ريمان برس -
يعيد التاريخ نفسه عند الشعوب والأمم التي لا تتعض من أحداثه، ولا تحفظها، ولا تحاول تلافي الأسباب التي تجعل أحداث التاريخ وخاصة المؤلمة منها تبقى ضيفا ثقيل الظل يكرر زيارته غير المرحب بها لهذه الشعوب والأمم التي عودة نفسها على تجاهل التاريخ وأحداثه..!
من " دمشق" بدلا عن " بغداد" يعود "هولاكو" ولكن هذه المرة العودة مختلفة، وبأدوات ووسائل مختلفة ايظا، عودة "هولاكو" هذه المرة ليس على " صهوة جواد" بل على " قطار التطبيع" وفق منطق الأمر الواقع، وتحت شعار "سلام القوة" الذي اتخذه "دونالد ترمب" رمزاً وشعاراً لمرحلته، كما رفع شعار "أمريكا أولا" مؤكداً أن هذا العصر هو " عصر أمريكا الذهبي"..؟!
قد لا تكون القيادة الجديدة في" دمشق" مدركة لما ينتظرها، لأن "هولاكو " عاد هذه المرة بصورة" دونالد ترمب"..!
عودة وليس فينا اليوم "بيبرس، أو قطز " لكن لدينا الكثير من أحفاد "أبن العلقمي"..!
ولدينا الكثير من إرث" نابليون " الذي كان أكثر ذكاء من "هولاكو " لأنه ترك أثاره على الجغرافية والوعي، ولهذا كان لحملته الأثر الأكبر في تصدع جدار الدولة والأمة، والدولة التي اقصدها هي دولة الخلافة التي أخذت في التصدع بسبب " مدافع نابليون" ومطبعته" وبسببهما فتحت" نوافذ الوصاية الغربية" على أمتنا العربية والإسلامية، ومع كل قطعة كانت تسقط من جدار الأمة والدولة، كانت نوافذ الوصاية الغربية تزداد إتساعا..!
بداية القرن الماضي انهارت" دولة الخلافة "وأندثرت بسلبياتها وإيجابياتها وتشطرت جغرافية أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأله، فنشأت إمبراطوريات بديلة مهمتها الحيلولة دون وحدة جغرافية دين محمد، ودون وحدة جغرافية قومه _الوطن العربي _..!
ولدت الجمهورية التركية على انقاض دولة الخلافة، وتمزق الوطن العربي بالمقابل إلى كيانات وطنية متعددة الهوية والأهداف والغايات، فكانت الحصيلة زرع الكيان "الصهيوني" في قلب الأمة.. وكما لم تكن " ألمانيا" كما يقال مجرمة بحق " اليهود" بقدر ماكانت ضحية للحسابات الاستعمارية الغربية _الأمريكية، وكانت الرغبة هي منع "ألمانيا القومية" من أن تصبح قوة اقتصادية عظمى في أو روباء وكان لابد من إذلالها في "اتفاقية فرساي" كما ذلت دولة الخلافة، فأن نتائج الحرب الثانية التي تفجرت بسبب رغبة "الألمان الثأر لهويتهم والرد على" اتفاقية فرساي" التي أذلتهم"، كانت فلسطين هدية لليهود " وتعويظا لهم عن تضحياتهم وقتالهم من أجل العالم الحر حسب وصف "إيزنهاور " للملك عبد العزيز آل سعود..؟!
اليوم نقف أمام جوهر أهداف" الفوضى الخلاقة " المشفوعة باستراتيجية" الصدمة والرعب" وأمريكا " ترمب" تعطينا التفسيرات العملية لكل ما تريد الوصول إليه في المنطقة ترسيخا لأمن " إسرائيل" وتعزيزاً "لسلام القوة" الذي تبدوا كل المؤشرات إنه ينطلق من "دمشق _ بيروت" بحيث يكتمل طوق أمن "الكيان " لأن مصر موقعة من عام 1979م اتفاقية سلام" كمب ديفيد" مع الكيان، والاردن بدوره موقع اتفاقية " وادي عربة" ويكتمل الطوق بسوريا ولبنان..!
قد لا تكون" دمشق" بقيادتها الجديدة راغبة بالحرب مع العدو، لكنها مجبرة على "التطبيع " معه وفق شروطه وشروط " ترمب"، وهي شروط تعجيزية قد لا تقوى قيادة سوريا الجديدة عليها أو القبول بها وتنفيذها، مقابل إسقاط العقوبات عليها والتخلي عن مرتفعات "الجولان"، والمقابل أن يعيد العدو بدوره الأراضي التي احتلها بعد سقوط النظام في سوريا، والمرهونة بابرام اتفاق أمني شامل مع دمشق على غرار مصر والاردن..!
لكن ما هو مطلوب من "دمشق" مرهون بقدرة نظامها على توحيد الشعب، أو فأن التقسيم أو الحرب الأهلية خيار..؟!
لكن ثمة حسابات جيوسياسية أخرى مرتبطة ب"إيران" وعلاقتها بالمنطقة_ لأن إيران تمثل رأس حربه للتحالف الروسي الصيني ودول البريكس _ التي لا يمكن القول أو التسليم بنهاية هذه العلاقة على خلفية الأحداث الأخيرة بينها وبين أمريكا والكيان..!
" تركيا" ودورها الذي قد يكون مهددا أن لم تقبل بالترتيب "الترمبي" وإعادة " توظيف الورقة الكردية" ضد "أنقره" التي حتى الأن تعد اللاعب الأكثر حضورا على خارطة الصراعات الجيوسياسية وكما تشمل خارطتها جسور الارتباط بين الشرق والغرب، ومتحكمة بخيوط اللعبة، هي ايظا مهددة أن لم تقبل بهيمنة " الكيان" عليها وعلى المنطقة، وهناء يصبح عدم قبولها مصدر خطر ليس لتركيا الدولة بل لتركيا _حزب العدالة والتنمية _ذو التوجهات الإسلامية، الذي قد يعيد " العلمانية التركية" إلى الواجهة نزولا عند رغبة أمريكا والغرب والكيان وغرفة " الحكومة المظلمة التي منها يحكم العالم"..؟!
" لبنان" مرشح لعودة الحرب الأهلية، أن لم يسلم "حزب الله" سلاحه، ليعود شعار المارونية السياسية " قوة لبنان في ضعفه" و" العراق" ايظا مهددا بعودة الصراع بين اطيافه، وسيبقى الحال على ماهو عليه في الصومال والسودان واليمن وليبيا، وهذا ليس " تنجيما" بل قرأة حقيقية للقادم من " الفوضي الخلاقة"، لكن هذا مرهون ايظا بحسم روسيا الاتحادية الحرب في أوكرانيا وقدرة " إيران" في تجاوز التحديات التي تواجهها، لأن كل تداعيات الراهن على الجغرافية نعم يستهدف" إيران" ودورها الإقليمي، لكن واقعيا المستهدف هما الثنائي المحوري في الصراع الجيوسياسي وهما روسيا الاتحادية والصين..؟!
ترتيبات يراد تحقيقها قبل الحديث عن فلسطين وحل الدولتين، فلا دولة فلسطينية ولا حل فلسطيني دون تأمين الكيان بحصوله على وثيقة امان قومية من كل العرب ومباركة المسلمين..!
ويبقى الأمل وسط كل هذا العبث هو في صمود مصر؛ وتماسكها وأن لا تطالها الفوضى، لأن هذا لو حدث ستكون بمثابة رصاصة الرحمة للأمة.. |