ريمان برس -
* بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 90م ، كنت ضمن الدفعة التي تم تجهيزها ل "محرقة" صيف 94م ..وذلك بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة، وبامتياز..!!.
وعلى مدى ثلاثة أعوام متتالية، تم تدريبنا على أعلى مستوى ، والزج بنا في دورات عسكرية مكثفة ، لم يشملها حتى قانون الخدمة العسكرية ( الإلزامي)..!!..
وعلى أيدي ضباط برتبة الملازم أول من خريجي الكلية الحربية ، وأعلى رتبة كان رائد ، من المشاركين في فيالق المقاومة بالعراق ولبنان وفلسطين..
المهم .. لملمنا الجراح بعد حرب 94م، وتوجهت لإكمال دراستي الجامعية ضمن طلبة (الدفعة الثالثة) إعلام - في كلية الآداب بجامعة صنعاء ..!!
وكنت.. تخليت طواعية عن رقمي العسكري، وعن رتبتي (م/١).. ولم أهتم بحصولي ، أيضا على ترقيتين، كمكافأة لمناضلي حرب ذلك الصيف..
لم تعد الجندية ضمن خياراتي ، لولا أنني - وفي رحلة البحث عن عمل لغرض إكمال الدراسة طبعا - أضطررت إلى العودة ، ومكرها لا بطل..!!.
فقادني حظي العاثر - هذه المرة - إلى دائرة التوجيه المعنوي ، لأجل العمل بصحيفة 26سبتمبر ، وكان ذلك بتوصية مفادها " من واقع التخصص"..!!.
يومها .. شاب ، حماسي لا يوصف ، وطموحي كذلك لا يحده سقف ، ولم أكن أعرف بعد أحدا في الدائرة ، لا الشاطر ولا غيره...
يعني .. "زنجبيل بغباره " - كما يقول المثل .. قلبي وعقلي لا يحمل سوى طيبة ، وبراءة فقط، يغمرها حب الوطن ، وكل الاعتزاز و الفخر ...
فالتحقت فعلا ، بدائرة التوجيه المعنوي في مطلع العام 95م.. كمجند (بدل فرار ) ، وعملت أيضا كمراجع لغوي ، بصحيفة 26سبتمبر..
كان أول انطباع شدني بداية، هو جمال الحديقة ، وروعة المباني وفخامة التجهيزات المكتبية، وجو الانضباط العسكري في الدائرة..!!.
ولا أخفي .. أني سعدت كثيرا ، بالعمل في الصحيفة ، كمؤسسة إعلامية رائدة ، صنعت الكثير من القادة عسكريين وسياسيين ، وإعلاميين..
وكانوا بحق في الواجهة ، قادة فكر و رأي، وفنيين في مختلف التخصصات .. وعلى مستوى الوطن بشكل عام..!!.
كما حظيت بشرف العمل مع نخبة من الصحفيين وكوكبة من الكوادر العسكرية المؤهلة في روسيا ، كانوا ملازمين - آنذاك - وتحت إشراف أساتذة أجلاء.
إلى جانب .. مفكرين وكبار الكتاب ، أمثال الراحل عبدالله البردوني ، ود. المقالح ، وديك الجن الدحان ، ود. رؤوفة حسن ، والحبيشي والجندي ، والقليسي والاصبحي ، و أ. عباس الديلمي... والقائمة تطول...!!.
نعم .. خلال عملنا في الدائرة - وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن تقريبا - عاصرنا ثلاثة أجيال، جلهم بلغوا أحد الأجلين.. ولم يتبق إلا القليل..!!.
لا أقلل .. من شأن أي ضابط أو فرد في الصحيفة والدائرة ككل .. بالعكس الجميع كانوا بحق واجهة مشرفة ومشرقة في العمل والعطاء..
وإلى اليوم ما زال - من تبقى منهم - نموذج رائع في تنفيذ المهام ، والأداء بهمة وكفاءة واقتدار ، وفي مختلف الظروف والأحوال .
كلنا يعلم أن الخلل والقصور، كان في السياسة العامة والتوجهات العليا لقيادة الدولة .. والتي لم تؤثر فقط على العاملين في دائرة التوجيه بمختلف شعبها وإداراتها وأقسامها..
بل طال تأثيرها المؤسسة العسكرية والأمنية ككل ، وانعكس على شكل النظام والدولة بشكل عام ، وصولا إلى رجل الشارع البسيط في طول البلاد وعرضها..!!.
إلى درجة أن الدائرة ذاتها ، كانت بما يعتمل داخلها بمثابة "مجسم مصغر" عن الوطن ، على اعتبار مسألة صنع القرار السياسي والإعلامي كان منبعها " المفرج " وشلة الأنس - كما أصطلح على تسميتهم.. !!.
هذه السياسة بالذات .. هي التي دفعتني - وغيري الكثير من الزملاء الإعلاميين - إلى اتخاذ موقف معارض للنظام ، ومحاولة الخروج من سطوة الشاطر وجبروته..!!.
وكانت المواجهة الفعلية بيني وبين الشاطر مطلع العام 97م ، وبالوسيلة التي أجيدها وهي الكتابة .. في مختلف وسائل الإعلام..!!.
والنتيجة.. دفعت الثمن غاليا في حياتي.. من لقمة عيش أبنائي ومن حاضري ومستقبلي معا .. ويمكن إيجاز بعض ما تعرضت له .. في التالي :
- حرمت من ترقياتي ومستحقاتي العسكرية ، وظللت أعمل كمجند (بدل فرار ) ، وبلا راتب شهري لمدة ستة أعوام تقريبا ، حيث لم أمنح الرقم العسكري ، إلا مطلع العام 2000م.
- طوبرت مع كل الدفع التي التحقت بدائرة التوجيه ، كجزاء منذ العام 95م .. وحتى آخر دفعة وهم الضباط الجامعيين الذين يحملون الآن رتبة المقدم..
- لم تكن تمضي سنة إلا ويتم إيداعي (النوبة) ومنحي (قيدين) تدشينا لعام جديد ، أو حجزي بالدائرة شهر وشهرين لإنجاز أعمال وقطع أعمالي وعلاقاتي مع الآخرين!!.
- حرماني من الاجازات والمأذونيات القانونية ، وتوقيف الراتب بدون اسباب ، وأحيانا بمبرر غياب يوم أو عدم حضور اجتماع لم أبلغ به..!!.
- تشكيل لجان للتحقيق معي (من عدة جهات ) ، في محاولة لتلفيق التهم والزج بي في السجن الحربي ..!!.
- استغلال توقيفي وحجزي داخل الدائرة ، لٱنجاز أعمال إضافية دون مكافأة ، أو أي مقابل مادي سوى التخلص من الجزاء..!!.
وأذكر أن عيون الشاطر كانت ترصدنا و تلاحقنا إلى مختلف الصحف .. إلى درجة أنه كان يضغط على القائمين على مختلف وسائل الإعلام المحلية بهضم مستحقاتنا لديهم ، وعدم تشغيلنا..!!.
وذات مرة ، في 98م ، قرروا منعي من دخول الصحيفة ، وصدر القرار في طابور الصباح العسكري ، وتم نقلي إلى مجلة الجيش ، لمدة عام ، حتى أعادني المرحوم العقيد خالد عنتر ، بطلب مضمونه " حاجتهم لعملي في الصحيفة "..!!.
وأكثر من مرة فكرت بالاستغناء عن الصحيفة ، والعمل في التوجيه ، وترك الجيش ، هروبا من ظلم الشاطر وسطوته ، لكنه لم يدعن وشأني..!!.
مرة تقدمت بطلب إنتداب للعمل في جهة رسمية عليا ، فرفص الشاطر وبشدة التوقيع عليه ، وأخرى انقطعت عن العمل لمدة اسبوع ، فوجه طقم شرطة عسكرية باحضاري بالقوة ، و بالوضع الذي كنت فيه..!!.
كما قام بعقد أكثر من إجتماع طارىء على مستوى التوجيه و الصحيفة ، ويسأل أين علي العيسي؟! .. اقترحوا عليه يجندوا بدلا عني.. فقال احضروه أو أذهب بنفسي لاحضاره..!!.
إلى درجة.. أن الرفيق "عواس" ، علق بخبث ( من هذا علي العيسي الذي يشغلنا المدير عليه؟!! ) .. وهو محق، فأنا في النهاية فرد مقارنة بكبار ضباط الدائرة..!!.
- وأذكر أن الشاطر ظل ولمدة شهرين يتمم علي شخصيا بالهاتف ، وهو في عدن مع الرئيس ، بشكل شبه يومي عند الساعة ال8 مساء بداية ورديتي، و لا ينهي الاتصال حتى أرد عليه، فيقول : تمام على عملك!!.
وحين عجز عن إخضاعي بالجزاء ، أوعز إلى مقربين بأن أسخر قلمي معه .. وسيجزل لي العطاء..
وحين رفضت طلبني إلى مكتبه وقال : انفعه بشيء.. فقلت : آسف هذا ليس من عملي ولا من اخلاقي .. فقال : وجهي ما يمسك أحد بسوء.. وكان صادق معي جدا..
لكني .. رفضت .. وفعلا تم إيداعي (النوبة) ، ولم أخرج إلا حينما سمع بأن مشايخ الحداء سيجتمعون بالرئيس ، وكان ضمن مطالبهم الإفراج عني..!!.
هذه قضيتي .. وملخص مظلوميتي في دائرة التوجيه، عرجت عليها دون تعمق ، لأن مجرد إستذكار ما مررت به في الدائرة وجع..
ولا أريد ايقاظ الطعنات، والجراح الغائرة .. أحاول جاهدا أن أنسى، وحلمي أعيش ما تبقى من عمري مع أبنائي ، في سلام وهدوء..
اليوم .. ما أريده فعلا ، هو تجاهل كل ما مررت به، والاستشفاء بتجاوز مرحلة ما مثلها في المراحل..!!.
بقي أن أشير إلى أن كافة الزملاء العاملين في دائرة التوجيه وصحيفة 26سبتمبر ، من ضباط وأفراد ، جميعهم مظلومين .. وإن بدرجات متفاوتة..!!.
فقيادة الدائرة ، ممثلة بالشاطر -رحمه الله ، للأسف ، أنها اهتمت بالمظهر أكثر من الجوهر ، ولو أنها أعطت نفسها أكثر مما تستحق !!.
إهتمت بالآلة وأهملت الكادر البشري الذي يعمل فوق تلك الآلة ، وشيدت المباني وزخرفة البوابات ، وأقامت الحدائق الغناء ، وكله على حساب جميع منتسبي الدائرة ..!!.
هذه ليست وجهة نظر ، بل هي من واقع التجربة ، وعمر .. من الفساد والعبث بالمخصصات المالية والنفقات التشغيلية ، مع حرمان العاملين من أبسط حقوقهم العسكرية والإعلامية على حد سواء.
ختاما .. أسأل الله حسن الخاتمة .. وأن يجعل همي الآخرة .. والدنيا يشلوها جماعة (طالبين الله) الجدد ، خلاص ما عاد همنا ما راح وما جاء ، ولا همنا قلة ولا كثرة..!!. |