ريمان برس - خاص -
لم تنفك أمريكا يوما ومسؤليها في الحديث عن القيم والأخلاقيات وعن حقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ولم تقف أهتمامات أمريكا ومسؤليها ومؤسساتها الإعلامية عند هذا الحد من الأحاديث المنمقة عن حقوق الإنسان، بل هي تتحدث عن حقوق النساء والأطفال، والشباب والشيوخ، وحقوق ( المهمشين) والأقليات العرقية والمذهبية، وصولا الي تبنيها الدفاع عن ( حقوق المثليين) وحقوق الحيونات والطيور والأشجار..؟!
وكل هذه الأحاديث مجرد أكاذيب وأوهام وأفخاخ تمارسها أمريكا وأجهزتها ومؤسساتها للتغرير وخداع الأغبياء من دولنا العربية والإسلامية ودول ( العالمثاثية) الذين تستقطبهم بعض المؤسسات الأمريكية والغربية أيضا وتجري لهم دورات عن هذه المفاهيم الزائفة ومنها ما يتصل بتلديمقواطية، ومحاربة الفساد، والحوكمة، والعدالة الأنتقالية، والحكم الرشيد، وتتبني هذه المفاهيم وتسويقها منظمات أمريكية وغربية تحمل مسميات مختلفة ولكنها جميعا تتبع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية وتقوم هذه المؤسسات باستقطاب الشباب العربي والمسلم ومن الدول الفقيرة وتدريبهم علي التعامل مع هذه المفاهيم وتلقينهم مفردات التعاطي معها، وقد نجحت أمريكا والغرب في أختراق المجتمعات العربية والإسلامية عبر هذه المفاهيم، إذ هرول كثير من الشباب العربي والمسلم في تبني وتسويق هذه المفاهيم مصدقين إنهم يساهموا في بناء أوطانهم وتخليص أوطانهم من رموز ( الفساد) وثقافة الإفساد..؟!
ويمكن اعتبار هذه المفاهيم المخادعة والزائفة والكاذبة كجزءا من منظومة ( نظام التفاهة) للمؤلف ( ألان دونو) وهو أكاديمي كندي وأستاذ في جامعة ( كيبيك الكندية) وناشط ضد الرأسمالية المتوحشة، الذي وصف النظام الدولي الذي تديره أمريكا الرأسمالية ب(نظام التفاهة) وهو العنوان الذي حمله كتابه وبه عري النظام الدولي وسخر منه ومن قوانينه وأنظمته وأهتمامه، معتبرا كل ما يسوق في هذه المرحلة عبر هذا النظام الدولي بمثابة أفخاخ وكمائن لخداع البشرية وإخراجهم من مسارهم الحضاري والإنساني الي مسارات توحشية لصالح الشركات الرأسمالية التي تحكم العالم و تمول مفاهيم وثقافة الانحطاط السائدة، التي تتبناها أمريكا والترويكا الغربية، مؤكدا أن كل دول العالم في الغرب وفي المقدمة أمريكا، هي دول بلا سيادة ولا كرامة ومواطنيها عبارة عن ( عبيد) والكل خاضع لرغبات الشركات الكبري التي تحكم العالم وتتحكم بقيمه..؟!
ويمكن تلخيص فكرة كتاب ( نظام التفاهة _لمؤلفه ألان دونو) بعبارة قصيرة جدا وهي ( أن التافهين يحكمون العالم، وأن هذا العالم بكل قيمه وحضارته البشرية المتراكمة أصبح محكوم من قبل الشركات العملاقة، وأن من يدير هذا العالم هو مجموعة من ( التافهين) الذين نصبتهم هذه الشركات ليكونوا في خدمة مخططاتها وتفاهة أهدافها الاستهلاكية ..؟!
ويمكن للمراقب لاحداث المنطقة والعالم منذ ( الربيع العربي) وحتي العدوان علي غزة، أن يدرك فعلا إننا نعيش في كنف ( نظام التفاهة) وإننا في عالم يحكمه ( التافهين) ..؟!
أن ما يجري في قطاع غزة منذ ثلاثة أشهر يجعلنا فعلا ندرك إننا أمام نظام عالمي مجبول بكل مفردات ( التفاهة) وإلا هل معقول أن يصمت هذا العالم أمام وحشة الجرائم البشعة التي تجري في قطاع غزة ؟! وقد يكون نظامنا العربي الرسمي وغالبية النظم الإسلامية قد غرقت في مستنقع ( التفاهة) لدرجة إنها عجزة حتي عن التعبير الصريح والصادق عما يجري من ابادة وجرائم بحق اشقائنا في فلسطين عامة وفي قطاع غزة خاصة الذي يتعرض لمجازر وجرائم يندى لها جبين البشرية أن كانت هذه البشرية لا تزل تسير في مسارها الإنساني ولم تصبح أسيرة لنظام التفاهة الذي تمثله أمريكا وتسوق مظاهره وأدواته وأن كانت تتحدث عن القيم بهدف التظليل والتغطية عن حقيقة هويتها وأهدافها وتوجهاتها نحو استلاب الوعي الجمعي للعرب والمسلمين وأحرار العالم وأخضاعهم لثقافة التفاهة الاستهلاكية التي تستظل بطاقية حقوق الإنسان، التي تحضر في فلسطين وغزة، والعراق، واليمن، وسوريا، وايران ، وافغانستان ، وروسيا، والصين ، وكوريا الشمالية، ودول أمريكا الجنوبية مثل كوبا، وفنزويلا..؟!
نعم تستحضر أمريكا قيم حقوق الإنسان في المجتمعات والدول الرافضة لهيمنتها وثقافة التفاهة التي تسوق لها وتروج مفاهيمها، ومن يتصدي لمفاهيم الانحطاط الأمريكية يصنف تلقائيا من قبلها ومن قبل المنظومة الدائرة في فلكها بأنه عدو لحقوق الإنسان، وهذا العداء للحقوق الإنسانية لا تراه أمريكا والغرب في فلسطين ولم تري في جرائم ومجازر العدو الصهيوني ما يعارض مبادئي حقوق الإنسان، بل تري في جرائم الصهاينة وما يمارس بحق أبناء الشعب العربي في فلسطين بأنه فعل طبيعي يندرج في سياق حق الصهاينة والمحتلين في ( الدفاع عن النفس) وهو الحق الذي لم يكفله ( نظام التفاهة) للشعب الفلسطيني..؟!
أن أمريكا هي دولة الشر المطلق وهي مصدر زعزعة وأستقرار العالم وهي إمبراطورية الكذب ومصنع إنتاج الأكاذيب، والأكاذيب الوقحة حد السفور ومن يثق أو يصدق هذه الدولة أو مسؤليها مهما كانت مكانتهم ومناصبهم، يكون إما مرتزق مرتهن لدي أجهزتها، أو عميل متورط معها ولديها (أدلة تفضحه) إذا ما قرر التراجع والتحرر من الارتهان لها..؟!
وفي هذا السياق برزت مؤخرا معلومات موثقة عن عدد كبير من الزعامات والشخصيات السياسية والحزبية ونافذين وواجهات أجتماعية في العديد من دول العالم ومنها بلادنا ودول عربية واسلامية، متورطين مع أجهزة استخبارية عربية واسلامية تعمل لصالح ( نظام التفاهة) الذي تديره أمريكا وبريطانيا، وقد سجلت لهم أشرطة بالصوت والصورة من شأنها أن تحول صاحبها الي (عبدا) لمن لديه هذه الأشرطة والتسجيلات، وأن يعمل دون أعتراض وينفذ كل ما يطلب منه دون تردد لأن كلمة ( لا) أن قالها تعني فضيحته ونسف كل تاريخه وإلحاق العار به وبأسرته مدي الحياة..؟!
لذا حين قال نتنياهو لهولاء في بداية الحرب ( عليكم أن تصمتوا) كان يعني ما يقول، فيما الكل ( صمت) لأنهم عارفين إن أي غلطة قد تنهي حياتهم السياسية والأعتبارية..؟!
8 ينائر 2024م |