ريمان برس -خاص -
         
أعطت إنتفاضة الشعب العربي الفلسطيني التي أندلعت في ديسمبر 1987م زخما جديدا للثورة والمقاومة والقضية وأجبرت حجارة أطفال فلسطين أمريكا والكيان الصهيوني علي الأعتراف بحق أبناء فلسطين بالهوية الوطنية بعد أن كانوا ينظرون إلي أبناء فلسطين في الضفة وغزة والقدس باعتبارهم ( مواطنيين أردنيين) لا علاقة لهم بوطنهم وأرضهم فلسطين المحتلة، هذا الأعتراف الذي صنعه أطفال الانتفاضة أدي إلي حدوث حراك سياسي ودبلوماسي ومقاومة متعددة الأوجه، ليعقد علي ضوء هذا الحراك الثوري المتعدد ( المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس الثوري الفلسطيني، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية)  مؤتمرهم العام عام 1988م ليعلن الرئيس الشهيد ياسر عرفات أمام هذا المؤتمر الذي أنعقد بالعاصمة الجزائرية الجزائر عن قيام ( دولة فلسطين العربية)  وعاصمتها القدس، تجسيدا لنصوص الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تم خلال المؤتمر التصويت علي تعديل بعض فقراته ليصبح هو الدستور الوطني الفلسطيني وكانت أبرز الفقرات المعدلة ما يتعلق بدور المنظمة التي تحولت من مجرد منظمة مقاومة ثورية إلي شخصية اعتبارية، أي إلي دولة وهي الصفة التي حملتها حركة فتح كبري حركات منظمة التحرير الفلسطينية وأقدمها والراعية أو الحاضنة لبقية الفصائل، كان الإعلان عن قيام دولة فلسطين في المنفي بقيادة حركة فتح يعني أن تتخلي الحركة عن المقاومة المسلحة وأن تقبل بالعمل بالقانون الدولي والأنظمة والشرائع الدولية، وأن تواصل نضالها الوطني من خلال المفاوضات والحوارات والعمل السياسي والدبلوماسي، وقد أدي هذا الإعلان عن قيام دولة فلسطين بحصول دولة فلسطين علي أعتراف 86 دولة من دول العالم التي أعترفت بدولة فلسطين وفتحت في عواصمها ممثليات وقنصليات وسفارات ومكاتب تمثيل لدولة فلسطين قبل أن يرتفع عدد هذه الدول المعترفة بدولة فلسطين إلي 146 دولة في قارات العالم الخمس منها 105 دول تقيم علاقة دبلوماسية كاملة مع دولة فلسطين علي مستوي السفراء..
طبعا هذه الخطوة التي خطاها الرئيس الشهيد أبو عمار قوبلت بمعارضة البعض وترحيب البعض علي مختلف الصعد، سوا تعلق الأمر بالمشهد الداخلي الفلسطيني أو في النطاق العربي والإسلامي أو علي النطاق الدولي وكانت هناك وجهات نظر متباينة تعكس رؤية كل طرف للقضية والثورة والمسار النضالي وما يجب أن يكون عليه..!!
عربيا ذهب البعض إلي ( تخوين أبو عمار، وحركة فتح)  وذهب محرضا بعض قوي الداخل الفلسطيني سواء تلك التي تشكل جزءا من منظمة التحرير أو أخري أخذة تتشكل علي الخارطة الاجتماعية الفلسطينية بمعزل عن منظمة التحرير الفلسطينية، غير أن منظمة التحرير بقيادة أبو عمار تختلف في أدوارها ومواقفها وسياستها وطريقة إدراتها للشأن العربي الفلسطيني عنها بعد رحيل هذا القائد الذي كان يتمتع بكارزمية قيادية إستثنائية وبقدرة علي الحوار والتواصل ومخاطبة الأخ والصديق، القريب والبعيد وحتي العدو، كان برجماتيا ومثقف سياسي ومناضل يجيد وبجدارة إدارة المسار النضالي الفلسطيني مستوعبا تناقضات الداخل الفلسطيني، وتناقضات النطاق الإقليمي العربي رسميا وشعبيا، كما كان مستوعبا ومدركا للتعقيدات الدولية وخاصة ما يتصل منها بقضية وطنه وشعبه وهو الذي حول قضية شعبه من قضية ( لاجئين)  تختزل قضيتهم في الجانب الإغاثي وكيفية توفير الأغذية والملابس والادوية لهم من باب الإنسانية وحسب، ليعكس أبو عمار كل هذه النظرة الدونية ويجعل منها قضية شعب يناضل من أجل تحرير وطنه وأستطاع تحقيق هذه المعادلة مع نخبة من رفاق ومناضلين ربما أختلفوا مع الرجل علي الوسيلة لكنهم لم يختلفوا يوما علي الغاية المرجوة وهي تحربر فلسطين وإقامة دولتها المستقلة وعاصمتها القدس والعودة والتعويض.
رغم الخذلان الرسمي لبعض الأنظمة قبل وبعد إنطلاقة الثورة الفلسطينية في 1/1/1965م عبر أول بيان ثوري فلسطيني حمل توقيع منظمة ( العاصفة)  ، إلا أن  أبو عمار لم يتنكر يوماً لمواقف أمته الرسمية والشعبية، إذ كان الرجل يتمتع  ببرجماتية  مكنته من التعامل مع كل المتناقضات،  مؤمنا أن ليس بالامكان أبدع مما كان  فيما يتصل بالحالة العربية الرسمية، مدركا أن بعض الأنظمة العربية الرسمية لم تخذل  فلسطين الشعب  والقضية  وحسب  ، بل خذلت  جيوشها  وشعوبها،  كما حدث في حرب النكبة عام 1948م،  مستشهدا  بالحالة المصرية  ورد فعل  ضباط الجيش المصري  الذين من فلسطين  وبسببها  قرروا  التخلص من النظام  الفاسد،  وكان  أبو  عمار  دائما  ما يردد مقولته المشهورة ( أنا أقود ثورة وسط غابة من البنادق، وأتنقل علي جغرافية سياسية عربية مزروعة بالالغام  الخطوة الغلط والغير محسوبة عليها هي الأخيرة )  !!
24 أكتوبر 2023م