ريمان برس - خاص -
تمر ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر بذات الظرف الذي مرت به ذكرى ثورة سبتمبر وعلى نفس المنوال ستأتي وتمر ذكرى ال30 من نوفمبر ..
ذكريات جنائزية تمر علينا مع أنها تمثل بمجملها أيقونة تحولاتنا وبوابة انعتاقنا من براثن الجهل والتخلف والاستبداد وموروثهما الحضاري الذي كبلنا بأغلال التخلف واصفاد الجهل ..
من المؤسف وبعد ستة عقود من عمر تحولاتنا الثورية وبعد هذا الكم الهائل من التضحيات التي قدمها أحرار ومناضلي وشرفاء الوطن وهم بحق أنبل وأشجع وأكرم من أنجبتهم اليمن الذين بلغ بهم الكرم حد التضحية بأرواحهم من أجل أن نعيش أحرار وبكرامة ..مناضلين كتبوا بدمائهم تاريخنا الوطني ولكنهم للأسف ورغم كرمهم وتضحياتهم لم يلحقوا أو لم يتمكنوا وهم ينسجون شمس فجرنا المشرق أن يعلمونا كيف نقتدي بهم ونتأثر بنضالهم ونستقي منهم القيم والاخلاقيات النبيلة التي تحلوا بها ولم نتمكن من تقمصها أو حتى نتأثر بها بل ذهبنا نعبث بكل تضحياتهم ونتاجر بها في أسواق النخاسة ..؟!!
لقد صنع لنا ثوار ومناضلي الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ثورة عظيمة بعظمة الدماء التي سألت لأجلها وفي سبيلها ولكنهم لم يعلمونا كيف نكون ثوار ؛ ولم يقولوا لنا كيف نكون مناضلين ؛ ومنحونا الحرية ولكنهم لم يعلمونا كيف نكون أحرار ؛ ونتخلص من قيم العبودية وثقافة الارتهان للرموز الصنمية التي ركبت قطار الثورة ليس حبا بالثورة وبما قدمته لنا ؛ بل رغبة في تسخيرها لمصالحهم بعد ان نصبوا أنفسهم أوصيا على الوطن والشعب بل جعلوا من أنفسهم هم الوطن وهم كل الشعب ..؟!!
ربما ما يعيشه الوطن اليوم من أحداث وتداعيات تجبرنا على التوقف ومراجعة مسارنا ومواقفنا وخطابنا وحتى ثقافتنا وافكارنا ؛ يجب أن نتأمل في كل ذلك ؛ ويجب أن نغير كل ما نحن فيه من قيم ومعتقدات ومفاهيم أوصلتنا والوطن إلى ما نحن فيه اليوم من وضع عبثي مؤلم ؛ وضع لا يتسق مع تضحيات الثوار والمناضلين ومعاناتهم وما قاسوه في سبيل الثورة والانتصار من نظامي الكهانة والاستعمار ..
سنوات كثيرة مرة ونحن نحتفل بمناسبة أعياد الثورة سبتمبر وأكتوبر ونقيم فيها العروض العسكرية ونقطع ( التورتة الملونة بعلم الجمهورية ) ونلقي الخطابات المنمقة ونجري الحوارات مع ( بقايا مناضلين ) لا نتذكرهم إلا قبل المناسبة بعدة أيام ونحاورهم لدقائق من باب الاستعراض وحسب فيما ( الكثير من الانتهازين ) والأفاقين ومزوري التاريخ والاحداث هم من يتصدرون المشهد وهم في الطليعة والواجهة يستعرضون عبر الشاشات ومن خلف الميكرفونات بطولات وهمية فيما الواقع الوطني بكل مناحيه الاجتماعية يتألم بحسرة عن قلوب وعقول أحبت من فيه وثارت لأجله ولكنها رحلت أو توارت قسرا مفسحة المجال لكل انتهازي وآفاق ممن اعتادوا أن يحمدوا بما لا يفعلوا ..!!
أن الثورة ليست مجرد خطابات واحتفالات وعروض وتقارير إعلامية ؛ ولكن الثورة أي ثورة تعني تغير الواقع الاجتماعي وانتقال هذا الواقع من وضع ( كان) إلى أخر يجب ان ( يكون ) ؛ فماذا (كان ) في بلادنا وكان سببا في قيام الثورة ؟ وما هو( الكائن ) اليوم بعد عقود مرت من عمر الثورة ..؟!!
نعم هناك ثمة ظواهر إيجابية لا يمكن أن ننكرها جاءت بفضل الثورة وهذه الظواهر تحققت بفضل دماء الشهداء وما أكثرهم وتضحيات المناضلين وهم الأكثر ؛ ولم تأتي بنضال النخب الانتهازية وطابور الأفاقين الذين لم نرى منهم طيلة عقود الثورة سواء التآمر والارتهان والتبعية والعمالة والسمسرة على الثورة والجمهورية وأهدافهما وعلى أحلام وتطلعات الشعوب والتنكر لكل القيم الثورية والنضالية ولدماء الشهداء وتضحيات المناضلين ..!!
أن جيلنا الحالي بكل نخبه ورموزه ووجهائه لا يحق له الحديث عن ثورة لا نها أكبر وأعظم من امكانياته ما لم يراجع هذا الجيل نفسه ومواقفه وافكاره وسلوكياته ويقدم اعتذاره للشهداء والمناضلين وللتاريخ ثم يتبنى قيم واخلاقيات الثوار والمناضلين الذين كانت الثورة وكان النضال في ثقافتهم وقيمهم فعل من ( مغارم ) وليس فعل من ( مغانم )..؟!!
لقد اسقطنا نظام الامامة ولم نسقط ( الإمامين ) وثقافة الإمامة ؛ وطردنا المستعمر ولم نجتث ثقافته أو نتخلص من اتباعه ..حتى صرنا اليوم نترحم على عهد ما قبل الثورة شمالا وجنوبا لماذا ؟ لان أعداء الثورة وأعداء الوطن والشعب في الداخل وبمساعدة حلفائهم في الخارج أوصلونا والوطن إلى هذه النتيجة ليؤكدوا لنا أننا قد اخطانا حين ثرنا ضد نظامي الاستبداد والاستعمار وأن مستبد واحد خيرا من كوكبة من الطغاة والمستبدين وأن مستعمر غاز أفضل وأرحم من المستعمر الوطني ..؟!!
أن ستة عقود من عمر الثورة كفيلة بأن تنقلنا إلى آفاق التقدم والرقي وأن تغير قيمنا وثقافتنا وتعزز من مسارنا ووجودنا الحضاري وتلاحمنا الوطني ..لكن هذا لم يحدث لأننا وببساطة تمسكنا بقيم التخلف وثقافة الجهل والتعصب وهي عوامل اوصلتنا على نقطة ( الصفر ) واصبحنا اليوم بحاجة فعلية لثورة شاملة تحررنا من اغلال التعصب القبلي والحزبي والطائفي والمناطقي والمذهبي وهي أغلال أسواء وأبشع من تلك التي كان يكبلنا بها نظامي الإمامة والاستعمار .. والحاجة ماسة أيضا للتخلص من ثقافة التبعية والعمالة والارتهان وثقافة التآمر على بعضنا حبا بالمغانم والنفوذ ..وقد يكون ما نعاني منه اليوم هو شكل من اشكال الغضب الرباني علينا ونحن الذين تنكرنا لرموزنا الثورية ولمناضلينا واستبدلنا الولاء لهم والاقتداء بهم وبقيمهم بالولاء لقتلتهم ليصبح رموز الفساد والعبث والعمالة والخيانة وقتلة الاحرار والمناضلين هم رموزنا وبهم نقتدي وفي سبيلهم نخوض معارك الموت والخراب لا في سبيل الوطن والشعب ؛ نعم نحن نعيش في كنف لعنة ربانية وغضب رباني حتى صرنا على دين ملوكنا وليس في ملوكنا نزيه أو شريف أو حريص على مصلحة الوطن والشعب ..رحم الله شهداء ومناضلي الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر ونوفمبر واللعنة على كل افاك أثيم وفاسدا لئيم وانتهازي متسلق وخائن عميل .وحسبي الله ونعم الوكيل |