الثلاثاء, 29-أغسطس-2017
ريمان برس - خاص -

(( بداية أعتذر لكل الاطراف التي قد أشير إليها هناء وأجزم أن موقفي من أي طرف ليس نابعا بدافع من كره او حقد او إزدراء ، بل انني أحترم الجميع وأعترف بحقوق الجميع وشرعية الكل ، لكن في المحصلة نحن في وطن ونريد هذا الوطن أن يستقر وان نتوحد جميعنا فوق أرضه وتحت شمسه وسمائه وان نقبل التعايش فيما بيننا ، كما عشنا قبل هذا قرون مؤغلة ، علينا التسليم بحقيقة العيش المشترك ، وحقيقة وحدة الهوية والمصير ، وكذا الاعتراف بحقوق بعضنا وحق بعضنا في الحرية والكرامة دون تهميش أو إزدراء أو ان يفرض بعضنا قيمه ومعتقداته على بعضنا الاخر .))
حين قامت ثورة 26سبتمبر 1962م وكانت تعبيرا عن رغبة شعبية عارمة ،لكن الشعب لم يكون مشاركا فعالا فيها ولم بعلم بها إلا بعد سماع بيانها الاول فالثورة قامت بها النخب الثقافية وشريحة القضاة والتجار والقوى التقليدية وكل هولاء كانوا من المقربين غالبيتهم من بلاط ( آل حميد الدين ) ولكنهم وصلوا إلى طريق مسدود مع رموز النظام الإمامي الذي كانوا قد قرروا التخلص منه عام 1948م فيما أطلق عليه بالثورة الدستورية وكان غايتها إستبدال إمام بأخر ولكن بصيغة ( دستورية ) وكانت القوى التقليدية والنخب الفاعلة عام 48م قد أستعانت بجماعة الإخوان المسلمين للتخلص من نظام آل حميد الدين ولهذا جلبوا ( الفضيل الورتلاني _ إخواني جزائري ) للإشراف على تنفيذ المهمة ، التي ادت إلى اغتيال الإمام يحي ، وتنصيب عبد الله الوزير إماما دستوريا ولكنه لم يصمد سوى أيام ليعيد الإمام احمد ملك أبيه ويرثه ، فالصراع على السلطة في أرض السعيدة له جذور تاريخية مؤغلة ،وسياسة الاستقوى بالمحاور الخارجية ايظا ظاهرة قديمة بل ومؤغلة في القدم ، ففي عهد سيف بن ذي يزن انقسم الأذوا والأقيال بين مؤئد للولاء والتحالف مع مملكة (اكسوم المجاورة _ الحبشة حاليا) وبين الراغب بالولاء والتحالف مع مملكة ( فارس _ إيران حاليا ) فدخل الأحباش اليمن وذهب سيف بن يزن يستنجد بالفرس الذين وفدوا لليمن واخرجوا الاحباش وظلوا محتلين اليمن حتى عام 620م تقريبا ..ولم تعرف اليمن حالة إستقرار سياسي واجتماعي واقتصادي وتحولات تنموية وحضارية طيلة تاريخها لمرحلة ما بعد سيف وأنداده من الإذوا والأقيال إلا في ثلاثة عهود فقط هم عهد (الطاهريين _ السلطان عامر بن عبد الوهاب الطاهري ) والعصر ( الرسولي ) وعصر ( الصليحين ) ما دونهم لم تشهد اليمن إلا صراعات لا تنتهي ولم تخوض اليمن عبر تاريخها حربا على عدو خارجي او غازي وانتصرت فيها، بل لم تنتصر اليمن عبر تاريخها بحرب ضد عدو خارجي مطلقا، لكن سجل التاريخ إنتصارات حافلة بالبطولات والانتصارات على بعضهم _ البعض وحسب ..؟!
في صبيحة 26 سبتمبر 1962م انقسمت النخب اليمنية والقوى التقليدية إلى ( جمهوريين وملكيين ) اولا ثم انقسم ( الجمهوريين ) فيما بينهم إلى تكتلات توزعوا بين ( مثقفين ثوريين ) وقوى ( تقليدية ثورية ) ثم أنقسم المنقسمين إلى نطاقات جغرافية تحكمهم ولاءات لم ترتقي لمستوى الحدث العظيم _ حينها _ الثورة التي أعتبرها الرئيس جمال عبد الناصر نصرا شخصيا له وليس لمشروعه الثوري والوحدوي القومي ، في المقابل انقسم ( الملكيين ) فيما بينهم إلى ثلاثة أقسام ( البدر ) و( الحسن ) و( محمد أبن الحسين ) ..فيما ألتحق خصوم آل حميد الدين من ال الوزير ، والمتؤكل ، وحتى ( أل الحوثي ) بركب المتغيرات يرقبون المشهد ويتربون اوضاعهم ومراكزهم ، وبما ان الصراعات السياسية وغياب المشروع السياسي والفكري والثقافي للثورة ، كل هذه العوامل جعلت كل اطراف الصراع كل في مساره وإتجاهه يعمل وفق منطق السيطرة والأنتصار لخياراته ، وكان اول قرار ( طائفي ) اتخذ بعد قيام الثورة هو قرار تصفية الملازم علي عبد المغني ،بعد ثلاثة أيام تقريبا من قيام الثورة ، ثم جاءا اول قرار إستبدادي بعزل اللواء جزيلان ، ثم شاهدنا ابشع قرار تعسفي بإتهام ( الرعيني ) بالخيانة وإعدامه دون ان يعطوا الشعب فرصة معرفة خيانة الرعيني وحجمها ، لحق هذا اغتيال وزير الإعلام على الاحمدي ،ولم ياتي العام 63م إلا وقد أفرغت الثورة من نصف كوادرها فالزبيري الذي كان وزيرا للمعارف _ التربية _ اختلف مع جماعة الإخوان فقرر تركهم وتأسيس حزب خاص به اطلق عليه ( حزب الله ) لكن وبعد ثلاثة أشهر من إعلان الزبيري لحزبه واهدافه تم إغتيال الزبيري في منطقة ( برط ) وكان قد حضرا مهرجان جماهيري وبعد ان أكمل خطابه توجه برفقة عبد المجيد الزنداني _ المرافق الشخصي له يؤمها وعلى بعد مسافة غير طويلة من مقر المهرجان توقف الإثنان وفجاة سقط الزبيري شهيدا وتحركت قبائل ( برط ) والقت القبض على ثلاثة أشخاص تورطوا بالجريمة وتم تسليمهم للشيخ الاحمر ليصدر الاحمر بيانا بعد ثلاثة أيام من الواقعة بان المتهمين تمكنوا من الهروب من ( القشلة _ السجن الخاص بالاحمر في العصيمات _ خمر ) ..؟!!
خلال هذه الفترة كان الشعب اليمني ينزف ويقدم خيرة أبنائه فدا للثورة والجمهورية وكانت مصر عبد الناصر تقدم بدورها التضحيات التي لم تقدمها أيا من اطراف الازمة بل ان اليمن لم تضحي في سبيل ثورة سبتمبر قدر التضحيات التي قدمتها مصر عبد الناصر ، وقد لعب رموز ووجهاء القبائل دورا كبيرا في خداع المصرين الذين كانوا يثقوا بوجهاء القبائل الذين هم بالاساس جمهوريين ولكن هولاء كانوا يمارسون بحقهم اسوى انواع الغدر ..!!
في 63م وامام ضغط الصراع على السلطة ولجؤ بعض اقطاب الثورة إلى الحشد الطائفي وخاصة بعد اغتيال علي الاحمدي ألقى المرحوم عبد الرحمن البيضاني خطابا ناريا في منطقة التربة بالحجرية غمز فيه من قناة ( المذهبية ) وحسب تفسيره لاحقا لي أكد أنه لم يكن جادا فيما ذهب إليه بل اتخذه كعامل ردع لإيقاف تصرفات بعض اركان الثورة والدولة من رموز الإقطاع السياسي والقبلي ،وقد اوضح هذه الحقائق في كتابه _ ازمة الامة العربية وثورة اليمن _ في عام 1965م جمع عبد الله الاحمر قبائل طوق صنعاء وهن سبع قبل وأبرمت هذه القبل وثيقة عهد مقدس تعاهدوا فيه على التكاتف والتلاحم والتصدي لكل محاولة يقوم بها المتطرفين الشيوعيين والعلمانيين لتغير قيم واخلاقيات المجتمع اليمني المسلم او المس بمعتقداته وتراثه إلى اخر المعزوفة التي مكنت الشيخ الاحمر على التوغل بنفوذه ومعتقداته في جسم الثورة والدولة والمجتمع وتمكن من إفراغ الثورة والجمهورية من اهدافهما والدولة من سلطتها ومكن القبيلة من ان تصبح ندا للدولة بل وفوق الدولة سلطة وإعتبار وحظور حتى في صلاحيات السلطة والقانون فرضت القبيلة نفسها وقيمها ، ولم تكن قيم القبيلة هي ذاتها المتعارف عليها تاريخيا بل حتى القبيلة تم إفراغها من قيمها واعرافها وتقاليدها وتم تسخيرها لخدمة الرموز النافذة التي استغلتها لتحقيق مصالحها الخاصة ، سلوك جعل القبيلة اولى الضحايا لهذا التوظيف الإستغلالي للعصبية القبيلة وتطويعها بطريقة يصبح فيه الكل في خدمة الفرد ..؟!
في هذا السياق وتداعياته فاني احمد الله واشكره بأنه وفقني بمعرفة عدد من الشخصيات والهامات الوطنية التي لعبت دورا محوريا رئيسيا في تحولاتنا ، وابرز من التقيت بهم كان القاضي المرحوم / عبد الرحمن الإرياني رحمة الله تغشاه ، وكان لقائي به في يوم لا ينسي هو 22مايو 1990م في العاصمة السورية دمشق وقد شاهدت الدمع يذرف من مآقيه وهو يرفع علم دولة الوحدة في مقر السفارة اليمنية ، وقد جلست معه لأكثر من ساعتين واعترف أني قبل ان اشاهد دموعه كنت اعده من رموز ( القوى الرجعية ) وحين ودعته كانت قناعتي قد تحولت بمعدل ( 180 درجة ) فقد وجدت رجل يحمل كل صفات الوطنية ويعشق وطنه وشعبه ويتمنا لهما كل الخير ، وقد وجدت نفسي امام وطني مثالي وقاضي وعالم وفيلسوف ومرجعية ومثقف موسوعي وشاعر مرهف المشاعر وإنسان بكل معاني وصفات الإنسان المثالي والعصامي ومناضل يتحلى بكل الصفات النضالية ..
وبعد عودتي التقيت المشير عبد السلال وارتبطت بعلاقة وثيقة معه رحمة الله عليه فوجدته وطني وقومي ومناضل وحكيم وحصيف وذو رؤية ثاقبة وصادق لدرجة إنك تشعر وانت امامه إنك امام حكيم صوفي زاهد او فنان مبدع مرهف المشاعر يميل للنكتة ولكنه جاد وحاسم في إتخاذ القرار ، ثم التقيت وتعرفت وتوطدت علاقتي بالمرحوم الدكتور عبد الرحمن البيضاني ، وعرفت منه ايضا ما كنت اجهله ..
ثم توجت هذه المعرفة بالاستاذ المرحوم عبد الله البردوني رحمة الله عليه ، وإلى جانب هولاء عرفت المرحوم يوسف الشحاري ، والمرحوم عمر الجاوي ، ونهلت من كل هولاء ما تيسر من المعرفة والحقائق المتصلة بواقعنا ومعتركاته الصراعية المخفية والعلنية ، السلمية منها والدامية ..
قد يقول احدكم ماذا يريد الكاتب أن يقول ويوصله للناس ، ومع المتسائل كل الحق في تساؤلاته ..فانا أريد ان اصل للحاضر ولكن عبر قطار الماضي ، واكشف ان ما حدث في فبرائر 2011م كان خطاء كارثي وقع فيه _ حملة المشروع الوطني _ إفتراضا إنهم حملة مشروع وطني مع أني اشك بذلك لأن أي حامل لمشروع وطني ذو بعد ثقافي وإجتماعي لايمكنه ان يصطف في المكان الخطاء ويؤغل في إنتاج الخطيئة، وتعد اللحظة الوطنية الراهنة بكل ألامها ومآسيها هي حصيلة تلك الخطيئة التي أرتكبت في فبرائر 2011م ..
ولهذا دعوني اتسائل قبل ان تتسالوني عما اريد قوله ، واتساءل ابطال فبرائر 2011م ماذا حققتم ؟ وماذا انجزتم للوطن والشعب ؟ وهل لازلتم مقتنعين بان ما قمتم به ثورة ؟ وان ثورتكم مستمرة ؟ وان مشكلتكم هي الدولة العميقة ؟ كما قالوا قبلكم إخوان مصر ؟
هل كان هدفكم فعلا هو إيصال الوطن والشعب إلى هذا الحال الراهن اليوم ..؟ هل ناضلتم ورابطتم بالساحات وضحيتم بالشباب وبامن وسكينة المجتمع من اجل ان تصلوا بالوطن لهذا الحال ؟!
هل كانت رغبتكم بإسقاط النظام هي السقف الذي وضعتموه لأنفسكم وجاهدتم لتحقيقه واكتفيتم بهذا الإنجاز ؟!
هل لدى صناع ( الثورة ) المزعومة الشجاعة الكافية والرجولة والقيم النضالية والوطنية والشعور الإنساني ليطلعوا يعترفوا بخطائهم ويعلنوا ندمهم للشعب مع ان الندم لم يعد مجديا ؟ هل يمتلك هولاء قيم الرجولة ليعتذروا ويطلبوا من الشعب المغفرة والمسامحة ؟ قطعا لا ولن يحدث ، ولن يفعل أيا كان هذا ، إلا ان كان شخصا مستقلا غير مرتبط بالتوجيه الحزبي والتبعية المطلقه لحزبه ..!
طبعا كل الفعاليات السياسية والحزبية تدرك جيدا قواعد اللعبة والصراع السياسي في اليمن ، وليس هناك ثمة مكون يجهل حقائق الصراع وادواته ومكامن القوة والضعف فيه ، كما يعرف ويدرك هولاء الشروط الذاتية والموضوعية لأي عمل ثوري او حركة تغيير إجتماعي ، وبعلموا جيدا ان الثورة إنتصار وليس إنتحار ، ويعلموا جيدا وبما فيه الكفاية ان أي حركة تغيير إجتماعي تتطلب الكثير من العوامل الواجب توفرها وتامينها قبل القيام بالحركة ..فعلى ماذا راهن ( ثوار _ اسف أثوار ينائر ) على قناتي ( الجزيرة والعربية والإعلام الخارجي ) والتصريحات اليومية التي كان يطلقها الناطق باسم الخارجية الامريكية وهو يهدد ويتوعد انظمة المنطقة ويطالبها باحترام إرادة ورغبات شعوبها ..؟
ومع كل تصريح كان الحاكم العربي ينهار وبدلا من ان يخرج لمصارحة ومخاطبة شعبه ومكاشفته بكل الحقائق الغير معلومة عند الشعب ، كان الحكام العرب يستجدون سفراء واشنطن _ لندن _ باريس ، حتى مدراء ورؤساء مجالس شركات نفطية غربية وسطهم بعض حكامنا ووعدوهم بمنحهم إمتيازات خيالية ان ساعدوهم ووقفوا بصفهم لتجاوز المحنة ..؟!!
الثوار ايظا كحكامهم الكل راهن على الخارج وليس هناك ثمة طرف راهن على الداخل من الاحزاب والفعاليات السياسية بإستثناء ( الحوثي ) راهن على ( العصبية القبلية ) بدرجة اساسية ورهانه قائم على قواعد تاريخية ثقافية وسياسية ودينية وإجتماعية ..!!
بيد ان الغباء السياسي والثقافي والمنهجي للفعاليات الحزبية قد اوقعها في فخ الحسابات والرهانات الخاطئة ، ولم يكن وجها المشهد السياسي _ الحزبي _ يدركون حقايق وخلفيات الصراع الدائر داخل _ مثلث السلطة والدولة والقبيلة _ الذي تشكل اطيافه بعد حرب صيف 94م ثم راح يتبلور ليكشف عن نفسه وان بصورة مرتشة من خلال حروب صعده ، ثم بدت بعض ملامحه تتضح للمراقب الحصيف بعد إنتخابات العام 2006م ..حدث كل هذا والاحزاب المعنية غارقة في مستنقع خصومة ( عفاش ) وهي خصومة إبتزازية وإنتهازية عبرا عنها الإصلاح بعد خسارته إنتخابات العام 1997م ثم إنضمامه لأحزاب اللقاء المشترك ..؟!
في هذا التكتل اللقاء المشترك اجتمعت كل الاطياف وبطريقة غريبة وعجيبة ،فكان فيه القومي التقدمي واليساري التقدمي والإخواني الخصم التقليدي لهم والملكي الخصم الاكبر للكل ..إذا ما هي الرؤى السياسية والفكرية التي شكلت هوية هذا التكتل ؟ الحواب ببساطة ( الإنتهازية السياسية ) ( الحقد السياسي ) ( الثار السياسي ) ( الفشل ) الذي أصاب كل هولاء ثم كان عامل لتجميعهم وحصر خصوماتهم مع رأس النظام ( عفاش )..؟!
يتبع
تمت طباعة الخبر في: السبت, 17-مايو-2025 الساعة: 10:47 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://raymanpress.com/news-81294.htm