السبت, 27-يوليو-2019
ريمان برس - خاص -

لا أعتقد أن ثمة تجربة سياسية أو حركة نضالية تعرضت لحرب ومؤامرات ومحاولات تشويه كما هو الحال مع التجربة الناصرية التي واجهت ومنذ لحظة ميلادها حربا شعواء من العدو التاريخي للإمة والمتمثلة بقوى الإقطاع والرجعية من الداخل وحلفائهم الخارجين المتمثلين بقوى الاستيطان ( الصهيوني ) والاستعمار الإمبريالي ..
وبمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1952م التي قادها الزعيم والقائد المعلم المغفور له جمال عبد الناصر أود التوقف أمام هذه الذكرى القومية التي لم أعيش في كنفها ولكني كأي مواطن عربي وصلته بركاتها وتلمس تحولاتها الحضارية من خلال تأثير تلك الثورة في محيطها القومي حضاريا وتنمويا ، أو من خلال مؤثراتها الفكرية التي لا تزل تتوغل في العقل العربي وتتناقل قيمها وتتشرب مبادئها أجيال الأمة رغم التحولات التي حدثت بعد رحيل القائد والمعلم وحامل مشاعل التنوير القومي الزعيم جمال عبد الناصر الذي تنسب إليه ( الناصرية ) وإلى أفكاره الثورية التي ترجمها خلال مرحلة نضاله الوطني والقومي ..
والمؤسف أن ثمة عوامل ذاتية وموضوعية واجهت التجربة الناصرية في حياة قائدها وبعد رحيله زادت حدة المواجهة وزادت عواملها فيما أوغلت قوى استهداف التجربة بحملات التشويه والتشكيك بالتجربة وبقيمها واهدافها ومما ضاعف من حملات الاستهداف والتشكيك والتشويه باهداف وغاية التجربة كانت الأخطاء التي وقع فيه ( التيار الناصري ) - أولا - وثانيا - تحول التجربة بعد رحيل القائد الذي نسبت إليه التجربة من تجربة (نضالية) إلى حركة ( سياسية ) إضافة إلى أن التجربة الناصرية هي في الأساس تجربة جماهيرية تلامس هموم وأحلام وتطلعات الجماهير العربية التي لأجلها ثار ناصر وفي سبيلها قامت ثورة يوليو ومن أجلها عاش ناصر مستمدا شرعية وجوده وشعبيته وزعامته من هذه الجماهير التي كان معبرا عنها والمتمثلة بتحالف قوى الشعب العامل والمكون من العمال والفلاحين والمثقفين وأبناء القوات المسلحة والأمن والرأسمالية الوطنية ، وخاضت التجربة وقائدها صراعا مريرا من أجل الاستقلال الوطني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وربطت التجربة الحرية السياسية للوطن بالحرية الاقتصادية للمواطن ، إذ لاحرية سياسية بدون حرية اقتصادية ، فالحرية وفق المفهوم الناصري تعني حرية الوطن من الاستعمار وحرية المواطن من الاستغلال ، ولهذا جوبهت الناصرية بحملات التشويه من خصومها في الداخل العربي ومن أعدائها في الخارج ، لأنها ببساطة تجربة تميزت بتفردها الفكري والسلوكي وانحيازها للجماهير الشعبية صاحبة المصلحة الاولى في الثورة والتحولات الثورية لتتبلور التجربة بثلاثة أهداف أساسية للنضال العربي وطنيا وقوميا وهي ( الحرية ..والاشتراكية ..والوحدة ) وتعني هذه الأهداف حرية الوطن من الاستعمار والمواطن من الاستغلال ..وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن والأمة من خلال أذابة الفوارق والامتيازات بين الطبقات وتكريس وترسيخ معيار العدل الاجتماعي بين المواطنيين ..والهدف الثالث يعني إعادة وضع الأمة إلى سياقها الطبيعي كخير أمة أخرجت للناس ، ولتؤدي دورها كأمة حاملة لرسالة السماء ..
بيد أن مشكلة ( الناصرية ) في ظل قائدها إنها فهمت واستوعبت حاجة الأمة وأحلامها وسعت لتحقيقها ، وأستوعبت مخططات أعداء الأمة وسعت للتصدي لها ، وهذا ما جعلها تواجه أعداء من الداخل دفعهم الخوف على مصالحهم ووجودهم إلى أولا التنافس مع التجربة ورموزها وثانيا التشكيك بالتجربة واستغلال كل الأخطاء للنيل منها ..وقد ساهم أعداء الخارج في تكريس هذا الخلاف وتطويره ليصل للخصومة والعداء مع التجربة داخليا ، ليسهل ذلك على العدو الخارجي مهمة اختراق الوعي العربي والعقل العربي وحقنهما بقيم ومفاهيم بعيدة عن أهداف الأمة وتطلعاتها وهذا ما صرنا فيه اليوم ..
بعد رحيل قائد التجربة زاد الأمر سوءا ، إذ لم يتمكن حملة المشروع والتجربة من المضي على خطى القائد ناهيكم أنه وبعد رحيل القائد سعى أعدائه في الداخل والخارج الى توحيد موقفهم الاستهدافي للتجربة وتوحيد طاقاتهم وقدراتهم للنيل من القائد والتجربة والاتباع وساعدهم في هذا بعض الأخطاء القاتلة التي ارتكبت من قبل ( الناصرين ) الذين لم يفرقوا بين أهدافهم الذاتية وبين التجربة وأهدافها ناهيكم عن تحويل التجربة برمتها من تجربة ( نضالية ) إلى تجربة ( سياسية ) مضاف إليها ما يشبه الاجداب الفكري الذي لحق برموز العمل الناصري وفي مختلف الساحات القطرية.. ثم مؤامرة أستهداف التجربة ورموزها وقيام ثورة مضادة ضد كل ما له صلة بناصر والناصرية وانصارهما ، بدءا من ( إنقلاب مايو الساداتي 71م، مرورا بإنقلاب القذافي على التجربة 1972م، ثم أنقلاب قفصة التونسي 1976م ثم كارثة اليمن عامي 77/78م ) وقد يكون ما حدث في اليمن أكثر إيلاما للحركة الناصرية إذ سقط فيها أحد أهم رموز الفكر الناصري والذي كان معول عليه إثراء الفكر الناصري وانتشاله من دائرة الاجداب والجمود ، كان هذا هو الشهيد القائد عيسى محمد سيف القدسي الذي كان المناضل العربي الوحيد في مؤتمر طرابلس القومي 1972م من وقف وتصدي لطروحات الرئيس الشهيد معمر القذافي وفند طروحاته الخاطئة مما دفع يؤمها الدكتور عصمت سيف الدولة - رحمة الله تغشاه - أن ينزل من منصة المؤتمر و من جوار القذافي إلى القاعة ليقبل رأس الشاب عيسى محمد سيف ويخاطبه بالعبارة التالية وعبر مكبر الصوت ( إذا كانت الأمة لاتزال تنجب شبابا من أمثالك فأن أمتنا العربية بخير وسوف تنتصر على أعدائها )..
يتبع
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 02-مايو-2025 الساعة: 04:53 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://raymanpress.com/news-82560.htm