادم..؟!
حياة جدلية أوجدها الخالق سبحانه وتعالى في تركيبة عباده ومكوناتهم النفسية والفكرية، جاعلا من النفس البشرية العدو الأكبر والأخطر على حاملها واعتبرها " أمارة بالسوء" إلا من رحم.. وجعل " التقوى" منه وبه سبحانه مخرجا يقي الإنسان من شر نفسه وشرور الدنياء واطماعها، بما فيها "المال والولد" اعتبرهم سبحانه أعداء، أن جعلوك تهتم بهم والدنياء وتنشغل بهم والدنياء، دون أن تعطي نفسك متسعا لاهتمام بيوم الرحيل والأنشغال بزاد الرحيل، والتفكر فيه..؟!
أن قهر الحياة امتحان، وألم الرحيل ندم ليس على من رحل، بل على ذات تدرك أن رحيلها حتمي وقادم..!
نعم ظاهريا يمكن أن نقول أن ألم فراق الأحباء والأقرباء والأصدقاء، ظاهرة طبيعية لكل ذو قلب، لان " الموت" ظاهرة حياتية من لم يخشع له لا يعتبر من البشر لأنه فعل إلهي مباشر وتعبيرا عن جبروت الله سبحانه وتعالى وقوته وإرادته ومن ذا في كل هذا الكون قادر على حماية أيا كان من البشر من "الموت"، لكنه ايظا لحظة تأمل وندم وخوف وترقب للحظة مماثلة قادمة نحوك فأيا كنت وكانت قوتك ستأتيك هذه اللحظة..!
رحم الله كل من رحل من الأهل والأعزاء والأقرباء والأصدقاء واسكنهم فسيح جناته.. ونسأل الله أن يحسن خاتمتنا وخاتمة كل من يقراء هذا المقال.
إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم. |