ريمان برس -
عُرف " الإمام علي" رضوان الله عليه، وكرم الله وجهه، بالزهد، والورع، والتقوى، والإيثار، والتمسك بالحق، والأنتصار له، وكره الظلم والتصدي له.. كما عرف بعدالة أحكامه، وحفظه لأحكام الله، فكان أفقه " الصحابة" قضائيا، إلى جانب كونه موسوعة فقهية وقضائية، وعلمية ومعرفية، وأكثر من يلم بأمور الدين وسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. كما كان _رضوان الله عليه_ أعلم الناس بشئون دينهم ودنياهم، وأعرافهم وتقاليدهم، وكأن بليغا أن تحدث، وعادلا أن قضاء، وفقيها أن تعلق الأمر بالدين، وحكيما أن نصح، وحصيفا أن أستمع، وفارسا أن ولج لميدان المعركة، وصاحب فراسة وذكاء فطري مكتسب، وسياسيا بارعا، لكنه أيضا كان يخشى الله ويتقيه، وكأن صادقا أن قال، ووفيا أن وعد، وأمينا أن أوتمن، لم يمكر يوما حتى بخصومه، ولم يغدر، كان الحق ديدنه والصدق هويته..
كان يرى الخلافة كما أمر بها الله ورسوله، ويرى أن من الحق عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، لا يؤثر فيهم أحدا على أحد،ويري أن من الحق عليه أن يحفظ على المسلمين مالهم لا ينفقه إلا بحقه، فهوا لا يستبيح لنفسه أن يمنح الناس من بيت المال، ولا يسمح لنفسه أن يأخذ من بيت المال لنفسه وأهله، إلا ما يقيم " الأود" كما يقال ولا يزيد عليه _أي ما يكفيه وأهله _ قيمة الزاد _..؟!
وكان أن استطاع أن ينقص من كلفة _زاده وأهله _فعل دون تردد، ولم يكن رضوان الله عليه يحب الأدخار في بيت المال، وإنما ينفق منه على مصالح المسلمين، فإذا بقي بعد ذلك شيء قسمه بين الناس بالعدل، وكأن رضوان الله عليه، يجب أن يدخل بيت المال فأن وجدا فيها شيئا لا يحتاج إليه لمصلحة عامة، فرقه بين الناس بالقسط، ثم يأمر بتنظيف بيت المال بالماء ومعجون السدر ثم يصلي فيها ركعتين ويقول هكذا يجب أن يكون بيت المال، وكأن ينفق بصورة دائمة على الناس على أسس ثابته من العدل والقسط..!
لم يستخدم يوما أموال بيت المال لشراء الذمم أو لاستمالة المؤلفة قلوبهم أو إيجاد أمثالهم في عهده رغم الأزمات التي واجهها، وكأن المال احد أسبابها..!
ذات يوم قدم إليه أخيه "عقيل" طالبا مكرمة، أليس هو الخليفة؟ وتحت يديه بيت المال؟ فقال الإمام لأبنه الحسن "إذا خرج عطائي فسر مع عمك إلى السوق فأشتر له ثوبا جديدا ونعلين جديدين"..؟!
فغضب "عقيل" وذهب نحو الأخر فمنحه "مائة ألف دينار"..!
كان الإمام علي حريصا ليس على مال المسلمين، بل كان أكثر حرصا على " دين المسلمين" وعلى القيم التي تركها الرسول المصطفى وأخلاقيات كرسها في أوساطهم، وكأن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه حريصا على تذكير الجمع بكل تلك القيم وأوامر ونواهي الدين.. وحتى حين كان البعض ياتيه وقبل أن يتولى الخلافة ويذكره بأن "الخلافة حقا مكفولا له" بعد رسول الله، كان رضي الله عنه يتذكر خلاف الأنصار في أمر البيعة، بعد وفاة الرسول، فيقول متسائلا نفسه : كيف لو اختلفت قريش "؟ ومن ارتداد العرب في أول خلافة ابو بكر؟ فكيف لو اختلف الذين وفوا للإسلام من قريش والانصار والمهاجرين..!
لقد كان الإمام علي وأمير المؤمنين موفقا في كل مواقفه، وعمل على إخماد فتن كانت كفيلة بتحريف مسار الدين والدولة، وعمل على حصر أزمات المسلمين في اضيق النطاقات التي دونها التاريخ لنا، ولولاء الإمام علي لكانت الأمور اسوي بكثير مما حملها لنا التاريخ..!
يتبع |