ريمان برس - إنهم فتية آمنوا بربهم ووطنهم فازدادوا يقينا بأن الإيثار أول طرق التضحية، أستوطن الوطن مساماتهم واستوطنت شرائينهم قيم الحرية والأشتراكية والوحدة، وفي تجاويف عقولهم نحتت خارطة الوطن الكبير.. كوكبة كانوا حالمين بمجد الوطن والأمة وكان قدرهم أن يسعوا ما استطاعوا لذلك سبيلا في تحقيق هذا المجد..
كانت الأعناق مشرئبة، والابصار شاخصة تترقب ما بقى في (جعبة الحاوي) من (سهام الغدر) وايات الخيانة..؟!
لحظة تاريخية فاصلة في مسار التجربة النضالية وقف فيها (يسوع) مرة أخرى أمام تراجيديا الغدر، وأمام استحقاق يصعب لمثله أن يتجاوزه أو يتجاهل دراميته أيا كانت التبعات المترتبة عليه..!
لحظة تاريخية وقف فيها (عيسى) متأملا تداعياتها وابعادها، فكان القرار وخاطب الزمن واللحظة والجمع :من أنصار ي الي وطن حر ومستقل، فجأه صوت (الحواريون) نحن معك وحولك حتى الحرية أو اليقين..
مرة أخرى يلتف (الحواريون) حول (عيسى) فكانت الملحمة التي ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ والاجيال وفي تجاويف العقول النقية الخالية من التلوث..؟!
لم تكن ملحمة 15 أكتوبر 1978م مجرد ملحمة عابرة أو حركة كما يصفها _خصومها _الذين هم بالأساس خصوم الحرية والكرامة والاستقلال، وخصوم الوطن الذين اتخذوا منه مرتعا واسطبلا للعبث، لأنهم لم يروا في (عيسى _ وحوارييه) إلا ما رأي أقوام الزمن الغابر في (يسوع_النبي وحوارييه).. لينتصر الباطل على الحق في جولة أخرى من جولات سجل فيها الباطل حضورا، وكأن الأقدار تواصل اجترار مآثر (قوم تبع الذين اتبعوا كل جبار عنيد)..!
بجسمه النحيل وقامته الممشوقة وبعقل يمتد بأمتداد خارطة الوطن الكبير الممتد من المحيط الي الخليج، وقف الحالم بالمجد وحوله ( الحواريون) يرتلون نشيد الحرية والكرامة والشموخ والعنفوان في مواجهة (طبول الجلاد) وهم يعزفون الحان النشاز ويسردون فضائحهم، ويسوقون خطاب خيانتهم، غير أن البطل يبقى بطل و (يسوع) كان نجما وحوله (الحواريون) فبدأ ( الجلادين) أقزاما أمام عظمة الأبطال وشموخهم وعنفوانهم وصلابة موقفهم وثقتهم بشرعية الفعل والموقف..
نعم انتصر الباطل على الحق في لحظة غفلة من التاريخ والناس وكما هو الحال دائما خاصة حين تسود العصبيات وتتفشي الخيانة بأسم المصلحة ويتحول الوطن الي إقطاعية خاصة لإصحاب النفوذ من رموز الجهل والتخلف والتعصب الفئوي، وحين يصبح _ المال المدنس والولاء المشبوه _ديدن ودين رموز الإقطاع..!
لكل هذا كان البطل وإخوانه أكبر من الجلادين وأكثر شموخا من أصحاب القوة والثروة المدنسة بالعمالة، كانوا ولأول مرة _متهمين _ يحاكموا الحكام وفضحوا المتأمرين والخونة.. كانوا أحرار في قفص الاتهام لان الخونة والعملاء والمتأمرين كانوا على المنصة، وكأن ( المدعي عليهم) جزءا من الخيانة وليس من العدالة بل كانت العدالة مع _المتهمين _بحب الوطن والشعب والأمة.. بدليل أن _ عصابة المنصة_ سرعان ما أكلوا لحم بعضهم ورحل المدعي والحاكم والشاهد مكللين بعار الخيانة فيما الأبطال تسجلوا في سجلات التاريخ ابطالا رحلوا بهامات مرفوعة تعانق خد الشمس..!
نعم كان ذلك القائد الشاب هو ( يسوع) أكتوبر وأخوته هم (الحواريون) وانصاره الي مجد الوطن والأمة.. قطعا لم يفشل أولئك الابطال ولم يهزموا ولم ينكسروا، ولكن من فشل وهزم وانكسر يؤمها هو الوطن والشعب، لأن أمثال أولئك الابطال لا يفشلوا ولا ينهزموا ولا ينكسروا هكذا يعلمنا التاريخ وإحداثه..!
كان (يسوع) أكتوبر قائدا استثنائيا، وكأن يمكن أن يفوز لو استخدم أساليب الخونة وحيلهم وطرقهم الرخيصة، لكنه لم يفعل لانه كان مفعما بالقيم ومجبول بالمثاليات والأخلاقيات الوطنية والقومية والإنسانية والحضارية، كان مناضلا وطنيا وقوميا ولم يكن قاتلا، ولم تكن السلطة غايته بل وسيلة لتصحيح المسار وتجنيب الوطن والشعب مغبة الارتهان لاعدائه واعداء حريته وتقدمه الاجتماعي.. كان يكفي إشارة منه لإطلاق الطلقة الأولى لحسم العملية، لكنه رفض إطلاق طلقة رصاص واحدة حتى لا تتحول المدن الي بحار من الدم، بل قال كلمته يا حركة سلمية أو فلا مؤكدا انه يتحمل كامل المسؤلية، ومع ذلك كان رد فعل الطغاة والجلادين والعملاء المأجورين في اسطبل _طويل العمر _ يجسد حقيقة ضعفهم وهشاشة مواقفهم ودنأة سلوكهم أيضا، متصورين انهم بجريمتهم سوف يأمنوا من العقاب، إذ سرعان ما رحل (الدبلوماسي) المنسق وذهب ( المدعي) بسلاح أصحابه ورحل ( القاضي) على( مائدة سيده) ولم يستمر الأمر طويلا حتى لقى الجمع جزائه بالجملة وانكشف المستور قبل أن يدلونا على المكان الذي دفنوا به (جثامين أولئك الابطال) التي ستظل لعناتهم تلاحق الجميع في هذا الوطن المنكوب بالخيانة والخونة..!
السكينة لروحك الخالدة يا (يسوع) أكتوبر ولكل (الحواريون) الذي كانوا أنصارك من أجل وطن حر مستقل ذات سيادة وقرار، لكم جميعا الرحمة والخلود والرحمة لمن تبعوك الي جوار الله والعمر الطويل لكل الأخوة المناضلين الذين لايزالون على العهد والوعد ولايزالون يدفعون ثمن تلك الملحمة الذي يراها بعض الاغبياء بنظرات الانتقاص ونراها بنظرات الفخر والاعتزاز ونعاهد الله والشهداء وبحياة بقية المناضلين الأحرار إننا سنعيد التجربة ذات يوم او سيعيدها أولادنا واحفادنا متى توفرت الضروف المناسبة للفعل ونتعهد بأن لا يكون هناك فشل لأن من الضروري التخلي عن المثالية لبعض الوقت وحسب.
15 أكتوبر 2024م |