ريمان برس - خاص -
تخضع الشخصية القيادية أو ( الكارزمية القيادية ) للكثير من العوامل والمؤثرات النفسية والحسية والعقلية والسلوكية للمؤثرات الثقافية المكتسبة وكذا للمؤثرات البيئية وقساوة التضاريس والجغرافية وكذا للعادات والتقاليد المكتسبة بكل موروثاتها الثقافية وطقوسها الدينية وباختصار فان الشخص أي شخص هو أبن ( البيئية ) وأبن ( الجغرافية ) وتشكل هويته وقناعته الموروثات المكتسبة بما فيها العادات والتقاليد ..لكن وقبل ان نحدد أهدافنا من الغاية المرجوة من هذه السلسلة سوف نستعرض وباختصار ما يقوله العلماء في هذا الجانب ..
1_نظرية هيبوقراط ..
على الرغم من بعد المسافة التاريخية بيننا وبين ما وضعه هيبوقراط Hippocrates في القرن الرابع قبل الميلاد، إلا أنه يعد أول من تبّنى مفهوم العلاقة بين التركيب الجسمي الحالة المزاجية للفرد. وقد تركت نظريته العديد من الآثار على ما حاول علماء النفس إيجاده بعده بقرون عديدة..
2- نظرية كريتشمر:-
سار العديد من العلماء على ما وضعه هيبوقراط قبل ذلك بقرون عديدة. وتمثلت البداية على يد العالم الفرنسي روستان Rhostain عام 1824 والذي وضع أربعة أنماط هي النمط الهضمي، والنمط العضلي، والنمط المخي، والنمط التنفسي. وكانت هذه بداية لمعظم التصورات الحديثة في هذا المجال.
أما إرنست كريتشمر E. Kretschemer فقدت بدأت على يديه عام 1921معالم علم النفس الجبلي الحديث، وذلك من خلال إهتمامه بوجود علاقة بين البنيان الجسمي الظاهري للفرد والاضطراب العقلي والبيئة والتراث الإجتماعي ، وكان كريتشمر طبيباً للأمراض العقلية في ألمانيا، وقام بدراسة العديد من الحالات التي توصل من خلالها لنظريته هذه..
3- نظرية شيلدون:-
يعد وليم شيلدون W. Sheldon وبحق الممثل الحديث لعلم النفس الجبلي. وهو أحد علماء النفس الذين استطاعوا الحصول على درجة في الطب، عمل بعدها في مجال دراسة الطب العقلي. وتعتبر نظريته امتدادا لنظرية كريتشمر من حيث إيجاد العلاقة بين بنية الجسم أو نمطه المورفولوجي والسلوك. وأستطاع أن يضع مجموعة من المؤلفات في أربعينات هذا القرن عن أنواع البنيان الجسمي للإنسان، وأنواع المزاج..
وقد أهتم علم الأعصاب البيولوجي Neurobiology بالعديد من العوامل البيولوجية التي تؤثر في عملية نمو ونضج الفرد بما يترك آثاره على الشخصية بكاملها فيما بعد. ولذلك فإن فهمنا للطبيعة الإنسانية - متمثلاً في فهمنا للشخصية - لا يمكن أن يتحقق على نحو سليم دون أن نتعرف على طبيعة أثر تلك العوامل البيولوجية في تكوين الشخصية..
وهناك نظرية أبن خلدون ..والفارابي ..وجميعها تؤكد حقيقة أن الشخصية القيادية تتأثر بمحيطها وتحكمها بيئتها وجغرافية المكان الذي نشاء فيه والتقاليد المتوارثة التي شكلت قناعته الثقافية والفكرية ..
إذا ما توقفنا _ مثلا _ أمام كارزمية ( الرئيس السابق علي عبد الله صالح ) سنجد إن الرجل ينتمي لقبيلة أو لتجمع جغرافي يسمى ( سنحان ) في هذا النطاق تربى الرجل وترعرع وتشكلت قيمه وقناعته الثقافية والفكرية من التراث المكتسب الذي تداولته قبيلته وتناقلته كابرا عن كابر ..بغض النظر عن المؤهلات العلمية التي بالطبيعة لا تشكل قناعات المرء لأن ( المتعلم ) قد يكون إنتهازيا أو إقطاعيا أو ديكتاتوريا لأنه محكوم بقيم وسلوكيات البئئة التي ينتمي إليها ، بعكس ( المثقف الاجتماعي ) الذي هو افضل من ( المتعلم ) وهو من يمكن الرهان عليه في قيادة التحولات الاجتماعية والحضارية ، الرئيس السابق لاشك حكمته وتحكمت به طقوس وتقاليد مكتسبة ، مصدرها (القبيلة _ سنحان ) التي ينتمي إليها والظروف التاريخية التي مرت بها ( سنحان )، فسعى وهو في قمة السلطة إلى تعويض قبيلته ورد الاعتبار لها من بطش وأستبداد (القبيلة الأم_ حاشد ) التي حكمها وتحكم بها شخص _ (عبد الله بن حسين واجداده ) _ لا ينتمي لها تاريخيا ولا (جينيا ) ولكن جدوده وفدوا إليها فانتسبوا لها فعملوا هو وأسلافه على تطويع هذا المكون (القبلي _ حاشد ) واتخذوا منها سندا وحائطا يتكؤن عليها دون أن يكترثوا بالمقابل بمبدا مبادلة هذا المكون الوفاء بالوفاء بل سخروا ( حاشد ) لخدمتهم وأستغلوها في تحقيق مصالحهم ففشلنا في إيحاد دولة أو سلطة لإدارة شئون المجتمع لأن ( سلطة القبيلة وسطوتها ) طغت بوجودها على وجود ( الدولة _ والسلطة _ والمؤسسات ) وعلى مدى قرابة نصف قرن هي عمر انطلاقة مسيرة التحولات المتعثرة كان ( عبد الله بن حسين ) يهدد الدولة والسلطة بحاشد ، ويهدد حاشد ويحتويها بالدولة والسلطة اللذين كانتا خاضعتان لسطوته ونفوذه ..!!
بين هذا وذاك حاول الرئيس السابق وهو الذي جاءا للسلطة من رحم ( القبيلة ) وبمباركتها ، لكنه لم يتمكن من مغادرة معطف القبيلة حتى حين قرر التحرر من تبعيتها بعد وفاة كبير ( حاخاماتها ) لم تؤدي محاولته إلا لشق هذا المكون ( القبلي ) ولأول مرة حدث التصدع الرهيب في جدار القبيلة وهو التصدع الذي أوجد ( كارزميات قيادية ) على شاكلة ( عبد الملك الحوثي ) الذي تحكمه قيم وقناعات تجاوزها المجتمع لكنه يسعى لإعادة إحيائها بطريقة درامية حافلة بالعقد بل وتتجاوز عقدة ( اوديب ) درامية ..؟!!
فالمشروع ( الحوثي ) جاءا بطرق درامية مثيرة وصادمة ، وتكشف مدى الحالات النفسية للرموز والنخب المجتمعية المعنية بصناعة القرار ، وهي نخب ( مريضة ) فعلا بنرجسية قاتلة ، نرجسية تجاوزت ( خيار شمشون الجبار ) الذي هدم المعبد عليه وعلى اعدائه ، فيما خيارات ( تاجر البندقية ) في ملحمة الأديب الإنجليزي وليم شكسبير تغدوا مثالية أمام خيارات نخب وفعاليات يمنية كانت محل رهان شعبي بحكم إنتمائها لمدرسة النضال الوطني لكن المؤسف ان هولاء الرموز جيروا كل قيم واهداف ومبادئي مدرسة النضال الوطني ، وأستبدلوها بقيم خاصة وذاتية تحقق رغبات الفرد على حساب الجماعة ..!!
إذا ما توقفنا أمام ( الكارزمية الثالثة _ عبدربه منصور ) سنجد الرجل يعاني من حالة إضطهاد مزمن ، وشعور بالنقص نماء وترعرع معه ، فكون شخصيته (الهلامية ) أمام الجماعة لكنه يحمل شخصية مركبة قاتلة ومدمرة ان أتيحت له الفرصة وصاحب هذه الشخصية الإزدواجية والمركبة هو الأشد خطورة إذا ما تملك عوامل القوة والسلطة ، لأن اعتى الديكتاتورين هم من اكثر الشخصيات جبنا وخوفا ..لكن هولاء إذا ما امتلكوا السلطة والقوة يصبحون ( طغاة ) وطغاة شرسين لدرجة ان يتماهوا في قراراتهم مع ( نيرون ) الذي أحرق روما وقعد يتلذذ بحريقها إنتقاما منها ومن سكانها الذين سخروا منه ومن طريقة إدارته للسلطة فقرر إحراقهم ..؟!!
ولا يختلف عبد ربه عن ( نيرون ) ولأن طعنات الجبناء تكون قاتلة لأن الجبان يطعن بالظهر ويوجه طعنته بكل قوة ،بعكس طعنة الشجاع التي تاتي من امامك وغالبا لم تكون قاتلة، فان عبد ربه لا يهمه ما قد توؤل إليه الاوضاع في البلاد فهو يدرك إنه لن يعود للسلطة لكنه يريد هدم المعبد على روؤس الجميع ..
الرئيس السابق لا يرغب بالعودة للسلطة بدوره ، لكنه لن يترك المشهد دون تأمين ( قبيلته ) وعترته ، ودون ان يحجز مكانة لهم في مفاصل القادم الوطني وبأي شكل وصورة ..
الامر يختلف عند ( الحوثي ) الذي يريد الثار والإنتقام لمشروعه ويرغب في فرض خياراته ولا يتردد في الإدعاء أن كل ما يقوم به هو بأمر الله والرسول وإنه وجماعته هم وحدهم خلفاء الله في الارض وهم مسئولين عن حماية دين الله وسنة وسيرة رسول الله وهم أولى بإدارة شئون البلاد لأنهم مكلفين بهذا تكليف رباني لا جدال فيه ..والملاحظ أن كل هولاء بمن معهم من الرمزيات الاجتماعية جميعهم دون إستثناء لا يملكون رؤية ولا مشروعا وطنيا ولا نظرية تؤهلهم لبناء دولة مؤسسات ولا سلطة بمشروع وطني جامع ، بل تحرك هولاء مجتمعين نوازع ( ذاتية ) ومشاريع خاصة ضيقة وتلكم هي مشكلتنا ومشكلة بلادنا الأرض والإنسان ..وثمة جدلية فشلنا في حلها وهي جدلية مزمنة منذ قرون وهي ( جدلية الدولة والهوية ) ..هذه المعادلة التي نعاني منها وهي سبب كل مشاكلنا وصراعاتنا الدامية منذ الازل ، ولن تنتهي كل هذه الصراعات والازمات ما لم نحل هذه المعادلة ..
الخلاصة : إننا امام كارزميات يفترض تحويلها لمراكز صحية تعتني بالمرضى ( النفسانيين ) والامر لا يقتصر على الثلاثة الرموز وحسب بل ينطبق على كل النخب والفعاليات الناشطة والتابعة لهولاء الرموز ، بل والمجتمع نفسه يحتاج لمراجعة مراكز الامراض النفسية لآن المرضى النفسانيين ليس بالضرورة أن يكونوا ( مجانيبن ) كما نطلق عليهم في قواميسنا المحلية ، بل ان الطب النفسي يقدم خدماته لكل الافراد والشرائح وليس عيبا مراجعة دكاترة الامراض النفسية ، لأن هذا السلوك لا يقدم عليه إلا الإنسان السوي والعاقل ، فيما المرضى لا يعترفون بمرضهم ، ولكن نجد مأثرهم في الازمات التي يصنعوها بالمجتمع ..
انتهى .. |