ريمان برس -خاص -
يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي ( إذا أراد الله أن ينفذ أمرا ماء سلب من أهل العقول عقولهم ) ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( أن خمسين عاما تحت حكم حاكم ظالم ومستبد أهون عند الله من الهرج والمرج .. قيل وما هو الهرج والمرج يا رسول الله ؛ قال أن تقتلوا بعظكم بعضا ) صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم ..
من منا لا يحب رسول الله ولا يعظمه ويبجله ويحتفي به وبذكره آناء الليل وأطراف النهار ونحن من اتبعه بالرسالة وناصرناه طواعية وحمل راية رسالته إلى أفاق الأرض فكان منا الأنصار وكان منا الصحابة وكان منا القادة الذين حملوا راية الدين الإسلامي الذي أتي به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والتسليم وعلى آله وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
كان والدي فقيها زاهدا ومتدينا أحب الأخرة أكثر من حبه للدنيا وكان _ رحمة الله عليه _ يحيي المناسبات الدينية ويقيم ( الموالد ) ويقرأها وكان من يريد أن يقيم ( مولدا ) من أهل قريتي يستعين بوالدي ليقرا له المولد وكنت أرافقه منذ نعومة أظفاري وتعلمت منه حب الموالد وحب الله ورسوله .. وذات يوم أتذكر إنه جاءه بعض الشباب المغرر بهم المعارضين لظاهرة الموالد فحاولوا إقناعه بمنطقهم أن ( المولد بدعة ) فرد عليهم بقوله فليكون كلامكم صحيحا ( لكنها بدعة مستحسنة ) فهل هناك أجمل من ذكر الله ورسوله والتغزل بالحبيب المصطفى والصلاة عليه وعلى أله ؟
وأنا من أنصار الموالد والاحتفاء بذكر النبي ليس في مناسبة سنوية واحدة هي ذكرى ميلاد الحبيب المصطفى بل أنا من عشاق النبي ومن يحبذ الاحتفاء به كل يوم وكل ساعة على مدار العام والعمر ففي ذكر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه عبادة وتمجيد وتخليد لأعظم من حمل النور للبشرية وجاء برسالة الهدى التي انارت طريق البشرية وهديتهم إلى صراط الله المستقيم ..لكن ؟!
يفترض أن نتحلى بقيم واخلاقيات وسلوكيات النبي المصطفى ونحذوا حذوه ونلتزم بسنته ونقتدي بمأثره وقيمه ونتراحم فيما بيننا فالرحمة صفة من صفات الله وهي صفة جسدها رسولنا الكريم الذي وصفه الله بقوله ( إنك لعلى خلق عظيم ) ويقول سبحانه وتعالى ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين ) وبالتالي يتجسد أو يفترض أن يتجسد حبنا لرسول الله بأن نفشي فيما بيننا قيم التراحم والتكافل فعلا لا قولا وأن نسخر ما تيسر من إمكانيات وفي ظل واقعنا الراهن لتلمس حاجيات المحتاجين وتغطية طلباتهم بدلا من هذا الإسراف والبذخ الذي قطعا لا يقام مجانا بل هناك أموال طائلة تنفق على الزينة والحركة والفعاليات وهذه الإمكانيات لو توجهت للمحتاجين لكان رضاء الله ورسوله عنا أفضل وكانت حسناتنا عند الله ورسوله أكثر؛ ثم أن أهم ما يمكن أن نعظم به ديننا ورسولنا الكريم هو أن نعمل بما أنزله الله على رسوله ونلتزم بسلوك وقيم الرسول الهادي ونتحلى بكل الصفات التي تحلى بها في علاقتنا مع بعضنا وفي علاقتنا مع الأخر الحضاري ..
أن أعظم احتفاء يمكن أن نحتفي به برسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام هو أن نتحرر من الحاجة للأخر الحضاري وأن نحب بعضنا ونتسامح مع بعضنا ونحرص على بعضنا ونحقق العدل فيما بيننا وأن نحكم كتاب الله في شئوننا ونقتفي أثر رسول الله في كل مواقفنا وعلاقتنا اليومية فيما بين الحاكم والمحكوم ونتذكر قول رسول الله القائل ( من تولى شأن من شئون أمتي وشق عليها شق الله عليه ) .
أن الكثير مما نقوم به ونمارسه لا يحبذه الله ورسوله ؛ لان المطلوب منا ليس الاحتفاء الكرنفالي أيا كان غايته بل المهم التحلي بقيم الرسول الكريم والالتزام بسنته وبأوامره وهو الذي أمرنا بالتسامح والتراحم والتكافل ومكارم الاخلاق ؛ فكيف نتحدث عن إرضاء الله ورسوله ونقيم الحفلات الكرنفالية وفينا جائع وعريان ومشرد ومحتاج ومريض ومعسر ؟ كيف ونحن في زمن حرب وتناحر وهناك ملايين من الشعب يتسولون قوت يومهم من ( اليهود والنصارى ) ونتسابق على أبواب المنظمات الإغاثية ..نعم أن الاحتفال جزءا من القوة التي يجب ان نتحلى بها ونظهر من خلاله محبتنا لرسولنا الكريم ؛ لكن سيكون الأعظم هو في أن نتحرر أولا من حاجتنا لمن نريد أن نظهر لهم ولائنا لرسولنا ومن نريد أن نبهرهم بحبنا لرسولنا وتمسكنا به وبما أنزله الله له ؛ كما نظهر لهم تمسكنا بقيم واخلاقيات رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وعلى اله ..
أن تراحمنا وتكافلنا وتسامحنا ومحبتنا لبعضنا هي الأفعال التي بها يرضى الله ورسوله عنا ونرضى بها نحن عن انفسنا ؛ إذ لا يكفي أن نحشد الناس في الميادين والساحات لنظهر للعالم مدى حبنا لرسولنا في وقت هناك من يعاني من القهر والجوع والحاجة حتى من بعض الحاضرين الذين يأتون للساحات من باب در المتاعب والمسالة أو من باب تأدية واجب فرض عليه أو حفاظا على مصالح خاصة قد يفقدها أن لم يحشد ويسجل حضوره في المناسبة ..؟!!
أن أعظم ولاء لرسولنا الكريم في ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام وعلى اله ؛ يتجسد في إطعام الجائع وكسوة العريان وتدفئة البردان وعلاج المريض ومساعدة من يحتاج المساعدة ؛ وفي زراعة البسمة على شفاه أم ثكلى بولدها المسجون أو المخطوف ؛ بغض النظر عن سبب خطفه أو اعتقاله فالمسلم والملتزم بقيم واخلاقيات رسولنا الكريم لا يجب أن يسلك مسلك البعيدين عن الله ورسوله بل لابد لمن يحبون رسول الله ويبجلونه أن يتحلوا بأخلاقياته الكريمة وهو الرحيم والمتسامح بل هو منبع الرحمة وأيقونتها ..
نعم أحمل في قلبي حبا لرسول الله يتجاوز حبي لأبي وأمي وأولادي وحبي لنفسي ؛ ولكن ما اراه لن يقبل به رسولنا وأن زعمنا إننا ننتصر له في هذه الكرنفالات طالما وفينا محتاج وجائع ومريض ..وحسبي الله ونعم الوكيل . |