ريمان برس -
" واحد وخمسين عاما" تمر من ذكرى ميلاد "حركة 13 يونيو التصحيحية" التي قادها المقدم إبراهيم محمد الحمدي، في لحظة فارقة من مسارنا الوطني، لحظة كانت فيها البلاد على " شفاء جرف هار"، لحظة كانت فيها البلاد حافلة بالأحتقانات والنزعات الثارية، ونزوع نخبوي وقبلي وسياسي وحزبي يتربص بحثا عن نوافذ تمنح أطرافها فرص الانقضاض على الدولة المهترئية والمجتمع المزعزع العقيدة سقيم الوجدان..!
لم تكن حركة 13 يونيو 1974م مجرد حركة انقلاب عسكري، بل كانت حركة تصحيح مسار ثوري وطني، وإعادة بوصلة الثورة وأهدافها الي مسارهم الافتراضي بعيدا عن رغبات رموز " الإقطاع السياسي" بكل مشاربهم وقناعتهم وتوجهاتهم وارتباطاتهم الإقليمية والدولية..!
جاءت الحركة بقيادة ضابط وطني ألتف حوله مجموعة من الضباط الشباب الذين أقسموا على النهوض بوطنهم وبواقعهم الاجتماعي، وأن يضعوا مداميك دولة النظام والقانون.. غير أن " الحركة" وجدت نفسها تواجه عتاولة "الإقطاع السياسي والقبلي" الذين راحوا ينسجون خيوط مؤامراتهم سرا وعلانية باحثين عن ذاتهم ومصالحهم على حساب الذات الوطنية ومصالح الوطن والشعب..!
مؤسف أن الأحداث الوطنية ورموزها، كانت ولاتزال غير محضية باهتمام الجمع الوطني، الذي اعتاد أن يتذكرها بعد أفولها وغياب رموزها، وهذا حال حركة يونيو وابطالها، الذين استعادوا خلال أقل من عام هيبة ومكانة دولة النظام والقانون، وتحولت البلاد الي ورشة عمل، فشهدت تحولات وطنية وتنموية، ثقافية وحضارية، وصفها " البنك الدولي" في احد تقاريره حين أشار إلى اليمن وخلال حكم حركة يونيو وقيادة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي شهدت " تحولات تنموية وعمرانية واقتصادية لم تشهدها الولايات المتحدة خلال سنوات العمران "..!
تلكم التحولات لم تسر ولم تعجب رموز "الإقطاع السياسي والقبلي" الذين فقدوا هيمنتهم ونفوذهم فراحوا ينسجون مخططاتهم التأمرية، ضد الوطن والدولة، وليس ضد القادة الذين وأن فقدوا حياتهم فأن الوطن كان الخاسر الأكبر والمواطن..!
أن حركة يونيو كانت حاضنة المشروع الوطني بتحولاته الاجتماعية، التي اغفلتها ثورتي سبتمبر وأكتوبر نظرا لتزامن قيامها مع تفجر صراعات داخلية متداخلة ومتعددة الأطراف والنوازع والحسابات، فجأت حركة يونيو لتعيد الاعتبار للثورة وأهدافها، ولأحلام وتطلعات الوطن والشعب، متعارضة مع أهداف رموز الإقطاع بكل أشكاله، ومتجاهلة حسابات إقليمية ودولية كانت ترى في اليمن مجرد "إقطاعية خاصة، أو حديقة خلفية" لها فارضة كل قيم التخلف والتبعية على الوطن والشعب برعاية رموز الإقطاع متعددي الأوجه والدوافع، الذين كانوا يعيشون على حساب تمزق النسيج الاجتماعي وعلى هشاشة الدولة، التي كانت تدار من قبل هؤلاء الرموز، الذين لم يقبلوا بحركة يونيو وقادتها لأنهم كانوا يحملون مشروعا وطنيا متعدد الأبعاد الحضارية والتنموية والاقتصادية وعلى أمل إستعادة مجد اليمن كدولة ذات سيادة وشعب ضارب جذوره في أعماق التاريخ الإنساني..!
عشت كغيري من أبناء جيلي في كنف حركة يونيو وفي عهدها اعترف اني وجدت ذاتي وهويتي وإنسانيي ومواطنتي، كما وجدها غيري من أبناء اليمن، وفي عهد الحركة كانت الوطنية بمثابة الهواء الذي نستنشقه ونعيش معتركها بثقة واقتدار واعتزاز بالنفس وبالذات الوطنية..!
عملت حركة يونيو على ترسيخ قيم المواطنة وحقوقها، كما عملت على ترسيخ دولة المواطنة، ودولة النظام والقانون، غير أن هذه المعطيات اثارت " خصوم المتناقضات" الذين تقاطعت مصالحهم فوجدنا " أقصى اليسار يلتقون مع أقصى اليمين" وتعانقت وتشابكت مصالح "الموحدين" و"الملحدين" الذين وجدوا في نظام حركة يونيو عائقا أمام قطار مصالحهم الأنتهازية بغايتها الذاتية، فكان أن غلبوا مصالحهم تلك على مصالح الوطن والشعب وراحوا يغرزون حرابهم في خاصرة الحركة والوطن..!
بيد أن تداعيات اللحظة الوطنية تجبرنا على التأمل فيما حدث لحركة يونيو، وما انتهت إليه خطواتها الوطنية المباركة وكيف تم الانقضاض عليها وعلى رموزها، بل وطمس مآثرهم والتنكر لتاريخهم، قبل أن يذهب البعض إلي " شيطنتهم" ومحاولة طمسهم من الوعي الجمعي والذاكرة الوطنية خشية من " شبح" الذكرى ورموزها، أو إعادة إحيائها في الوعي ولو لمجرد التذكر العابر..!
لا أعرف لماذا أجدني دائما أشعر بأن ثمة " غضب إلهي" جاثم على سماء هذا الوطن، كلما حاول النهوض من مستنقع التخلف والجهل، ويحاول اللحاق بركب التقدم الحضاري، ويعيش في كنف دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية، بعيدا عن النعرات المكتسبة والأساطير ونظرات الانتقاص من بعضنا البعض..!
شعور يجعل الخوض في تداعيات واقعنا الوطني، كمن يحاول أن يحمل المياه أو ينقلها ب " غربال"..؟!
هنا حيث لا نخب تفكر ولا وجهاء يتأملون، ولا حتى مثقفين يدركون إنهم يعيشون حالة إفلاس شامل وأن دورهم ضاعف من نسبة التجهيل ولم يؤدي إلى التنوير..؟!
هنا حيث لا فرق بين " المثقف والإقطاعي" ولا فرق بين "الحزبي المتعصب" و"القبيلي" الذي يتحدث عن "الدين " ويريد أن تعبده كما عُبد "هبل" "و يمارس دور " أبي سفيان في قريش"..؟!
بل أن دخول" بعضهم للصف الجمهوري لا يختلف عن دخول أبي سفيان في الإسلام"..؟!
رحم الله قائد حركة يونيو وزملائه، والرحمة والخلود لمن قضوا بعده في مخطط إستكمال المؤامرة، وحفظ الله من لايزل حيا من أولئك الوطنيين الشرفاء الذين انزووا بعيدا عن المشهد وفي قلوبهم حسرة وغصة على وطن أنهكت جسده ومن فيه حراب الغدر والخيانة وترويكا العمالة والارتهان.
12 يونيو 2025م |