ريمان برس - خاص -
أن الثورة اليمنية التي أنطلقت شرارتها في 26 سبتمبر 1962م هي أعظم ثورة وطنية حدثت في النصف الاخير من القرن العشرين، وحين أقول أنها أعظم ثورة فلست مبالغا في قولي رغم كل ما قد قيل ويقال فيها وعنها، وقام بها أبطال إستثنائين، أبطال لا يشبهونا وليس في أيا منهم بعضا من صفاتنا أنهم أبطال حقيقيين أمنوا بربهم وبوطنهم وشعبهم وبمجد وطنهم وتحريره من براثن الجهل والتخلف والفقر والمرض وحياة العبودية والاستبداد والتخلص من أخطر نظام كهنوتي مستبد، نظام هو الأشد خطورة بين أقرانه من أنظمة المنطقة، وتكمن خطورته في كونه تميزا بأعتماده سياسة التجهيل والتجويع والإفقار للشعب كي يبقيه رهن عبوديته، نظام أتخذ من التأمر علي الوطن والمواطن إستراتيجية معتمدة لديمومة تسلطه..
نعم الوطن والشعب فرضا عليهم حياة العبودية والتخلف، لكن النظام ورموزه لم يكونا متخلفبن بل كانوا يتمتعون بدهاء أسطوري، ومع ذلك وفي لحظة تاريخية فاصلة في مسارنا الحضاري الوطني وفي ومضة تاريخية مجبولة بكل آيات الإرادة والعزيمة والتحدي والإصرار أنبري أولئك الرجال الاستثنائيين الذين لا يشبهوننا وليس لهم بيننا مثيل، رجال خلقهم الله من طين الحرية والكرامة والزهد والايثار، أبطال لم يفكروا بطريقتنا، لم يختلفوا علي القائد ومن سيكون، بل جميعهم أمنوا بأن قائدهم هو الشعب، لم يفضل أحدهم نفسه عن بقية أخوانه، بل حمل الجميع رؤسهم علي أكتافهم وتحركوا بخطوات جماعية وبثقة وأقتدار،نحو وكر الطاغية ليهدوه علي رؤس الطغاة، لم يكن أولئك الابطال يتوقعون ولا من يقفون خلفهم داعمين ومساندين لهم بالمال والدم والدموع ويشاركوهم أحلامهم، بأن ثمن التخلص من الطغاة سيكون غاليا، وأن ثمة متربصين عاشوا رعب وجبروت الطاغية، لكنهم بالمقابل يترقبون رحيله ليحلوا بديلا عنه مكررين واقعة ( السقيفة) متقمصين أنتهازية ( أبي سفيان) حين قال مخاطبا أقرباء الرسول عليه الصلاة والسلام وعلي آله بقوله ( يا بني العم لقد أكرمكم الله بالنبؤة وأختار منكم رسوله، فليكن من بعده الحكم لنا) !!
وهذا ما حدث مع ثوار سبتمبر حين قام أولئك الابطال بإسقاط عرش الطاغية، حينها أنبرت للأسف رموز القبيلة ليضعوا أنفسهم أوصيا للحكم وأصحاب الحق بالسلطة، وأعتقد لو لم يكون رجالا أحرار أمثال المشير السلال، واللواء جزيلان، والرئيس عبد اللطيف ضيف الله، والملازم علي عبد المغني، وسياسين عقلاء أمثال، علي محمد سعيد، وعبد الغني مطهر، والدكتور عبد الرحمن البيضاني، وشخصيات وطنية أخري، أقول لو لم يكن هولاء يتمتعون بروح وطنية عالية وبعقلانية وأفكار مستنيرة لكانت الحرب تفجرت في الصف الجمهوري قبل إذاعة بيان أنتصار الثورة وقيام الجمهورية، والدليل أن كل العسكرين الذين تحركوا للإطاحة بالطاغية لم يبحثوا لهم عن مناصب أو مكاتب مريحة، بل تحركوا جميعا لمطاردة فلول الطغاة وأتجه كل وأحد منهم في أتجاه، وتركوا المشبر السلال وحيدا في العاصمة يواجه إنتهازية القبائل وأبتزازهم له وللثورة والجمهورية والوطن، قبل أن تتضح بشاعة الانتهازيين ومواقفهم التي تعكس عقليات متخلفة، أعتادت حياة الذل والعبودية في كنف الطاغية وحين منحت الحرية من قبل أولئك الابطال الذين صنعوا الثورة، راحت تلك الرموز الانتهازية وبدافع من شعورها بعقدة النقص تساوم من حرروها وتضع نفسها ليس ندا لهم ولمواقفهم الوطنية، بل رأت نفسها أكبر منهم وأنها الوريث الشرعي للطغاة في حكم اليمن وهذا ما حدث فعلا لاحقا، ولكن بعد سلسلة من الاحداث والمتغيرات أنتهت بتصفية قادة ورموز الثورة الاعظم في المنطقة، ثورة ما كانت القبيلة قادرة وحدها علي صناعتها وما كان عبدالله بن حسين الأحمر يجرؤ علي مجرد التفكير بها، بعكس والده الذي لم يخلوا من الشجاعة والقدرة علي مقارعة الطاغية متكئا علي علاقته برموز وطنية من كل أرجاء اليمن وليس علي حاشد وحسب، فيما ( بكيل) وهي أكبر قبائل اليمن كانت قد حسمت أمرها منذ اللحظة الأولي وأصطفت في الجانب الخطاء من التاريخ، وراحت تدافع عن الطغاة ورموزهم..!
والملاحظ أن قوي الثورة المضادة التي واجهت الثوار والثورة والجمهورية كانت علي أعتقاد إنها تقاتل من أجل عودة ( الإمام البدر) في المقابل كان البعض في الصف الجمهوري ينظرون للثورة والجمهورية وكأنهما مغنما، فيما الواقع كان يقول عكس كل هذه الاقوال ويتحدث عن ثورة عظيمة صنعتها نخبة من العظماء وفرط في أهدافها ومشروعها وتحولاتها حفنة من الانتهازيين والمرتزقة الذين يعتبرون أنفسهم أسياد البلد والبقية عبيدا لهم بمافيهم أبطال الثورة الذين أسقطوا أعتي طاغية وأمكر طاغية وأسواء نظام كهنوتي متخلف ورغم بطولاتهم الاستثنائية إلا أن رموز القبيلة بسلوكهم الانتهازي، لم يروا فيهم إلا ( شوية جهال) ..!
يتبع
6 أكتوبر 2023م |