ريمان برس - خاص -
الخيانات السياسية هي تلك العمليات الغادرة التي يقوم بها طرف ضد طرف أخر، في سياق تنافس سياسي واجتماعي، إذ يلجي طرف للتخلص من خصمه عن طريق الاغتيالات السياسية من خلال كمين في طريق، أو دسم السم على طعامه أو شرابه، أو في وليمة غداء، أو في تفجير طائرة الخصوم، أو من خلال حادث مروري مدبر، وهناك عمليات أخرى مثل ذهاب احد أطراف الخصومة للاستنجاد والاستعانة بالخارج ضد الداخل، وتعد اليمن أكثر المجتمعات التي عرفت الخيانة والغدر بين النخب السياسية المتنافسة فيما بينها..!
منذ " سيف بن ذي يزن" و"ذو نواس الحميري" مرورا بكل الممالك والسلطات والأنظمة التي تعاقبت على اليمن، كانت الخيانة وكان الغدر، من الأدوات المهمة في صراع المتنافسين، ظاهرة يتواصل حضورها حتى اليوم، ورغم التحولات التي شهدتها البلاد، ودرجة الوعي الجمعي، الذي توصل إليه افراد المجتمع والنخب السياسية، وحالة التسامح الظاهرة بين الطبقات السياسية والاجتماعية والوجاهية المختلفة، إلا أن ظاهرة الخيانة والغدر بالخصوم والمنافسين السياسيين، ظلت تتطور وتفرض اجندتها على الجميع، ولا يمكن الاستغناء عنها طالما هناك فراغ في أجندة المواطنة، وفراغ قانوني ودستوري، وغياب كلي لدور الدولة الوطنية، التي صعب الوصول إليها في ظل تنامي " العصبية القبلية"، وإصرار رموز ووجهاء القبيلة على إبقاء القبيلة فوق الدولة وأكبر من السلطة، واعرافها فوق النظام والقانون..!
إذا ما تناسينا خيانة وغدر المراحل التاريخية القديمة ورموزها وابطالها وضحاياها، ووقفنا أمام خيانة وغدر تاريخنا الحديث، سنجد اسوي انواع الخيانات والغدر، ما شهدتها البلاد على مدى ستة عقود من عمر الثورة اليمنية سبتمبر و أكتوبر..!
خيانات لم تقف عند خيانة رموز ووجهاء القبائل للثورة ورموزها وابطالها، ولا تقف عند "خيانة الجبهة القومية" "لجبهة التحرير" أو خيانة الحزب الاشتراكي لترويكا العمل الوطني، قبل أن تطال الخيانة والغدر صفوف الحزب ذاته..!
ولا تقف عند خيانة "المؤتمر للحزب الاشتراكي" ثم خيانة وغدر " الإصلاح بالمؤتمر" وخيانة المعارضة لاحقا للوطن والنظام بأكمله، ثم ما حدث في ديسمبر 2017م على ضوء ما تم كشفه مؤخرا..!
أن الخيانة والغدر في القاموس السياسي اليمني جزءا اصيلا من سلاح المواجهة، فقد تجد الخيانة داخل الفصيل الواحد والحزب الواحد والمكون الواحد، وتجد الغدر داخل القبيلة وفيما بين رموزها، وداخل مفاصل السلطة، لأن الخيانة والغدر جزءا من هوية الرموز السياسية كانت في السلطة أو في المعارضة..!
أن الفرق مثلا بين اغتيال الحمدي وسالمين هو أن الأول ذهب بأمر القبيلة والثاني ذهب بأمر الحزب، والقبيلة هي من فجرت أحداث 13 ينائر 1986م وهي من فجرت حرب صيف 1994م وهي ذاتها من فجرت أحداث 2011م وهي من اغتالت الرئيس " صالح" ونصبت بديلا عنه زعماء جدد للوطن والقبيلة..؟!
اليوم نحن والوطن أمام اشكالية الثنائية الدينية اللذان يتنازعان الشرعية الوطنية والسيادة والقرار، فيما بقية القوي التقدمية المستنيرة تقف متفرجه على هذا الثنائي، عاجزة عن دحرهما عن المشهد، وعاجزة عن التدخل لفرض رؤيتها الوطنية عليهما وحسم الخلاف لصالح الغالبية الشعبية، بما في ذلك المؤتمر الشعبي الذي يفترض انه كان حزب الحكم لثلاثة عقود، لكنه للأسف كان مخترق من قبل هذا الثنائي المهيمن اليوم على الساحة الوطنية..؟!
فيما بقية الفعاليات تحولت إلى قبائل مصغرة عاجزة عن ترجمة أفكارها الي سلوكيات ورؤى وخطاب وموقف.. وأصبحت بالتالي مجرد مسميات ليس لها من اسمائها نصيب..! |