الجمعة, 19-يوليو-2019
ريمان برس - خاص -

يقال التاريخ يعيد نفسه بصورة( مآسة أو مهزلة ) لكن هناك محطات يعيد فيها التاريخ نفسه بصورة ( تراجيدية ) وبحبكة درامية تعيد للأذهان درامية عقدة ( أوديب ) للرواي الإنجليزي وليم شكسبير ..نعرف جميعا أن للتحولات الدولية إستحقاقاتها فقد تعاقبت التحولات وتواترت تباعا في ظل إدارة الرئيس جورج بوش ، ففي زمن الحرب البارده بين القطبين المقررين على الساحة الدولية أنذاك ، وتحديدا العلم 1963م وصلت المجابهة المباشرة السوفيتيه - الأمريكية حدودا قريبة من النار ومن الإطلاق المتبادل للصواريخ الباليستية الاستراتيجية من نوع ( اس اس 20) الفتاكة من الجانب السوفييتي واستخدام اسلحة الدمار الشامل ..فقد نشأت ما عرفه العالم بأزمة( خليج الخنازير ) والصواريخ السوفيتيه التي نصبت فوق الأراضي الكوبية مقابل شواطئ ميامي والسواحل الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة وفي حينها كان الرئيس السوفيتي والأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي ( نيكيتا خرتشوف ) قد أطلق سلسلة من تصريحات التحدي لواشنطن من على منبر الأمم المتحدة وباتت حينها المواجهة العسكرية المباشرة بين القطبين الأكبر قاب قوسين من الاندلاع لولاء جهود دولية بذلت وحسابات الربح والخسارة لدى الطرفين وأثمرت تلك المواجهة عن مفاوضات شاقة وطويلة انتهت بإبرام اتفاقية ( سالت 1) و( سالت 2) ما أوردته عبارة عن استدلال لمشهد يكرر نفسه اليوم بصورة تراجيدية ولو على وتيرة أخفض وأقل تسارعا ، وبفوارق موازين المواجهة وخصائص المرحلة وأدواتها التنافسية ويمكن القول أن أزمة ( الدرع الصاروخي الأمريكي ) تقف وراء سلسلة التداعيات التي عصفت بالخارطة الدولية منذ العام 1995م وحتى اللحظة وفيها ومنها الغزو الأمريكي لافغانستان والعراق وقبلهما أحداث منهاتن 2001م وعلى خلفية رغبة واشنطن في نصب درعها فوق أراضي بعض دول أوروبا الشرقية التي كانت حتى وقت قريب في دائرة حلف ( فرصوفيا) تحت قيادة موسكو ..فواشنطن وحتى الساعة متمسكة بخطة نشر صواريخ اعتراضية في الأراضي البولندية ورادارات في الأراضي التشيكيىة باعتبارها تشكل مظلة لحماية الولايات المتحدة واوروبا من مخاطر ( هجوم إيراني ) محتمل بالصواريخ وهي حجة واهية ..كما سعت واشنطن ومن خلال حلف الناتو إلى نشر قوات عسكرية على الحدود الروسية وضم الدول المجاورة لروسيا إلى عضوية الحلف مثل جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا بعد أن تم ضم ( لاتفيا ، ليتوانيا ، أستونيا) والعديد من دول حلف وارسو وبعد أن أصبح قوام الناتو 28دولة بعد أن كان 12 دولة حتى وقت قريب عدا عن ما يحمله الناتو والمشروع الأمريكي من نظام الدرع الصاروخي ككل وما له من مغزى سياسي يتعلق بسعي واشنطن في تحجيم الدور الروسي والإستمرار في إقصاء روسيا وتحطيم هيبتها وحضورها في الميدان الدولي وفرض الحصار عليها ..في هذا السياق يدرك الخبراء أن بإمكان روسيا اليوم رد الصاع صاعين لواشنطن والقيام بخطوات عملياتية مثل نصب صواريخ حربية من نوع ( أسكندر ) في أراضي حليفتها بيلاروسيا - مثلا - ويعرف الغرب وامريكا دقة وخطورة صواريخ ( أسكندر ) الروسي ..إضافة إلى تطوير روسيا لصاروخ ( أفانغارد ) والذي يتميز بمميزات جد فائقة الى جانب صاروخ ( الشيطان 2) وهذه النوعية من الصواريخ الروسية تمثل عقدة لواشنطن التي تعيش حالة رعب حقيقي منها لعجز واشنطن حتى اللحظة عن التوصل لسلاح صاروخي مضاد او متوازي القدرة والفعالية والتأثير مع هذه الصواريخ التي انتجتها روسيا مؤخرا واجرت عليها سلسلة تجارب ناجحة وهي بقدر ما اصابت أمريكا وحلفائها بالهستيريا فأنها بذات الوقت أجبرت واشنطن على فرملة غطرستها وخضوعها لحرب استخبارية مقننة أو لعبة ( توم جيري ) ؟؟!
جوليان أسانج وكل من لجاء لروسيا من واشنطن في مسلسل حرب المعلومات التقنية والاستخبارية يندرجون في سياق الصراع الاكبر والاخطر وهو صراع فرض الإرادات وإعادة التموضع على خارطة العالم بين رؤيتين أمريكية وتهدف الى تقاسم النفوذ بينها وبين موسكو وروسية تسعى لعالم متعدد الاقطاب وهذا ما ترفضه واشنطن بالمطلق ..
يوم أمس 17 يوليو 2019م علق السيد سيرجي لافروف - على سبيل المثال - عن خطط الناتو وقال ( أنفق الناتو العام الماضي ترليون دولار على تجهيزات ومعدات عسكرية في حدودنا الشرقية مقابل 50 مليار انفقتها روسيا الاتحادية ..؟!
يدل هذا على أن حرب الاستخبارات ليست إلا آلية ( تنفيس احتقانات) وهي تحول دون اندلاع مواجهات مباشرة بين أصحاب المصلحة من الصراع المحتدم اليوم على خارطة العالم ..وأزيد هناء من باب الاستدلال ايضا القول أن روسيا الاتحادية أقدمت يوم أمس ايضا على نشر قوات خاصة روسية في مدينة أدلب العربية السورية وهذه الخطوة لم تحدث من قبل روسيا في كل تاريخها وحدثت فقط أيام الاتحاد السوفيتي عام 1968م حين دخلت القوات الخاصة السوفيتيه فيما أطلق عليه ( ربيع براغ ) كما أضن لقمع مظاهرات طلابية وعمالية قامت ضد النظام الموالي لموسكو حينها ..هذه الخطوة التي أقدمت عليها روسيا في أدلب العربية السورية يوم أمس تحمل أكثر من رسالة تحدي وهي رسالة غير مسبوقة من روسيا ، التي عبرت بخطوتها هذه عن قوة حظورها وثقتها بذاتها الجيوبولتيكية والجيوسياسية وأنها تعكس حالة من الثقة الاستراتيجية وتؤكد أن زمن الإملاءات قد ولى إلى غير رجعة ..
يتبع
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 19-مايو-2025 الساعة: 05:17 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://raymanpress.com/news-82539.htm